الكتاب يمكّنك من السفر حتى إن لم يُتح لك فرصة الذهاب في إجازة. وهو يساعدك على التمتّع أكثر باجازتك إن ذهبت في اجازة. لذلك رأينا أن نقترح عليك كل يوم كتابا حتى يكون للمطالعة، التي تبقى أهم نشاط انساني، في صيفك نصيب. نشر الدكتور المنجي الكعبي، على نفقته كالعادة، الاتفاقيات بين تونسوفرنسا الممضاة بباريس في 3 جوان 1955 بين الطاهر بن عمار والمنجي سليم وبين ادقار فور وبيار جولي مع المداولات البرلمانية بمجلس النواب والشيوخ (تونس 2018، في 193 ص عربية + 479 ص فرنسية) وأهداها الى شهداء الخلاف الايجابي بين الزعيمين الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. وكان الاول يعتبر الاستقلال الداخلي بموجب هذه الاتفاقيات خطوة الى الأمام ومرحلة اولى على درب الاستقلال التام بينما كان الثاني يعتبرها خطوة الى الوراء الى حد نشوب الفتنة القاسمة للشعب بين أنصار رئيس الحزب وأنصار أمينه العام. من تلك الاتفاقيات بمداولاتها يكتشف المؤرخ حرص فرنسا على انسلاخ تونس من قوميتها ودينها وادماجها في المحيط الاوروبي بدعم ثقافتها ولغتها الفرنسية على اعتبارها لغة أصلية متطوّرة عن لاتينية الفترة المسيحية بالشمال الافريقي. وذلك مع فصول مشهورة تخصّ التعليم الزيتوني والمرأة مما وجدت فرنسا الزعيم بورقيبة أنسب من منافسه للوفاء بها رغم تشكيك المعمّرين في صدق نواياه وتخوفهم من ان يتطاول بعدها على فرنسا مطالبا بالاستقلال التام ثم بالجلاء الزراعي المهدّد لإنجازاتهم حتى قال بعضهم: «إن هذه الاتفاقيات ستفتح أمامه شهية الحكم المطلق وذلك من خلال المطالبة بتعديلها او تجاوزها بتعلة السيطرة على الوضع الأمني في ظل الشقاقات (...) وأنه سوف لا ينطئ بإعلان العصيان في وجه فرنسا ويوجد الحجج للتنصّل من بنود الاتفاقيات تدريجيا تحت الضغوط التي قد يصطنعها للتغلب على منافسه ابن يوسف والظفر بالحصول دونه على الاستقلال التام تحقيقا لمجده الشخصي (...) وأنه سيبادر بمجرد توليه رئاسة الحكومة بإسقاط النظام الملكي وإعلان الجمهورية في تونس» (ص910 من المقدمة). وصدق أحد شيوخ البرلمان الفرنسي في تكهنه بأن بورقيبة، الذي يصفه بالفرنسي الكبير، سيكون في الحكم أكثر ولاء لطبعه الاستبدادي منه لثقافته الفرنسية» في باب الحريات والديمقراطية (ص10). كتاب ثمين وضخم ومثير يصلح للصيف والخريف، ولتاريخنا.