بقلم المؤرخ محمد حسين فنطر (المختص في التاريخ القديم والآثار الفينقية البونية وتاريخ الأديان)أمّا فيما يتعّلق بالفتيات اللاتي يهبن بتولتهنّ الى عشترت، فتلك معتقدات معروفة في الشرق القديم من ضفاف دجلة الى سواحل البحر المتوسط، فقد كانت معروفة لدى الايلوميين Elymes وهم قوم يعيشون في غربيّ صقلية ولهم قدس للإلهة وينوس تمارس فيه شعيرة البغاء المقدس، ومضمونها أنّ تقيم الفتيات العذارى في المعبد أو علي شاطئ البحر ويزاوجن من يتقدم إليهن فتلك هي الشعيرة التي يسميها المؤرخون البغاء المقدّس la prostitution sacrée، وقد وصلتنا عنها أصداء كثيرة في كتب القدماء ويبدو أ هذه الشعيرة كانت تمارس في سقّة Sicca، وهي التي أصبحت تسمّى بعد الغزو الروماني Sicca Veneria إشارة إلى علاقتها بوينوس وهي التي سمّا الادريسي «شق بنارية»، وخلفتها مدينة الكاف في الشمال الغربي التونسي. وأوضح ما لدينا حول هذا الموضوع، نص ورد في الفصل التاسع والتسعين بعد المائة من السفر الأول من تاريخ هيرودوتس وهو كالتالي: «إن أكبر المخزيات في بابل شعيرة تقليدية مضمونها أن تقيم كل امرأة في معبد افروديت مرّة في حياتها وتجامع غريبا أيّا كان. كثيرات هنّ اللاتي يفخرن بالثراء ويعتبرن من غير اللائق بهنّ الاحتكاك بالنساء الأخريات، فتراهن يتوجهن إلى المقدس على متن عربات مغطاة ويمكثن هناك ومعهنّ حشد من الوصيفات والخدم، وأغلبهنّ يتوخّين السلوك التالي: يجلسن في حرم أفروديت المقدّس وعلى رؤوسهنّ تيجان من حبال وهنّ جماعات مقبلات وجماعات مغادرات وبين امرأة وأخرى ممرّات تحدّها حبال من كلّ الجهات، ويشقّ الغرباء تلك الممرّات ويختار كلّ واحد منهم المرأة التي يريد مزاوجتها، مع العلم أنّ المرأة التي تأتي هذا المكان لا تعود إلى بيتها قبل أن يلقي أحد الغرباء نقودا على ركبتيها، وتزاوجه داخل الفضاء المقدس. وعند القاء النقوط لابدّ له من قراءة الكلمات التالية: أمرك باسم الإلهة موليتّا Mylitta، وموليتّا هو اسم أفروديت عند الأشورييين، ومهما تضاءلت قيمة تلك النقود فلا خوف من أن ترفضها المرأة، فلا يحقّ لها ذلك لأنّها نقود مقدّسة، وعلى المرأة أن تخطو خطى أول من يلقي إليها شيئا دون أن تنفر من أحد. وبعد المزاوجة، تكون قد قامت بواجباتها الدينية فتعود الى بيتها ولن يستطيع كسبها بعد ذلك أحد مهما قدّم إليها. فالنّساء اللاتي لهنّ طلعة صبيحة وهيئة مغرية سرعان ما يعدن الى بيوتهنّ. أمّا القبيحات فقد تطول إقامتهن في المعبد قبل أن تتمكّن من القيام بما يقتضيه الواجب، فمن النساء من تبقين ثلاث أو أربع سنوات داخل الحرم.