دعا نشطاء في مدينة القيروان يوم أمس النيابة العمومية الى التدخل وفتح تحقيق في الطابع التكفيري الصريح الذي صدعت به مكبرات صوت شاحنة جابت أرجاء المدينة للدعوة الى المشاركة في مسيرة تُنتظَم اليوم بالعاصمة ضد تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة. تونس(الشروق) وقد كتب أحد النشطاء أن هذه الشاحنة كانت سابقا تُستغل «من قبل أهل الميت لإذاعة خبر وفاته وموعد دفنه ومكانه. فتجوب شوارع المدينة. وتتوقف أمام المقاهي واحدا واحدا لإعلان ذلك». لكنها أذاعت صباح أمس الجمعة باسم جمعية الأيمّة بالقيروان دعوة الى المشاركة في مسيرة ستنتظم اليوم رفضا لما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وأن النقل مجاني بالحافلات في اتجاه العاصمة. دعوة الى الجهاد الصادم وفقا لصاحب الشهادة هو «الطابع التكفيري الصريح لهذه الدعوة. حيث استعملت فيها عبارات من قبيل : «تقرير صاغته شرذمة من الضالين أو المنحرفين» و»هبّوا الى نصرة الله» و»يا أبناء عقبة هبّوا الى الجهاد». واستغرب صاحب الشهادة من عدم تدخل البلدية لمنع بث «هذا الخطاب التكفيري التحريضي. وكان من المفروض أن يتدخل الأمن لمنعه» مضيفا أنه «اذا لم تتحرك النيابة العمومية للتحقيق في هذه الجريمة فإن الأمر خطير جدا». وقد أكدت منيرة البلغوثي الناشطة الحقوقية بالقيروان عودة هذه الأجواء التكفيرية في الكثير من المساجد مؤكدة أنها تصب في اطار حملات التجييش واستغلال الثوابت الدينية للناس. وأكدت البلغوثي أن صمت السلطات الرسمية تجاه تنامي ظاهرة التكفير هو شبه تورط فيه. وأضافت «تلك السيّارة التي بثّت خطابا تكفيريا عبر مكبرات الصوت بلغني أنها سيّارة خاصة وان يكن فهي من المؤكد حصلت على ترخيص من بلدية القيروان فكيف تسمح السلطات الجهوية ببث هذه الدعوة التكفيرية؟». كما قالت البلغوثي إن عودة التكفير قد تكون أسبابها سياسية. إذ هناك لعبة سياسية أعادت هذه الأجواء التكفيرية وبالتالي أصبح لزاما نقل تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الى البرلمان. حيث ستُحسم المعركة. فتجييش الشارع لا يمكن لاحقا التحكم فيه. وأكدت أن الرد لا يكون على الأيمّة التكفيريين بل على أصحاب القرار لتذكيرهم بضرورة تحييد المساجد. كما أن التكفير تاريخيا هو ظاهرة قديمة ومستجدة في تونس وبالتالي هذا مشهد تاريخي متكرّر. تجريم الأفكار ومن جهته قال الكاتب شكري مبخوت صاحب كتاب «تاريخ التكفير في تونس» الصادر خلال السنة الجارية إن التكفير عاد بقوة وهذا أمر ملحوظ. «فالتكفير يبرز كلما وجدت أفكار حديثة وجديدة عن المجتمع. وتطرح بين الأفكار الجديدة والتصورات الكونية وتكون في تصادم مع القراءة السائدة للإسلام وهنا يبرز التكفير باعتباره أسهل طريق لتجريم الافكار وتحريض الناس على رفضها». وتساءل المبخوت بخصوص ما يثار حول تقرير لجنة الحريات للفردية والمساواة «هل نحن قادرون على تقديم تصورات/ تأويلات تتناسب مع روح القرآن وبين تحولات الواقع ؟» مضيفا «هذا أمر يتطلب مجتهدين وباب الاجتهاد لا يغلق ويتطلب أناسا مؤمنين بأن الاحكام تاريخية فمثلا أساتذة الزيتونة اعترضوا على التقرير بكلام موجود في الكتب القديمة وليس فيه اي إعمال للعقل. هم عاجزون واقعيا عن تقديم حلول تجعل المؤمن متمسكا بإيمانه وفي نفس الوقت يساير عصره. ولاحظ المبخوت أنه في حال لم يصدر هذا التقرير هل فكّر من يدّعون فهم الدين في القضايا التي طرحها ؟ هل فكروا ودرسوا ووجدوا حلولا للميراث؟ هم اكتفوا لما هو موجود. هل فكروا في المثلية وغيرها ؟». قال الكاتب شكري المبخوت أيضا إنه هناك «استعمال سياسي للدين ودليل ذلك ما قام به تيار المحبة من توظيف فرجوي ليرد على أفكار قابلة للنقاش بطريقة فيها تجييش واستعمال للدين كمطية فقط لان صاحب التيار المواطن البريطاني الهاشمي الحامدي عينه على انتخابات 2019». وأكد المبخوت أن الصراع الفكري أمر محبذ لانه يدل على الديناميكية الثقافية والاجتماعية الا أن المشكل المطروح هو في عدم المحاسبة فرغم تجريم الفصل 6 من الدستور للتكفير يبدو أن النيابة العمومية لا تقوم بدورها. وقال إن «في تاريخ تونس القديم والحديث كلما ردت الاطراف الفعل على أفكار حديثة الا وانهزمت من ذلك التهجّم على أفكار الطاهر الحدّاد ثم التهجّم على بورڤيبة ثم التهجّم على ميثاق رابطة حقوق الانسان سنة 1985 من قبل الاتجاه الاسلامي كلها كانت تجارب انتصرت فيها الافكار الحديثة لتصبح لاحقا أفكارا عاديّة ومقبولة». رد وزير الشؤون الدينية حول التكفير في المساجد تؤكّد الوزارة تصميمها على النّأي بالخطاب الديني عن كلّ ما يشينه احتكاما إلى الشّرع من جهة والدستور من جهة أخرى اللذين يمنعان التكفير أو الإساءة بأيّ وجه ولأي كان فضلا على المحافظة على الحياد الكامل عن أيّ تجاذب سياسي مهما كان نوعه ومأتاه. وهو ما سبق للوزير التصريح به في عديد المناسبات وفي مختلف وسائل الإعلام تأكيدا وأنّ الوزارة تحترم أعضاء لجنة الحريّات الفرديّة والمساواة وعلى رأسهم الحقوقيّة الأستاذة بشرى بالحاج حميدة التي نكنّ لها كلّ التقدير والتي اتّصلت فعلا بالوزير في مناسبتين للتّعبير عن استيائها ممّا تضمّنته بعض الخطب الجمعيّة، إلاّ أنّه تعذّر تحديد الجهة الصّادر عنها مثل هذه المضامين لاتّخاذ الاجراءات المقتضاة، دون أن يمنع ذلك من القول بأنّ التحريّات متواصلة سواء تلقائيّا أو بناء على شكاية مرفوعة في الغرض تحدّد الشخص المشتكى به والأقوال المنسوبة إليه للتثبّت من أيّ حالة تجاوز. وعلى كلّ فإنّ الوزارة تجدّد حرصها على أن تكون مساجدنا منارة علميّة وأخلاقيّة جامعة موحّدة نابذة لأيّ شكل من أشكال المغالاة أو التّفرقة ولن يقع السّماح بأيّ تصرّف مناف للضوابط الشّرعية والدستوريّة.