تداولت وسائل إعلام عديدة قائمة المرشحين لشغل مناصب رؤساء المراكز الدبلوماسية و القنصلية مشيرة إلى أنها القائمة الرسمية للحركة السنوية لهذا السلك و لئن كانت صحيحة فهي قابلة للتغيير ذلك أن التسميات الدبلوماسية تخضع لمسلك خاص ذلك أن المرشحين يقع عرضهم على بلدان الاعتماد و لا تصبح تسميتهم نهائية إلا بعد مصادقة البلد المعني و هو ما يتطلب أحيانا وقتا طويلا ذلك أن سلطة القرار في هذا الشأن تختلف من دولة إلى أخرى فقد يكون رئيس الدولة او رئيس الحكومة و قد يكون مجلس الوزراء أو الوزير المكلف بالشؤون الخارجية. مما يجب تسجيله عند استعراض هذه القائمة أنها تضم حصريا كفاءات دبلوماسية أغلبها من الشباب الذي انضم للسلك الدبلوماسي في نهاية تسعينات القرن الماضي و هي كفاءات أثبتت جدارتها بتحمل المسؤوليات الامامية بعد أن فرضت نفسها في المواقع السابقة سواء في الإدارة المركزية أو في البعثات الدبلوماسية او القنصلية التي عملوا فيها. و أظن أن المراهنة على هذه الكفاءات في محلها لا سيما و قد تخرجت من مدرسة عريقة في الدبلوماسية يشهد لها العالم بالفاعلية و الجدوى بفضل تمسكها بثوابت و مبادئ لا يشكك أحد في قيمتها. عند اختتام الندوة السنوية الأخيرة لرؤساء البعثات الدبلوماسية و القنصلية أشار رئيس الجمهورية إلى إمكانية تعيين رؤساء مراكز من خارج السلك الدبلوماسي مما اثار بعض التخوفات المشروعة داخل هذه السلك و لكن هذه التخوفات لم تكن في محلها و في تقديري فقد أحسنت الوزارة صنعا بالاكتفاء بتعيين كفاءات داخلية فالعمل الدبلوماسي حرفة لا يتقنها إلا من تخصص فيها وهي إلى ذلك فن، فن التواصل و الإبلاغ و التفاوض لا يقدر عليها إلا من خبر دقائقها و خفاياها فضلا على أن لهذه المهنة خاصياتها بل و خصوصياتها التي لا يقدر على النهوض بها إلا من يعرف كنهها. فإذا كان القضاء لا يتولاه إلا قضاة فكيف يمكن أن نفكر في ان يتولى الشأن الدبلوماسي او القنصلي من ليس له دراية به ونعتبر ذلك امرا عاديا. إلى ذلك بقي مركزا نيويورك و بروكسل شاغرين في انتظار تعيين من يتولاهما و تبقى إمكانية تعيين مسؤولين من خارج السلك في هاتين المهمتين واردة بالنظر إلى دقة المرحلة القادمة من ذلك دخول المفاوضات مع الاتحاد الأوربي حول اتفاقية التبادل الحر الشامل و المعمق- الأليكا-منعرجا حاسما من ناحية و ترشح تونس لنيل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي بداية من غرة جانفي 2020 من ناحية ثانية و إني شخصيا لا ارى ضرورة في الالتجاء إلى مسؤولين سياسيين ففي الوزارة من الكفاءات ما يمكن الاعتماد عليها في هذه الملفات الشائكة. لم يكن من السهل إيجاد هذا الكم من الكفاءات لشغل المناصب الاولى في السفارات التونسية بالخارج فتعيين 12 سفيرا و 4 قناصل مرة واحدة ليس بالأمر الهين لا سيما و أن المواصفات تختلف من مركز إلى آخر خاصة وقد ضمت القائمة مراكز هامة في بلدان لنا معها تعاون متميز مثل اليابان أو البرتغال أو أخرى تعتبر واعدة مثل كينيا السفارة الجديدة المحدثة في شرقي إفريقيا أو فنلندا أو أثيوبيا علما بأن رئيس هذا المركز الاخير يتولى مهام ممثل دائم لدى الإتحاد الإفريقي دون أن ننسى بلدانا لنا معها علاقات عريقة مثل اندونيسيا و إيران و سلطنة عمان و جمهورية السودان و غيرها. و إننا نعول على هذه الكفاءات الشابة أن ترفع من نسق التعاون مع هذه البلدان و دفعها بما يخدم المصالح المشتركة وهي عديدة و متنوعة. ككل سنة لم يكن عدد النساء المرشحات لشغل المناصب الاولى في السفارات و القنصليات في المستوى المأمول فالاكتفاء بتعيين سفيرتين و قنصلة وحيدة لا يفي بالغرض لا سيما امام ارتفاع عدد الشابات اللائي يقدمن على العمل الدبلوماسي و إن ضرورات تكافؤ الفرص و المساواة بين الجنسين تفرض أن يكون عدد المعينات في المهام الدبلوماسية و القنصلية العليا أكثر مما تم هذه السنة و في السنوات القليلة الماضية فضلا على أن التناصف مبدأ دستوري لم نر بداية لتطبيقه في هذا السلك الهام من أسلاك الدولة و ليس الأمر حكرا على تونس بل إن هذا الوضع تستوي فيه الدول الكبرى مع الدول الصغرى. إن كفاءة المرأة بل و تقدمها على زميلها الرجل لم يعد أمرا خافيا إلا أن بعض المشاكل لا زالت قائمة مثل العوائق العائلية و هو ما يجب ان تعمل الإدارة على تذليله حتى نضمن المساواة الحقيقية بين الجنسين. إن تولي كفاءات شابة المناصب الاولى الدبلوماسية و القنصلية يؤكد سلامة التمشي الذي انطلق منذ إحداث المعهد الدبلوماسي للتكوين و الدراسات و الذي شهد تنظيم ما لا يقل عن عشرين دفعة تضم المئات من الدبلوماسيين الذي دعموا خلال السنوات الأخيرة الموارد البشرية للوزارة و لاشك أن الإقدام على تكوين 50 دبلوماسيا دفعة واحدة يمثل مجهودا استثنائيا يحسب للوزير خميس الجهيناوى لا سيما و أن عددا مماثلا سيقع انتدابه هذه السنة لنفس الغرض و إن هذا سيساهم دون شك في الرفع من كفاءة منتسبي الوزارة و لكن ذلك لن يفي بالغرض مما يدعو إلى استبقاء إطارات السلك الدبلوماسي إلى ما بعد سن الستين و ليت الأمر يصبح مقننا من خلال قانون أساسي طال انتظاره من طرف أعوان الوزارة وأسلاكها المختلفة. إن التداول بين الداخل و الخارج يجعل أن أفضل الكفاءات لا تبلغ المسؤوليات العليا إلا و قد تجاوزت سن الخمسين مما يجعل الاعتماد عليها لا يدوم طويلا و إنني ارى موجبا ان يكون سن التقاعد بين الخامسة والستين و السبعين مما قد يُمكن من الاستفادة أكثر مدة ممكنة من الإطارات التي يقع تكوينها حسب المواصفات العالمية.