كادت تمر الحركة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية و القنصلية التي تم الإعلان عنها منذ أسبوعين بسلام ودون لغط يذكر لولا تعيين السيد بلقاسم العياري، العضو السابق بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، قنصلا لتونس بتبسة وهو الأمر الذي لاقى سيلا جارفا من الانتقادات من داخل وخارج وزارة الشؤون الخارجية طالت حتى بعض الجوانب الشخصية للرجل. ودون الخوض في مدى احقية السيد بلقاسم العياري في تقلد هذا المنصب – وان كان تعيين وجه نقابي على رأس بعثة قنصلية يعد سابقة في حد ذاتها- فإننا نود الإشارة هنا الى بعض مواطن الضعف والخلل التي انتابت الحركة السنوية لرؤساء البعثات الدبلوماسية و القنصلية بشكل عام حيث ان تعيين العياري يمثل تكريسا لسياسة المحاصصات التي خلنا ان وزير الخارجية الحالي قد تجاوزها. فرغم الوقت الطويل نسبيا الذي استغرقه الإعداد لهذه الحركة والتكتم الشديد الذي احاطه بها وزير الشؤون الخارجية السيد خميس الجيهناوي ، فان ما يلاحظ في هذا الاطار ما يلي: - تبدو معظم التسميات منطقية بما انها شملت أبناء وزارة الشؤون الخارجية دون سواهم كما ان التسميات تعكس نفسا تشبيبيا واضحا بما ان معظم السفراء او القناصل الجدد تمت تسميتهم في هذه المناصب لأول مرة. - ثلث التعيينات التي تمت كانت من خارج الإدارة المركزية بمعنى انه وقعت ترقية بعض الدبلوماسيين المباشرين حاليا بالخارج الى رتبة سفير أو قنصل عام كما أن بعضهم رقي من درجة قنصل او قنصل عام الى رتبة أعلى. وهنا يحق لنا التساؤل عن وجاهة هذا الاختيار إذ جرت العادة ان تكون التسميات سواء في خطة دبلوماسي عادي أو رئيس بعثة من بين الدبلوماسيين المباشرين بالادارة المركزية على أساس الأقدمية واستفاء بقية الشروط المطلوبة. - ولسائل أن يتساءل في هذا الاطار عن المدة التي سيقضيها السفراء الجدد الذين تمت ترقيتهم إلى رتبة سفير كالسيدة كريمة البرداوي التي تمت تسميتها سفيرة ببراغ و الحال انه لم يبق في مدة مباشرتها ببعثتنا الدائمة في نيويورك سوى سنة واحدة وكذلك الشأن بالنسبة لعديد الوجوه الأخرى التي لم يفصلها عن السن القانونية للتقاعد سوى بضعة أشهر. - وتجدر الإشارة في هذا السياق ان الوزير الجيهناوي قرر في بداية هذه السنة التخفيض من مدة التعيين بالخارج بالنسبة لمختلف أصناف الدبلوماسيين والأعوان الإداريين وذلك من خمس إلى أربع سنوات. وهنا يتعين الإقرار أن بعض التسميات الجديدة المشار إليها أعلاه تمثل توجها زبونيا خالصا وإهدارا للمال العام ولصورة تونس لدى بلدان الاعتماد بما أن وزير الخارجية سيجد نفسه مضطرا بعد فترة قصيرة إلى استبدال هؤلاء السفراء إذا ما تم احترام قاعدة الأربع سنوات. - الملاحظة الثانية وفي ارتباط بالتي سبقتها، بدا واضحا ان بعض التسميات من بين الدبلوماسيين بالإدارة المركزية شابها الكثير من المحسوبية والحسابات الضيقة واردة المناورة و ضرب العمل النقابي بالوزارة على الهشاشة التي شابته في الفترة الاخيرة. ذلك الحركة شملت بعض الدبلوماسيين ممن لم يستكملوا بعد فترة الأقدمية المطلوبة بالإدارة المركزية والمحددة بثلاث سنوات في خرق واضح لقواعد الإنصاف والمساواة التي كانت مطلبا أساسيا للسلك بخصوص المقاييس الواجب اعتمادها في إعداد الحركة السنوية. والأخطر من ذلك ووفق ما تناهى الى علمنا و نحن نكتب هذه الأسطر أن القنصل العام الجديد لتونس بمرسيليا لا يعدو أن يكون سوى السيد سيف الدين فليس، الكاتب العام لنقابة السلك الدبلوماسي الذي تم عزله مؤخرا من خطته تلك من قبل زملائه في المكتب على خلفية "تنكره للمبادئ والأهداف التي قامت عليها النقابة وسعيه إلى تغليب طموحاته الشخصية على تلك التي يقوم عليها طبيعيا كل عمل نقابيو هو تغليب مبادئ المصلحة العامة والتضامن الجماعي وإرادة إصلاح المرفق العام الدبلوماسي بما هو مكسب وطني. وعلى هذا النحو فان المحاصصات لازالت سيدة الموقف حيث ان التعيين الأخير لا يعكس كفاءة خاصة للرجل بقدر ما يعكس مناورة من الوزير الجيهناوي تهدف الى ضرب العمل النقابي بوزارة الخارجية في مقتل واظن انه وُفق في ذلك. وان كنا نسلم انه من نافلة القول التسليم بان كل وزير او مسؤول رفيع المستوى حريص على استتباب المناخ الاجتماعي بوزارته او هيكله، فاننا لا نوافق البتة على تدجين العمل النقابي وعلى التسبب في حالة من الاحتقان بين أبناء الوزارة على خلفية مثل هذه التعيينات التي تبعث على الريبة والقلق وتدفع نحو مزيد من التدافع و التخندق في أجندات مشبوهة ولاسيما في هذا الظرف الذي تشهد فيه البلاد اهتزازات ومخاطر انفلات لانرى مسؤولية فيها لغير إرادات التوظيف وتغليب المصالح الفئوية والخاصة على حساب المصلحة العليا للوطن. وعلى هذا الأساس نفسه، ودون إرادة مس مطلقة من نضالية الاتحاد العام التونسي للشغل ومصداقية قياداته ورجالاته، نقيم عملية تعيين السيد بلقاسم العياري قنصلا بتبسة حيث ان هذا التعيين الذي قد يبدو للبعض رضوخا او استرضاء لإرادات محتملة من المركزية النقابية، لا يعدو أن يكون سوى مناورة استهدفت مهنية وحيادية السلك الدبلوماسي و محاولة فجة لتكريس عقلية الغنيمة في حكومة يحاول رئيسها جاهدا، ونخاله صادقا في مساعيه لفتح مكلفات الفساد وتفكيك شبكاته ورموزه حتى وان استندوا إلى أحزاب قوية ومتوافقة. المصدر