معركة التنمية التي تخوضها بلادنا هي معركة متعدّدة الجبهات ومتنوعة الأهداف والتحديات. فتحقيق بعث المشاريع الجديدة هي مسؤولية الجميع. وإذا كانت بلادنا في سباق هذه المعركة قد رفضت أن تساوم في مبادئها واستطاعت أن تضبط أمورها تجاه رياح الأزمة الاقتصادية العالمية بما يحميها من مختلف الهزات والعواصف فإن دعم هذه الإرادة وتعزيز هذا التوجه يبقى مشروطا بمدى فهمنا مسؤولين ومواطنين على حدّ السواء لطبيعة التحديات التي نواجهها ومدى التزامنا وتقديرنا "للعمل" كقيمة جوهرية أساسية في تحقيق غايات البلاد والعباد. فهذه المرحلة تفرض علينا أن نضبط المعادلة بين الامكانيات المتوفرة والمطامح والحاجيات المتزايدة، كما تفرض علينا أيضا تغييرا جذريا ومراجعة كاملة لممارستنا وأساليبنا في العمل، والإنتاج، والاستهلاك، فإنها تدعونا إلى فهم أكثر لمعاني الإعتماد على الذات إذا أردنا أن نحافظ على استمرارية حرية واستقلالية قرارنا السياسي والاقتصادي ولنكون اليوم مثل الأمس في مستوى المواجهة والتحدي. إذن علينا جميعا أن ندرك بأن الاعتماد على الذات لا يعني الامكانيات المادية فقط بل هو الاهتمام بالدرجة الأولى بصانع الماديات نفسها وهو الانسان والتحكم في طاقاته الخلاقة المبدعة وتوجيهها الوجهة السليمة المتماشية مع انشغالات الجماهير وطموحات الوطن والمواطن لتحقيق شروط رفاهية دائمة لا رفاهية عابرة أو مستوردة. فالذي يجب تأكيده في هذه المرحلة بأن "العمل" سيظل صانع تقدم البلاد ومصدر كل ازدهارها، وهو المقياس الوحيد لتقييم الأشخاص وتحديد موقعهم في خارطة النضال اليومي، وما يتطلب من كلّ مواطن مزيدا من التجنيد، ومزيدا من الانضباط ومزيدا من الجهد والعمل لتحقيق تطور البلاد وتقدمها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وحتما "فإن تونس اليوم ستكون كما نريد لها أن تكون المؤمنة بالتقدم والازدهار والالتحاق بركب البلدان المتقدّمة قولا وفعلا، وهذا بفضل العمل الجاد الذي يجعل من التفاني في العمل فضيلة الفضائل ويجعل من المواطن الشريف الذي يعيش بعرق جبينه أفضل المواطنين". فالذي يجب تأكيده في هذه المرحلة هو أن للعمل قيمة جوهرية وأساسية في إيجاد الحلول للمشاغل والمشاكل مهما كان نوعها وحجمها. فالمسؤول الذي يعمل لتحقيق الاستخدام الأمثل للامكانيات المتوفرة بين يديه ويسعى للاعطاء الفرصة لكل الطاقات الحية من الشباب للانغماس الحقيقي في معركة التنمية هو المسؤول الذي يستحق ثقة الدّولة والجماهير00، أما ذلك الذي يتخذ من هذه الحجة الواهية الامكانيات وسيلة لزرع المتاعب والمصاعب أمام مسيرة البلاد ويقيم سدا منيعا بينه وبين الطاقات الخلاقة والإطارات والكفاءات التي كلفت الدولة الكثير من الجهد والمال فإنه لا يبرهن عن انتسابه لهذا الوطن وانتمائه له. إن العمل من أي موقع هو أساس الرفاهة والتقدم ولا طريق غيره لتجسيد الأهداف التي رسمتها معركة التنمية الوطنية ولا سيما في هذه المرحلة المتزاحمة بالاولويات والمتعددة بالتحديات، وإذا كان لا بديل عن العمل في تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي وتطوير الحياة إلى ما هو أفضل فإنه لا بديل عن التحكم في استخدام الطاقات البشرية استخداما عقلانيا وتشريك الكفاءة التونسية المتواجدة خارج أرض الوطن. فالمعركة التي نواجهها اليوم هي معركة ضارية، وتتطلب التعبئة الشاملة والمساهمة الواعية في المجهود الوطني، وهي تفرض علينا مراجعة لممارساتنا وأساليبنا في العمل والإنتاج كما أن هذه المعركة هي بحاجة ماسة وملحة إلى استثمار جيد للإمكانيات المتوفرة وتحكم دقيق في توزيعها على دواليب وقطاعات التنمية. وبذلك تضمن الرخاء والتقدّم للبلاد. ونضمن المستقبل لأبنائنا ووطننا بعرقنا وجهدنا ونحقق رفاهية حقيقية ودائمة للوطن والمواطن. ( نائب سابق بمجلس النواب مؤلف كتاب ملحمة النضال التونسي)