بقلم : محمد عدنان التليجاني (حقوقي) كثيرة هي العوامل التي أذكت نار الثورة ثورة الكرامة والحرية والانعتاق من حكم طائش طال بطشه... 23 سنة من الاستبداد والاستبعاد والاستعداد لتحطيم الأحلام والأقوال والأقلام وكل شيء جميل ينبض بالحياة... ثورة كسرت القيود التي كبلت الأيدي والأرجل والأنفاس والعقول والأسماع والأفواه وأغمضت العيون حتى لا ترى ما طال البلاد والعباد من خراب وسرقة وتجميع للأموال وتخزينها وتكديسها وتبييضها وتهريبها... ويمكن في هذا المجال ذكر ما اتسم به المسؤولون في العهد السابق من عدم اللامبالاة وإهمال المطالب الأساسية لأبناء الشعب التونسي وعدم اكتراثهم بشواغلهم ومشاكلهم وهمومهم وفقرهم وجوعهم ومرضهم ومعاناتهم في اللهث وراء لقمة العيش ويأسهم من الحياة على هذه الارض الطيبة مما حدا بالكثير منهم الى مغادرة البلاد على زوارق الموت والتي غالبا ما يبتلعها البحر فيغرق المبتغي من الهجرة ويموت حلم الحياة الجميل في أعماق البحار. فطريقة الاصغاء المتبعة سابقا الى المشاغل والشواغل والهموم والصعوبات (البطالة، الخصاصة والحاجة...) التي تعترض أبناء وطننا واتباع وسائل ناجعة في معالجة المشاكل واستنباط الحلول اللازمة لها وهذا واجب مفروض على الدولة... التي فوضت مسؤولية التسيير للبعض من أبناء هذا الوطن بتعيينهم في المناصب الهامة بالبلاد، هذه التصرفات الحضارية والمتحضرة تغيب عن الكثير من المسؤولين الذين بعد توليهم لمهامهم يصبح همهم الوحيد الجري وراء الامتيازات والسعي الى قضاء شؤونهم الخاصة وشؤون المقربين منهم... فينغلقون على أنفسهم ويغلقون منافذ وصول الناس اليهم ويفتعلون حاجزا سميكا ومتينا بينهم وبين أبناء وطنهم فيجد المواطن نفسه في مشاكل جمة تؤثر على نفسيته وتزعزع ثقته في دولته ومؤسساتها. إن السياسة الاصلاحية المفروض انتهاجها بعد الثورة يجب ان تبنى على الانسان التونسي وعلى قدرته على الاستشراف والتطور حسب الظروف والامكانيات المتوفرة له وطبقا لنظرته التي لا تخيب لما يدور حوله وفهمه الدقيق للمتغيرات التي تحصل في وطنه والعالم، كما تقوم على ترقية هذا الانسان وتحقيق المساواة بينه وبين أبناء شعبه ويمكن تحقيق ذلك بوضع حد لانعدام المساواة في الفرص المتاحة لجميع التونسيين بغض النظر عن الجهة التي يعيشون فيها وإرساء عدالة اجتماعية متوازنة بين جميع أفراد هذا الوطن اذ ان تونس الثورة لا يمكنها ان تقبل تطورات غير متساو بين أفراد شعبها وبين الأجزاء المختلفة للبلاد. إن مبدأ المساواة وتحقيق فرص الازدهار لكل المواطنين يستلزم ان لا نقبل بأية وضعية اجتماعية يضطر فيها جزء من السكان الى النزوح عن مواطن استقرارهم والبحث عن أماكن أخرى للتعلم والعمل والجري وراء وسائل العيش الضروري التي افتقدوها في مناطقهم الاصلية، لذا يجب توجيه أضخم جهود التنمية نحو جميع مناطق البلاد دون تمييز حتى تتمكن الفقيرة منها من الارتقاء وفي ظرف وجيز الى المناطق الاكثر ازدهارا. لقد أثبت أبناء تونس العزيزة وفي كل الجهات حبهم للوطن وتعلقهم به والدفاع عنه الى حد التضحية وحرصهم على الحفاظ على مكاسبه والعمل الدؤوب من اجل ازدهاره ونمائه كما تعلموا ان يستفيدوا من الوسائل الفعالة واللازمة للتكوين والتوعية واكتساب المعرفة وأن يستوعبوا ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات معنوية والتزامات مهنية وانسانية تقتضيها روح المواطن وهذا ساعد على خلق جيل من المنتجين عمالا كانوا او فلاحين أو موظفين... تحدوهم عزيمة العمل ومسؤولين بفضل ما اكتسبوه من تفكير منطقي وتجربة معمقة ومتجذرة في العمل المنظم.. لا منتجين وموظفين وعاملين وفلاحين... جامدين فاقدين كل رغبة في العمل الهادف والصادق همهم السعي وراء الامتيازات والرضا السهل عن النفس الى التواكل غير مبالين بما يدور حولهم. إن المسؤولين مهما علت مناصبهم يجب أن يكونوا القدوة عملا وسلوكا ونزاهة والتزاما واخلاصا لتونس... حريصون على تحقيق النتائج المرجوة التي تستجيب الى تطلعات الشعب التونسي وتطبيق المرامي على الوجه الأكمل وطبق أهداف ومبادئ.. تتضمن برامج وتجسد نظرة وأبعادا وتوجها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا سليما... توجه قائم على ارجاع السيادة الى الشعب والمصالحة مع الهوية الوطنية وتأسيس البناء الديمقراطي الصحيح وإرساء دولة القانون والمؤسسات وحماية الانسان ورعاية الحريات الأساسية وخاصة حرية المعتقد وحرية الفكر وحرية الرأي والتعبير بشرط أن لا يستخدم للنيل من ثورة شعبنا... توجه هدفه تجسيم المجتمع المدني في أبهى صوره... الثري بالاختلاف المؤمن بالشعور المدني العميق والحس الديمقراطي الواعي السليم والمسؤول... توجه مبني على الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية ومساواة الجميع أمام القانون بحيث لا يعلو أحد على القوانين... توجه هدفه النهوض بالانسان ومكافحة الفقر والتخلف وتكريس الأمن والدفاع عن السيادة الوطنية. إن النجاح في ما نرمي إليه من إقامة صرح اقتصادي متين وإحداث تغييرات اجتماعية... يتطلب خطا ونهجا سياسيا سليما ومنظورا مستقبليا استشرافيا واضحا إلا أن النتائج المرجوة ستظل رهينة اختيار الأفراد الذين تناط لهم مهمة التنفيذ والتسيير. ومن هنا فإن انتقاء الفرد يكتسي من المرحلة الراهنة وفي ظل ما تعيشه بلادنا من تحدّيات على جميع المستويات طابعا استراتيجيا حاسما، فعملية الاختيار يجب أن تمر بمراحل دقيقة وهذا شيء طبيعي خاصة إذا كانت الغاية ليست فقط تشريف الفرد بل بتعيينه في منصف ما وتمكينه من امتيازات ذلك... يجب أن يعلم أنه يقوم بأداء رسالة نبيلة وتكليف للقيام بمهام عظيمة وتقديم خدمات جليلة تجاه العباد والبلاد ولا يستطيع أن يرتفع الى المسؤولية التي تنتظره إلا إذا تشبع بعظمة المهمة التي عليه الاضطلاع بها وفهم معنى الثقة التي وضعها فيهم الشعب، لذلك فإن الاطارات المختارة إما أن تشكل عائقا للجهود المبذولة في سبيل التنمية والرقي وإما أن تكون على العكس من ذلك أداة فعالة وقوة دفع الى الأمام وعلى ضوء تصرفها وسلوكها واحتكاكها بالشعب وفهمها لمشاغله يحكم الناس على مدى سلامة السياسة والاصلاحات والانجازات التي تقوم بها الدولة. فالاطارات تتحمل على جميع المستويات مسؤولية خاصة في ما يتعلق بانجاز المهام المطلوبة لرقي البلاد وتقدمها في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... لذا فإن النجاح في مهام التنمية يرتبط بما تتحلى به تلك الاطارات من خصال ومن هنا يتحتم أن يخضع اختيارهم الى غربلة مدققة مع السهر المستمر على حسن تأطيرهم ومتابعة أعمالهم ومراقبتها لأنهم في الأخير يشكلون قاعدة النشاط المنظم للبلاد. إن اختيار المسؤولين يعني الاعتماد بالدرجة الأولى على الالتزام والنزاهة والكفاءة ورفض المحسوبية ومحاباة الأقارب والرشوة... كذلك يعني انتقاء الوطنيين من أبناء تونس المتحمسين للعمل الصادق الذين يدركون إدراكا سليما موطن مصلحة البلاد والعباد ويدافعون عنها بكل حماس ويتفانون في أداء واجبهم الى درجة التضحية من أجل ترجمة المثل العليا لثورة الشعب وتجسيمها الى واقع محسوس وبقدر ما يكون التكوين الاجتماعي والعلمي والانساني لهؤلاء المسؤولين سليما بقدر ما يوفق هؤلاء في ايجاد الحلول للمشاكل طبقا للتوجه الذي ترسمه الدولة ٭ ٭ ٭ ٭، كما أن اختيار الإطارات المؤهلة معناه كذلك استكشاف العناصر التي تتوفر فيها الكفاءات التقنية والخبرة الضرورية والدراية الحقيقية بأساليب التنظيم وتسيير الشؤون العامة. إن سلوك المسؤولين على كل المستويات وفي جميع القطاعات وخاصة في الإدارة التونسية بجب أن يكون في المستوى المطلوب الذي يجعلهم محل ثقة المواطنين ذلك أن هدفهم هو خدمة البلاد والعباد بإخلاص وتفان بعيدا عن مظاهر اللامبالاة والإهمال وسوء المعاملة والتباطؤ.. لهذا يجب أن تحارب بكل حزم وبطريقة حضارية كل التصرفات والمواقف التي تحيد عن هذا المبدإ إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الأساليب البيروقراطية البالية تطغى على المفهوم النبيل والدقيق للخدمة المدنية التي تنشد مصلحة الجميع وتعمل للصالح العام. ولكي يتم القضاء نهائيا على كل العقليات المنحرفة والتصرفات السلبية والمناهضة للمجتمع يجب أن نبذل مجهودا متواصلا في مجال الإقناع بضرورة التخلي عن الممارسات التي لا تخدم الصالح العام ولا تتماشى مع ما يرغب فيه الشعب من ضرورة العمل والعطاء حتى نعطي لبلادنا الدفع المطلوب في جميع المجالات.. كل ذلك يتطب إرساء عدالة ناجعة وعقوبات صارمة للذين يقفون أو يحاولون تعطيل مسيرة النمو والتقدم.. وقد أثبتت التجربة قلتهم ونفور المجتمع المدني منهم ومن تصرفاتهم اللامسؤولة. أن امتلاك قناعات سياسية متينة وتجربة اجتماعية متجذرة والإخلاص التام للوطن هي الملامح الرئيسية التي يجب أن تتحلى بها الإطارات المخلصة للشعب وللثورة. إن مصلحتنا في المرحلة الراهنة تقتضي التعويل وبطريقة جريئة على الشباب الذي صنع الثورة... الواعي والواعد المستعد للعمل دون ملل ولا كلل.. القادر على بث روح جديدة من الحماسة في جميع الميادين المرتبطة بالمهام التي تناط بعهدته.. الذي يساهم بنظرته الجديدة في معالجة الأمور واستنباط الحلول الضرورية والناجعة لها.. شباب يعمل ويبدع ويربي ويولد الأفكار ويستنير بأفكاره الآخرون وخاصة القدامى من المسؤولين.. شباب يدرك مصلحة البلاد وكيفية الحفاظ عليها.. شباب متسلح بالعلوم والتكنولوجيا وبجميع وسائل المعرفة لإعداده ليكون مخزون البلاد من الطاقات المبدعة القادرة على العمل لضمان مستقبل الأجيال القادمة التي تناضل من أجل عزة وتقدم ومناعة تونسنا العزيزة. لذا يجب أن تتم ترقية الشباب المتحمس للعمل الجاد الراغب في تقديم الإضافة والتعويل عليه عند الضرورة والحاجة وفقا لمبدإ التكامل الوثيق بين القدامى من الإطارات والناشئة منها وتلك هي قاعدة التطور المستمر في الحياة وسنة اللّه في خلقه إذ لا يجب أن تكون هناك قطيعة أو نفور أو احتكار للمعرفة أو حط للعزائم في التعامل بين الطرفين لأن المتضرر الأول والأخير ستكون مصلحة البلاد. وإيمانا بما يفرضه الواقع من تحديات وتفعيلا لخيرات الشعب في جانب تعويله على الشباب وعلى دورهم في بناء تونس الغد فإننا مطالبون كإطارات إلى جانب بقية مكونات المجتمع بتقديم البديل لما هو سائد في بعض الميادين التي بقيت على حالها ولم يصلها ركب الثورة إلى حد الآن وذلك ناتج عن ممارسات غير مسؤولة للبعض وعقليات بالية ومتحجرة ومتخلفة للبعض الآخر والتي بالإمكان أن تقف كالسد ضد تحقيق التقدم المنشود. ولن يتيسر ذلك إلا بمقاومة تحجر العقول والتصدي للأفعال المبتذلة المشلولة وإحداث رجة قوية تخلصنا من القيود وتمكننا من الانطلاق نحو الفعل المتحضر والممارسة الإيجابية الخلاقة التي يكون نتاجها اللحاق الفعلي بكوكبة الأمم المتطورة وهذا يفرض علينا مواصلة العمل وفق استراتيجية ناجحة وتخطيط محكم يكون أساسهما أهداف واضحة وسياسة حكيمة تحتاج أن يواكبها نظام متكامل للمتابعة والتقييم.. ورجال وطنيون يمكن التعويل عليهم لاستكمال منهج الثورة والإصلاح كمّا ونوعا وممارسة مما يكفل لنا تحقيق ما نصبو إليه والوصول إلى النتائج المرجوة من رقي وتقدم وازدهار في جميع أعمالنا وما يضمن لبلادنا ولشعبها الأبي العزة والكرامة. إن تونس في حاجة إلى كل أبنائها المخلصين، الصادقين، الوطنيين، الذين يفضلون مصلحة الشعب والبلاد على مصلحتهم الشخصية، المتشبعين بمبادئ ثورة 14 جانفي 2011 حتى يبدأوا من جديد مسيرة الإصلاح والبناء والنماء التي بدأوها منذ الوهلة الأولى للثورة.. يعملون ويكدون كأشخاص عاديين لا يفرق بينهم وبين باقي أبناء شعبهم إلا المسؤولية والتحلي بالحزم في التنظيم والتسيير والتفاني في العمل وأداء الواجب وحبهم لتونس ولشعبها.. يعيشون أحزانه وأفراحه.. يتقاسمون معه نفس المحن والآمال.. يحملون أحلامه وتطلعاته.. يحرصون على تحقيق طلباته ورغباته في حياة كريمة (الشغل، الصحة، التعليم والسكن..).. يستمعون إلى مشاغله ومشاكله مع استعدادهم لفضها وتخطيها وإيجاد الحلول المناسبة لها.. يسهرون على أمنه واستقرار حياته.. بعد أن يضمنوا لتونس الأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ولشعبها الرقي والازدهار.