أعلن البيت الابيض بداية الاسبوع الماضي أن الرئيس الأمريكي رشح سفيرا جديدا بتونس في شخص دونالد بلوم الذي يتولى حاليا المكتب الخارجي الأمريكي في ليبيا انطلاقا من تونس. و المعلوم أن الترشيح يجب أن يحظى بموافقة الكونغرس الأمريكي و يتحصل على موافقة الدولة التونسية حسب الاعراف الدبلوماسية. أسال هذا الاقتراح كثيرا من الحبر بالنظر إلى المسؤوليات التي تولاها السفير الجديد حيث أنه شغل تقريبا اهم المناصب في شؤون الشرق الأوسط التي تعود لها تونس بالنظر حسب التقسيم الجغرافي الأمريكي فقد تولى خطة قنصل عام أمريكي بمدينة القدس من 2015 إلى 2018 أي أنه هو من تولى نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المقدسة في انتهاك تام للشرعية الدولية كما عمل نائبا لرئيس مكتب العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بوزارة الخارجية الأمريكية. رئيس البعثة الأمريكية الجديد في تونس متمرس على أهم المسؤوليات في المنطقة فقد كان مسؤولا عن الملف الإيراني ومديرا لخلية القوة الإستراتيجية متعددة الجنسيات في العراق فضلا عن توليه مهام في اهم السفارات الأمريكية في المنطقة مثل كابول و الرياض و القاهرة و عمان و الكويت على وجه التحديد. إلى ذلك فالسفير الجديد يتكلم اللغة العربية بطلاقة و هو متحصل على الدكتوراه وعلى جوائز عديدة مدة عمله بوزارة الخارجية الأمريكية التي انتسب إليها سنة 1993. لا شك أن كل هذه المسؤوليات تؤكد أن الشخص غير عادي و أن تعيينه في تونس في هذه الظرفية يحمل دلالات عديدة. أول ما يخطر في البال أن انتقاله من إدارة الملف الليبي إلى تولي السفارة الامريكية في تونس يبين أن هذا الملف سيطغى على البقية في الفترة القادمة بالنظر إلى التطورات والمستجدات التي ستشهدها الأوضاع في ليبيا في الأشهر القادمة و التي لا تريد واشنطن أن تتم دون ان يكون لها القول الفصل فيها خاصة في أفق عملية إعادة الاعمار التي ستحشد لفائدتها مليارات الدولارات و التي يرغب الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي يسير بلاده كأنها إحدى مؤسساته أن يحصل على الجزء الأكبر منها. و مما يجب التأكيد عليه أن واشنطن تعتبر ليبيا جزءا من أمنها القومي والامر ليس جديدا ففي بداية القرن التاسع عشر بين 1801 و1805 قامت قوات مشاة البحرية الأمريكية «المارينز» بعملية إنزال على الشواطئ الليبية و شنت حربا من أجل حرية التجارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط تم خلالها قصف العاصمة طرابلس ولئن لم تكن الغلبة للطرف الأمريكي الذي خسر أكبر بوارجه في هذا الحرب فقد انتهت بإعادة النظر في معاهدة الصداقة بين الطرفين التي بقيت سارية المفعول مدة من الزمن. تحدث الكثير أن السفير الامريكي المعين كان عراب العلاقة الجديدة بين الولاياتالمتحدة و إسرائيل والتي تشهد حاليا افضل فتراتها بعد قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس و هو القرار الذي وعد به الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون و لم يجرؤ على تفعيله إلا ترامب. هل كان لدونالد بلوم دور في ذلك، قد يكون باعتباره كان حاضرا في كل اللقاءات التي تمت في هذا الشان والتي شارك فيها جاريد كوشنر مستشار ترامب الخاص وزوج ابنته و هل ان تعيينه في تونس يرمي إلى الدفع نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل و البلدان العربية و من بينها تونس لا سيما في ضوء التحسن الواضح في العلاقة بين الكيان الإسرائيلي و دول عربية مهمة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. لا أحد يمكن أن ينكر أن واشنطن تشجع على إقامة علاقات عادية بين إسرائيل و بقية الدول العربية و لكنها تدرك جيدا أن ذلك لن يكون بالأمر السهل خاصة بعد إقرار القانون الذي يجعل من إسرائيل دولة قومية لليهود. في المقابل تعي أمريكا جيدا العلاقة المتميزة التي تربط القيادة التونسية بنظيرتها الفلسطينية، خاصة و أن عددا من القادة الفلسطينيين أقاموا سنين عديدة في تونس وهو ما قد تراه أمريكا فرصة لإعادة تموقعها كوسيط في عملية السلام بعد ان اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو بمثابة انسحاب أمريكي من عملية السلام في الشرق الأوسط. إذا كان اهتمام السفير الامريكي الجديد سينصب على الملف الليبي و النزاع الإسرائيلي الفلسطيني مثلما يعتقد بعض المراقبين فهل سيجد الوقت و الطاقة للاهتمام بالعلاقات التونسيةالأمريكية التي هي بالأساس جوهر عمله. لا شك عندي أن كل اهتماماته السابقة ستصبح ثانوية باعتبار أن أولية عمله ستنصب على العلاقات التونسيةالأمريكية و التعاون بين البلدين في مختلف المجالات و بالطبع على تحليل الأوضاع في تونس ومتابعة تطوراتها خاصة في ظل الأزمة الحكومية القائمة حاليا وتفرعاتها المستقبلية و تعكراتها الممكنة و تأثيراتها المحتملة على الاستحقاقات الانتخابية القادمة فضلا عن بقية المظاهر التي لها تأثيرات إقليمية بل ودولية مثل الإرهاب و الجريمة المنظمة العابرة للبلدان. الوضع الداخلي التونسي سيأخذ كثيرا من وقته خاصة في ظل المجهول باعتبار ان لا أحد يدري اليوم من سيكون رئيس تونس القادم ولا ما هي الأغلبية التي ستحكمها. ولا شك أن نصيبا كبيرا من اهتماماته سيتوجه بالأساس نحو الحركات الإسلامية و تعاملاتها مع السياسة والشأن العام إجمالا لا باعتبار تونس مخبرا للمواءمة بين الإسلام والديمقراطية فحسب بل للوقوف على التطور الحاصل في الحركات الإسلامية و مدى جدية فصل العلاقة مع التفكير الإخواني العنيف والمتطرف. سفير جديد لمرحلة جديدة في تونس وفي المنطقة و العالم.