يُتداولُ سياسيا واعلاميا هذه الأيّام جدل حول إمكانيّة تأجيل الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعيّة) المقرّرة شهر أكتوبر من العام القادم. وتوزّع الطرح بين متمسّك بعقد الانتخابات في موعدها وبين متخوّف من إمكانية أن تذهب الأوضاع في البلاد إلى المزيد من التأزيم بشكل لا يُساهم في احترام الموعد المحدّد دستوريا. والمُفزع في هذا الجدل هو ما يتمّ الترويج له من أنّ بعض الفاعلين السياسيّين والأحزاب والقوى المؤثّرة تحرّك أجندات بغاية تعطيل المسار الانتخابي سلاحها في ذلك الإشاعات ومحاولات توجيه الرأي العام وايضا اصطناع المشاكل في ما يتعلّق بالمناخ الانتخابي ومختلف الآليات والوسائل والمستلزمات اللوجستية والقانونية المرتبطة به. ويرتبطُ هذا التخوّف بجملة من المعطيات الموضوعيّة المتعلقة أساسا بالوضعية التي تمرّ بها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بعد إعلان رئيسها محمد التليلي منصري استقالته منذ أشهر وأيضا بشبه الإجماع الحاصل بخصوص أهميّة تعديل القانون الانتخابي والقدرة على تمرير الرؤية الجديدة لتقسيم الدوائر الانتخابية وأيضا طريقة الانتخاب نفسها وحسابيات النسب المائوية، هذا دون تجاهل ما تمثّله الأزمة السياسيّة الراهنة والتحديات الاجتماعية والاقتصادية من تهديد لاستقرار الوضع العام في البلاد خلال الأشهر القليلة القادمة خاصة وأنّ الزمن الانتخابي لموعد 2019 شارف على الانطلاق ويحتاجُ جدولة دقيقة تحترم كلّ الآجال من فتح سجل الناخبين والتثبّت فيه وإتاحة الفرصة للمتخلفين والشباب الذين بلغوا السن القانونيّة للانتخاب ولاحقا قبول الترشحات والحملة الدعائيّة فالعملية الانتخابية في حدّ ذاتها. واقعيا، عرفت بلادنا في السنوات الأخيرة جدلا مماثلا، وعلى الرغم من كلّ ما حصل وعمليات الشد والجذب وتمطيط المواعيد فقد تمّت الانتخابات الرئاسية والتشريعيّة سنة 2014 والانتخابات البلدية شهر ماي الفارط، ولكن لا بدّ من الإشارة الى الأهميّة الكبرى التي تكتسيها انتخابات 2019 فهي أوّل انتخابات ستكرّس عمليا وفعليا مبدأ التداول السلمي على السلطة مثلما أقرّ ذلك دستور الثورة، وسيكون من المعيب أن تُضرب مصداقية هذا المسار الانتقالي في أوّل محطّة للتدليل على سلامة العملية الديمقراطية والسياسيّة وإلغاء أي مجال لإطلاق رسائل سلبيَّة للرأي العام المحلي والدولي في اتجاه تعثّر التجربة أو النكوص بها الى واقع التشكيك والريبة. في المحصلة، وإذا ما غيّبنا أجندات التخريب وتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي، وهي موجودة وشاهدنا بصماتها في المواعيد الانتخابية السابقة وخاصة الانتخابات البلديّة، فإنّه من الوجيه أن يأخذ الجميع في الحسبان المحاذير الموجودة، وهي موضوعيّة وواقعية، وأن تحرص كلّ الأطراف وبشكل سريع على معالجة مختلف المشاغل القائمة ونقاط التباين والإختلاف وعلى رأسها سدّ الشغور في هيئة الانتخابات وتهيئة أفضل الظروف الضامنة لإجراء الانتخابات في موعدها دون تأخير أو تأجيل وأيضا تأمين مشاركة شعبيّة واسعة في ظل ما تمّ تسجيله من عزوف انتخابي متزايد بين سنوات 2011 و2014 و2018. إذ تبقى الغاية الأساسية هي تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة بمشاركة شعبية وخاصة شبابيّة واسعة بما سيُعطي قيمة اعتبارية ورمزية لأوّل اختبار حقيقي ودستوري في التداول السلمي على السلطة منذ الثورة.