تونس (الشروق) تم مساء أمس الجمعة 31 أوت 2018 تشييع جثمان فقيد الأغنية التونسية الفنان حسن الدهماني إلى مثواه الأخير بمقبرة الكرم، بعد أن وافته المنية، ليلة أول أمس في حادث مرور أليم، وهو في طريقه لإحياء حفل بمنطقة كسرى. رحل حسن الدهماني، فجأة، دون وداع، لم يكن أحد ينتظر هذه الفاجعة، بل الدهشة الممزوجة بالحزن،ألمت بالجميع، وكل من يسأل عن الخبر الأليم يمني النفس منك بتكذيب الخبر أو أن تقول له مثلا: "هذه إشاعة كسابقاتها من الإشاعات التي قتلت بلغيث الصيادي وعيسى حراث".. لكن في الأخير تجد نفسك كسائليك تجيب نفس الإجابة: "إنا لله وإنا إليه راجعون... رحمه الله...". خبر وفاة حسن الدهماني نزل كالصاعقة، فاجعة كبرى هزت مواقع التواصل الاجتماعي، والبلاد التونسية التي خسرت صوتا من أحلى الأصوات العربية بل أحلاها في العقدين الأخيرين، هو صوت "يقول" كما هو متعارف عليه لدى أهل القطاع، يبهرك إن غنى لوديع الصافي.. يمتعك إن غنى لملحم بركات، يدغدغ مشاعرك إن غنى للعندليب، ويأسرك بأدائه للمواويل.. صوت نقي وقوي، وطاقة في الأداء لا يعلم سرها إلا من أكرمه بهذا الصوت... رحم الله حسن الدهماني. حسن الدهماني لم يلق حظه في تونس وعربيا، رغم أن صوته "عملاق" كما وصفه رفيق دربه الشاعر والملحن حبيب المحنوش، وبرحيله خسرت تونس صوتا لن يتكرر، وكان يمكن أن يكون سفيرها فنيا في العالم العربي، اكتشف موهبته الملحن عبد الرحمان العيادي، في فينيكس قرطاج، فكانت بداية مسيرة الفقيد الفنية في الفرقة الوطنية للموسيقى مع العيادي الذي لحن له رائعة إلى "صوت ذكرى" وهي من كلمات حنان قم وقدمها في مهرجان قرطاج، واعتلى بها منصة التتويج في مهرجان الأغنية العربية في الدار البيضاء (المغرب) حين توج بالجائزة الأولى، كما تواصلت علاقة الفقيد بالملحن عبد الرحمان العيادي بعد "عشرة" الفرقة الوطنية للموسيقى مع فرقة الوطن العربي للموسيقى، وقدما معا عديد العروض نستحضر منها عرض العبدلية في 2017. حسن الدهماني تعامل مع عديد الشعراء والملحنين في تونس، وكل من يعرفه، يعرف حرص الفقيد على سماع كلمات الأغنية قبل تلحينها، لذلك كانت علاقته وطيدة بالشعراء كما الملحنين، هو من الأصوات النادرة التي غنت للفنان لطفي بوشناق ألحانه وحتى أغانيه، وهو صديق له، أما رفيقا دربه، اللذان كانا يحدثنا عنهما على الدوام فهما الشاعران الغنائيان حبيب المحنوش وبشير اللقاني... ولعل أبرز المقاطع المؤثرة ذلك الذي ظهر فيه رفيق دربه حبيب المحنوش، بغصة في القلب ودمعة في العين يؤبن الصديق والشقيق الذي آمن بصوته ولحن وكتب له أكثر من ثلاثين أغنية منها التي أداها، ومنها التي سجلها ولن يسمعها معنا، على حد تعبير المحنوش.. وفي رصيد الفقيد أكثر من 40 أغنية تعامل فيها مع الشاعرين حبيب المحنوش وبشير اللقاني الذي أعد معه مؤخرا عملا ضخما بعنوان "مراحل" وسيناريو كليب "حبيب الله "...، والفنان لطفي بوشناق، والملحن لزهر شعير الذي سجل له مؤخرا أغنيتين كانتا من آخر ما سجل الفنان حسن الدهماني قبل رحيله وكتب كلمات الأغنيتين الشاعر عبد الصمد كرشيد. والأغنيتان الأخيرتان موجودتان على موقع "اليوتيوب" لكن للأسف لم تجدا حظهما في البث الإذاعي والتلفزي ككل أغاني المطربين والمطربات التونسيين، وهما أغنية "أنا لو أني احتاج" والأغنية الرائعة "مسكين يا دنيا" والتي قال فيها "هالدنيا كذبة والي يمنها مغرور.. مرة تضحكلك ومرة يدور عليك الدور.. حظك واش جاب.. على جبينك مكتوبة سطور.."... حسن الدهماني غنى للوطن وغنى للشهيد.. لكنه مات شهيد وطن احبه، ولم يحظ فيه بالمكانة التي يستحق... الثابت والأكيد أن كل التونسيين فجعوا لخبر وفاة الفنان حسن الدهماني، وكل عبر عن حزنه بطريقته، والكل أبنه على طريقته وبأسلوبه، فرفيق دربه حبيب المحنوش وعده بعرض في مهرجان قرطاج العام المقبل، حتى دون مقابل، ولئن اختفى صديقه ورفيق دربه أيضا بشير اللقاني إثر الفاجعة، فإن الشاعر اختار أن يؤبنه بهذه الكلمات: "حسن ...نغمه وسط القلب ترن هداها حياتو ،للي ماتوا باش بلادي تحكي فن ، وباقي فينا ، ال مازال بحسدوا عايش وفكرو طايش وكان كي يموت حد يحن..!! ...أما فن؟ والقلب الحاسد فرقكم أما فن بعد حسن؟ زعمه موتو ،وليل سكوتو يا ناس الفن يغيركم؟ ولا تنسوا كي عوايدكم اللي الدنيا آخرتها كفن؟ كان يغني فينا وبينا ومزهي بفرحو ليالينا صوتوا واحساسو مدفينا كان وكان وكان حسن واليوم ، بعد اللي مقدر محتوم تونس تبكي على فرحتها اللي ضاعت كي غنايتها وحد ماحاس بدمع الناس غير الفنان الحساس وهاهو بغصة في لحساس فارقنا غاب وتتدفن ، نبكي على بلادي اللي كانت بين البلدان بحنتها قتلوا فيها الفرحه وغابت واللي ذايب في محبتها.. وما بقات فيها كان الدمعه شمعه تطفي وراها شمعه وسامحني نسيتك يا حسن"