مع عودة الموسم الثقافي الجديد بدأت التساؤلات تحوم حول الفضاءات الثقافية ومدى استعدادها فنيا و تقنيا لاستقبال الأنشطة والعروض وماذا أعدت لهذه العودة وهي التي يعاني بعضها من نقائص واشكاليات عدة؟! ... تونس الشروق: يعد مشكل تهيئة الفضاءات الثقافية من أبرز المشاكل التي يعاني منها القطاع سواء كانت هذه الفضاءات خاصة أو عمومية حتى أن عددا من هذه الفضاءات تم غلقها وأخرى غيرت وظيفتها من تعاطي أنشطة ثقافية الى تعاطي أنشطة تجارية في حين تحولت فضاءات أخرى الى خرابة سقطت أسقفها وتآكل بلاطُها وأصبحت مآوي للمتشردين والمنحرفين ... من جهة أخرى أجمع عدد من المثقفين وباعثي هذه الفضاءات ان الصعوبات كبيرة ومتنوعة منها المادية فالبعض ينفق على هذه الفضاءات من ماله الخاص وهو ما يدفعهم في كثير من الأحيان الى غلقها والإستغناء عنها من الإشكاليات الأخرى أيضا ضعف الميزانيات التي خصصتها وزارة الثقافة لهذه الفضاءات وعدم توزيعها بالتساوي (بين 25 ألف دينار و 55 ألف دينار ) أو حسب احتياجات كل فضاء وغياب قوانين وتشريعات واضحة وعدم توفر إرادة سياسية حقيقية لتطبيقها... و بعد اختتام موسم المهرجانات الصيفية نستقبل موسما ثقافيا جديدا وسط هذه الأزمة التي تعاني منها الفضاءات الثقافية في الجهات وبأقل حدة في العاصمة وهو ما يدعو للتساؤل في أية ظروف سيتم عرض المشاريع الثقافية الجديدة التي تم إعدادها لهذا الموسم؟! الوزارة تسعى لتحسين الأوضاع لكن الأزمة كبيرة في هذا الصدد يتحدث صاحب فضاء دار بن عبد الله المسرحي نورالدين الورغي، ويقول: « في البداية أودّ التأكيد على ان وزارة الثقافة وخاصة في السنوات الأخيرة هي بصدد بذل مجهودات كبيرة لتحسين الأوضاع حتى يتمكن المبدع من الانتاج في ظروف طبيعية خاصة وأن بلادنا تمر بأوضاع صعبة جدا ومن بين الحلول الإبداع والفن والثقافة التي اعتبرها سلاحا ضد كل اشكال الرجعية وسورا منيعا ضد الارهاب فلا سبيل للخروج من هذا الخندق الا بثقافة وطنية جريئة ..." يضيف الورغي " رغم الظروف التي يعاني منها المبدعون من قلة وسائل الانتاج ومن قلة دعم الانتاج أو في بعض الأحيان غيابه تماما هم ( المسرحيون )ينتجون في ظروف صعبة للغاية ولكن عندما ينتهي المبدع من إنتاجه فهو يتعرّض الى معضلة أكبر وهي غياب الفضاءات المهيأة والتي بها تجهيزات دنيا لاستقبال العرض المسرحي. فلا تقنيات ضوئية ولا صويتة ولا ركح يستطيع المبدع أن يقدم فيه عمله في ظروف طبيعية يجعل المتفرّج يتقبل الخطاب الفني بسهولة ..." يؤكد نور الدين الورغي " ولقد تحدثنا في هذا المشكل منذ سنوات لأني أعتبره شخصيا حلقة هامة في سيرورة الانتاج الفني والجدير بالذكر أن أغلبية دور الثقافة في بلادنا من شمالها الى جنوبها لا تتمتع بهذه المواصفات بل تفتقر الى كل شيء وهنا لا أستثني العاصمة التي تنظم فيها سنويا تظاهرات عالمية لا يتوفر فيها الحدّ الأدنى من الرفاهة التقنية. وعندما أتحدث عن الفضاءات الثقافية لا أستثني مرة أخرى قاعات السينما التي تغلق سنة بعد أخرى علما أن الفضاءات المسرحية الخاصة يتكبّد أصحابها عديد المشاق والصعوبات لجعلها فضاءات محترمة تستقبل العروض المسرحية والسينمائية والفنية في ظروف طبيعية مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين لم يجهز بعد وفي نفس السياق اكد المدير الفني لمركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين توفيق قسومي ان المركز لم يجهز بعد مضيفا ان هذا المشروع عمره 10 اشهر وهو في طور الإنجاز على اقساط في انتظار الميزانية الجديدة التي سترصدها الوزارة للمشروع مؤكدا على دعم وزارة الشؤون الثقافية للمركز. من جهة اخرى قال توفيق قسومي ان مركز الفنون الدرامية و الركحية بالقصرين هو محاذي للمركب الثقافي بالجهة و بالتالي سيتم استغلاله للعروض الى حين إتمام مشروع المركز ... المركب الثقافي محمد الجموسي بين انطلاق الأشغال و افتتاح الموسم الثقافي ! ومع عودة الموسم الثقافي الجديد يستعد المركب الثقافي محمد الجموسي الى فتح باب الأشغال والصيانة وتهيئة الفضاء التي كان بالإمكان الإنتهاء منها في فصل الصيف لكن الإجراءات الإدارية عطلت ذلك و في هذا الصدد يقول مدير المركب وليد بن يحيى أن الفضاء محتاج الى الكثير من الصيانة والتجهيز في حين لم يتم تحديد موعد انطلاق هذه الأشغال بعد وهو ما قد يضطرهم الى تأجيلها حتى يتم افتتاح الموسم الثقافي بنجاح على حد تعبيره ... وليد بن يحيى أكّد أيضا ان الإشكاليات والنقائص التي يعاني منها المركز عديدة منها التجهيزات الصوتية والإضاءة وعملة النظافة مضيفا ان ميزانية المركب المرصودة من طرف وزارة الثقافة هي 40 الف دينار وهو مبلغ لا يرضي طموحه كمشرف على الفضاء ... ورغم ظهور عدة فضاءات ثقافية جديدة في العاصمة وفي الجهات ورغم حرص وزارة الثقافة على دعمها والنهوض بها الا أن أزمة هذه الفضاءات تبقى قائمة الى حين زوال فكرة المصلحة الخاصة واستغلال النفوذ والتجهيزات العمومية للمصالح الضيقة ... وهذه المعضلة التي تعيش على وقعها الفضاءات الثقافية هي ليست بالجديدة على الساحة بل هي أزمة متواصلة منذ سنوات وهي ليست حكرا على الفضاءات العمومية فحسب بل تشمل أيضا الخاصة منها من دور ثقافة وقاعات سينما ومسارح في الجهات وفي العاصمة.