خلق الله عز وجل الإنسان واستخلفه في الأرض فهيأها وذللها له بما أنشأ فيها من بحار وجبال وسهول وأنهار وعيون حتى تنتظم خلافته فيها لإعمارها واستغلالها على أحسن وجه:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك 15). ولا يتسنى له ذلك إلا إذا تسلّح بالعلم الذي حث الإسلام على اكتسابه ولهذا فلا غرو أن تتضافر آثار الشرع وكلمات الحكماء في بيان فضل العلم ونشره بين الناس.قال الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: 11). كما أن الله تعالى شرّف أولي العلم فجعل العلماء في الدرجة الثانية بعد الملائكة تكريما وتشريفا لهم :( شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم )(آل عمران18) وقال علي بن أبي طالب لكميل : (يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرسه . العلم حاكم والمال محكوم عليه. المال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق) . ومن شدة اهتمام القرآن الكريم بالعلم ما تحدّث عنه من أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم وسبب السجود له هو العلم إذ كان علم آدم بما علّمه ربّه من الأسماء دون الملائكة هو الذي أقنعهم بفضله والسجود له عن يقين واقتناع قال تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلّها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم ) (البقرة:31/32 ) كما جعل الإسلام العلماء ورثة الأنبياء جاء في حديث رواه الترمذي أنّ النبي قال :( العلماء ورثة الأنبياء ) أي أنّ العلماء يرثون العلم والحكمة عن الأنبياء . بل إنّ الإسلام حثّ على تعليم الناس وحذّر من كتم العلوم مثلما جاء في الحديث النبوي : ( من كتم علما على أهله ألجم يوم القيامة بلجام من النار ). وإذا نظرنا إلى العلوم التي توصّل الإنسان إلى تحصيلها وإلى القفزة العلمية العملاقة التي حقّقتها الإنسانية في نصف القرن الأخير فإننا نجدها بمثابة ما تحمله الإبرة من ماء البحر عندما تغمسها فيه مقارنة بعلم الله الذي وسع كلّ شيء قال تعالى : (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددا )(الكهف:109) ولهذا فإنّ طريق طلّاب العلم والمعرفة من جميع الاختصاصات والمستويات ليس بسهل وإنما يتطلب منهم المكابدة والصبر والعزيمة لأن رحلة العلم طويلة وشاقة ولنا في علمائنا الأسلاف القدوة الحسنة في الصبر على تحصيل العلوم ففيهم من قضّى عمره كاملا يتعلّم ويبحث وينقّب ويرتحل من بلد إلى آخر . كما أنّ من صفات المتعلّم كبيرا كان أو صغيرا التواضع لمعلّمه واحترامه وطاعته قال أبو حامد الغزالي :(أن لا يتكبّر على العلم أو لا يتأمّر على المعلّم بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كلّ تفصيل ويذعن له ولنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق ) لأنه في الحقيقة لا يحصل التواصل بين المعلّم والمتعلّم وبين الأستاذ وتلميذه ولا تتأتى الفائدة العلمية المرجوة إلا إذا كانت تربط بين الطرفين علاقات ودّ وعطف واحترام فالتكبّر على العلم وعلى المربّي وإهانته مفسدة أثارها سيئة على المجتمع فالعلم لا ينال إلا بالتواضع وإلقاء السمع .