القاهرة خاص ل»الشروق» من محمد يوسف : فيما تحل ذكرى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر سبقتها المعطيات التي طرحها الأستاذ محمد حسنين هيكل لواقع عربي أليم ومهين في مواجهة هجمات وحشية أمريكية على العالم العربي الذي يعيش أضعف أوقاته. ومع الذكرى ال لناصر.. وتحليلات رفيق دربه الاستاذ هيكل حاولنا تقديم رصد التغييرات قبل وبعد اللحظة الفارقة يوم سبتمبر عندما رحل الزعيم، وتقدم من خلالها «الشروق» تقييما عاما لمجمل الاوضاع والدروس التي تركها لنا عبد الناصر من تجربته «القصيرة» العظيمة الأثر التي كانت بشهادة أعداء الأمة أنفسهم لها ضربات موجعة، وكيف يمكن ان تقف الأمة العربية على قدميها مجددا، وهل هذا أصبح حلما بعيدا أم أن هناك بصيص ضوء في نهاية النفق العربي المظلم لن يجعله ضياء سوى المقاومة والتصدي للعربدة الأمريكية والهيمنة والصلف الصهيوني في بيتنا العربي؟ ويبقى السؤال الحائر معلقا : ماذا كان سيفعل ناصر لو كان حيا بيننا هذه الأيام؟ دعونا نبدأ بالواقع الذي رصده الاستاذ محمد حسنين هيكل للعالم العربي بعد عاما من رحيل الزعيم في الندوة التي شارك فيهاعدد من كبار الكتاب والمفكرين العرب في ختام سلسلة من الرؤى التي طرحها على قناة الجزيرة الفضائية ويؤكد فيها الأستاذ على عدد من الحقائق ننقلها بالنص : ظهور القوة الأمريكية على هذا النحو من الوحشية فاجأنا في أصعب الأوقات فيما يجعل المواجهة مع الولاياتالمتحدة صعبة، وإن هذه القوة قد زادت علوا ودخلت هذه المنطقة مقتحمة في وقت كانت المنطقة فيه أضعف ما تكون وقد جاءت القوة الأمريكية لنا في أسوأ الأحوال، وأننا لم نحسب قوانا.. فلم نعرف من نواجه.. والمشكلة الحقيقية أمامنا ان الصف العربي ممزق، فحديثي عن أمة عربية.. وهذه الأمة غير موجودة تقريبا.. العراق تضرب وفلسطين تضرب.. واي مكان في العالم العربي مستباح ولايوجد أحد.. ليس لدي حساب للقوى العربية.. فمن نواجه.. وبالطريقة الموجودة حاليا.. أخشى انها معركة ميئوس منها.. فأنا أتصور أن الخطوة الاولى في المواجهة هي في اجراء جرد حساب لما لدينا. ويضيف الاستاذ هيكل : «إننا في بعض الأزمات ليس لدينا حق الاختيار ولاحق المناضلة بطريقة مفتوحة». ويقول : «إن القضية الفلسطينية مطروحة خلال القرن المقبل رغم انها تعيش لحظات شبه يائسة وشبه بائسة». ويؤكد : «الحرب الحديثة الجارية الآن في العالم الثالث هي حرب غير متوازنة، فعندما يستخدم أحدث الطائرات والصواريخ ويضرب عن بعد.. ويضرب باليورانيوم المنضب ويفعل ما يشاء دون حسيب أو رقيب.. فكيف تسمي الآخر مقاوما.. انه فقط يتلمس أسبابا للمقاومة تحاول لمس نقاط ضعف الطرف القوي...» كما ترصد الواقع الكاتبة والمحللة السياسية ليلى الجبالي حول تطور أوضاع العالم العربي بعد لحظة فارقة هي يوم سبتمبر قبل عاما فتقول : انه الخراب الدموي ليس فقط في العراق وفلسطين الشهيدة التي تقاوم بانتفاضة مستمرة ونبيلة الاحتلال الصهيوني والتواطؤ العربي والفساد والخيانات داخل السلطة الفلسطينية، وتؤكد ان ما حدث هو خراب أمة بأكلها تحولت بعد الخط الفاصل بين جنازة عبد الناصر الى شراذم. وتؤكد ليلى الجبالي ان عبد الناصر لا يكفيه ما قالته عنه جريدة التايمز البريطانية بعد رحيله قائلة «اذا كانت عظمة الرجال تقاس بقدر الفراغ الذي يتركونه، فإن ناصر يعد من أعظم الرجال، ولقد احتل ناصر مكانة كبيرة شرقا وغربا وأعطى الرجل العادي والمرأة العادية في بلاده شعورا بالعزة والكرامة.. انه صاحب ضربات موجعة». وتقول الجبالي : «أرى نفسي أتخيل مع ذكراه خطا فاصلا وفارقا بين آخر يوم من حياة زعيم الامة.. وما حدث بعدها». النفق المظلم وما بين حالين ووسط ظروف كالحة ونفق مظلم ليس في آخره بصيص من ضوء جاءت كلمات هيكل وتحليله القاسي المتعمق لأحوالنا الآن متزامنة مع ذكرى رحيل الزعيم عبد الناصر، فماذا علينا ان نفعل وكيف نستفيد من الدروس التي تركها لنا ناصر في مقاومة الاستعمار وتماسك الأمة ومعاني الكرامة والتحدي والاباء؟ وهل كان هيكل فيما قاله متشائما في أن نعود الى ما كانت عليه الامة العربية أيام ناصر؟! شعار ناصر من جانبه يرى المحلل السياسي مجدي رياض أنه لا يجب في كل الاحوال البكاء على الأطلال او سكب الدموع على الذي كان ولكن يجب على الامة عدم احياء الاحزان مع ذكرى عبد الناصر بقدر ما تبحث عن ما يجب ان يكون وما عليها ان تفعله في المستقبل رغم السنوات الطويلة من النقص والفراغ الذي جاء بعد رحيل عبد الناصر ويدعو في نفس الوقت الى ضرورة احياء روح المقاومة والتحدي واستيعاب الدروس التي تركها لنا عبد الناصر. ويرى ان من أهم هذه الدروس التي تعلمناها وبالتحديد من يوم سبتمبر يوم وفاة ناصر الذي تصادف مع يوم انفصال الوحدة المصرية السورية ان العنف يجب ان يوجه للأعداء الحقيقيين للأمة، وانه يجب علينا تحديد الهدف الجوهري للسلاح وان نعرف دائما : على من نطلق الرصاص؟ ويشير في ذلك الاطار الى رفض عبد الناصر استمرار الوحدة مع سورية بالقوة وكان شعاره ان لا يراق الدم العربي برصاص عربي، كما قضى نحبه من اجل وقف نزيف الدم العربي بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاردني وبعد ان أنجز هذه المهمة رحل عن عالمنا. الأمل من المقاومة ويرصد اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجي والعسكري ضوءا في النفق العربي المظلم ويتناول تحليل الاستاذ هيكل عن الواقع المتردي العربي، ويؤكد ان المقاومة العربية للمحتلين والغاصبين لم تتوقف رغم حالة العنف والوهن التي تعاني منها الأمة، ويقول إن ما يجري في العراق وفلسطين أكبر دليل على ان المقاومة موجودة ولكنها تحتاج الى التنظيم والتفعيل وتجنب السلبيات. ويضيف محمد فرج أمين التثقيف بحزب التجمع المصري المعارض بأن الاستاذ هيكل يطرح صورة واقعية حول علاقات القوى في العالم، وركز على أوضاع العجز الفكري والسياسي للنخبة العربية في قراءة هذه العلاقات مشيرا الى ان المثقفين العرب أسرى لمفاهيم تقليدية وشعارات حماسية دون سند من القوة الاقتصادية او العسكرية التي تحمي أهداف وشعارات الأمة العربية. ويوضح ان هيكل في رصده للواقع العربي المتمزق ركز في نفس الوقت على حقائق تتخطى قدرة العقل العربي على التعامل مع هذه الحقائق، ويظهر ذلك في تأكيده على ان القضية الفلسطينية تتعدى وتتخطى مجرد احتلال فلسطين الى السيطرة على العالم العربي والتمدد نحو آسيا وافريقيا. ويقول محمد فرج انه على الرغم من ان الاوضاع قد تدعو الى الاحباط الا ان هناك امكانية كبيرة للتغيير ومقاومة المشروعات الأمريكية والصهيونية، وذلك بدليل صمود الشعب الفلسطيني في ظل الظروف الصعبة، وكذلك انطلاقة المقاومة العراقية رغم القوة الأمريكية الكاسحة بخلاف الأساليب والأدوات التي تبتكرها الشعوب من أجل الصمود والمقاومة. المطالبة بالحقوق ومن جانبه يطالب الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري القوى الشعبية والوطنية بحشد قواها لمواجهة الهجمة الأمريكية الصهيونية، مؤكدا «كلمات ناصر» انه ما ضاع حق وراءه مطالب وان المقاومة المسلحة هي سلاحنا الاخير في مواجهة العربدة، كما ان أمامنا مشوارا طويلا لضرب المصالح الاقتصادية للمعتدين، مشيرا الى انه عندما يتأكد هؤلاء المعتدون ان مصالحهم في خطر فسيتوقف عدوانهم ويرى ان مواجهة العربدة الأمريكية والصلف الصهيوني يتطلب تفعيل المقاطعة الاقتصادية لسلع ومنتجات الأعداء ودعم مقاومة الشعبين العراقي والفلسطيني ومساعدتهم بكل الوسائل والامكانات المادية والبشرية حتى يتمكنوا من سحق المعتدين. ونعود في الخاتمة الى الدروس التي تركها لنا عبد الناصر في آخر مهامه قبل رحيله في سبتمبر، ونسأل : لو كان عبد الناصر حيا.. فماذا كان سيفعل في مواجهة كل التحديات والاوضاع التي رصدها الاستاذ محمد حسنين هيكل؟