عن تاريخ أجدادي لما كنا أطفالا صغارا سمعنا الكثير عن بطولات المجاهدين الذين شدوا الرحال الى فلسطين زمن النكبة الأولى المثخنة بخيانات الرجعية العربية وجراحات الماضي الحزين الملوثة بالأسلحة الفاسدة والقيادات العميلة. سمعنا عن لزهر الشرايطي وإخوته من تونس وعن عبد الناصر ورفاقه من مصر بمن فيهم أعضاء من جماعة الاخوان المسلمين ومن العراق سمعنا عن القائد العربي فوزي القاوقجي الذي كان ضابطا بالجيش العراقي ومن فلسطين كان المناضلون الفلسطينيون بقيادة فوزي جرار وغيره .وكان وكان رغم الغدر والخيانة بطولات في الذاكرة الشعبية التي حاولت صد العدوان الصهيوني لما كان الواجب القومي أكثر صدقا وحضورا في التاريخ والواجب الديني أكثر وضوحا وإيمانا بالقضية المركزية للأمة العربية ولما كان الاسلام الجهادي هو العقيدة الشعبية و المعين الصافي الذي ينهل منه المجاهدون المخلصون دون تعصب ولا مذهبية ولا طائفية ولا تجارة ولا توظيف ولا تسييس للدين ولا غلو ولا مغالاة ولا تطرف . وحتى زمن قريب في مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة المستقلة استمر الصراع ضد العدو التاريخي للأمة العربية من العدوان الثلاثي سنة 1956 الى حرب الأيام الست في حزيران سنة 1967 الى حرب أكتوبر سنة 1973 الى العدوان على المقاومة الفلسطينية سنة 1981 بنفس العزيمة والإصرار رغم مرارة النكسة وهزيمة الاحتلال وتواطؤ الرجعية العربية . وتواصل حشد الطاقات من قلة قليلة مؤمنة بالمقاومة خيارا لا بديل عنه رغم تكاثر جبهة المستسلمين والمطبعين في الضفة الأخرى واتساع رقعتها منذ اعلان السادات عن اتفاقية كامب دافيد التي وقعت سنة 1979 وضرب المقاومة الوطنية الفلسطينية في لبنان كآخر حصن لها بعد تصفيتها من الأردن في أيلول 1970 وطردها من مصر السادات بعد رفع العلم الصهيوني في قاهرة المعز بأرض الكنانة . وحتى تتمكن الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية من محاولة حصار المقاومة الفلسطينية وتجفيف ينابيعها وخنقها خاصة بعد عزل مصر وغلق جبهات المقامة في كل من الأردن ولبنان اتجهت شرقا للعراق لتحيك ضده المؤامرة الكبرى بعد مكيدة أزمة الكويت سنة 1990 فتمارس عليه سياسة الحصار الجائر المطبق طيلة التسعينات ثم تقوم باللاجهاز عليه بغزوه في 2003 بالتعاون المباشر مع مصر مبارك وزمرة مشايخ النفط وأمراء الوهابيين في السعودية وبلاد الحجاز وأدواتهم من الاسلاميين والقاعدة صنيعة أمريكا والرجعية العربية في حرب أفغانستان في الثمانينات التي على اثرها شهد العالم سقوط الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى وظهور العولمة الاقتصادية والعسكرية والعربدة الأمريكية على الشعوب باسم مقاومة الارهاب بعد السيناريو المركب والمفخخ من طرف القاعدة والسي آي آي في 11 أيلول 2001. لكن رغم ظلمة الليل في النفق المظلم الحالك بالسواد وحالة السكون الرهيب في ذلك الليل الطويل بزغ نور المقاومة من جديد يشع بشمسه الساطعة من جنوب لبنان بقيادة المقاومة اللبنانية التي يتزعمها حزب الله العمود الفقري في المقاومة الوطنية المدعوم من سوريا العروبة بتحالف مع ايران الثورة فكان النصر في سنة 2000 حيث خرج العدو الصهيوني يجر أذيال الخيبة مهزوما والذي تلاه النصر الاستراتيجي الثاني المؤزر في تموز في الحرب العدوانية على لبنان سنة 2006 رغم المكائد التي أحيكت لسوريا الحليف الاستراتيجي للمقاومة الوطنية التي أدت الى اتخاذ القرار 1559 القاضي بانسحاب القوات الأجنبية من سوريا والمقصود به طبعا انسحاب الجيش العربي السوري. وفي كل المراحل التي مرت بها الأمة العربية سواء في مرحلة النكبة أو مرحلة التحرر الوطني أو مرحلة الاستقلال وبناء الدولة كانت بوصلة المقاومة هي فلسطين القضية . وفي أبشع المراحل تنكيلا كانت دائما هي القدوة والإنسان و في أشد الظروف تعقيدا كانت دائما هي الهدف والعنوان. ويأبى التاريخ العربي إلا أن يكشف مرة أخرى عن طبيعة الرجعية العربية بشكل عام الجبانة والخائنة والمتآمرة والمتواطئة مع الأعداء منذ عهد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر والرجعية الدينية كجزء منها والتي يقول عنها سعيد أبو الريش في كتابه جمال عبدالناصر آخر العرب الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية لسنة 2004 في طبعته الأولى في الصفحة 269 «وقد أصبح الاخوان المسلمون بدعم سعودي شوكة أكبر في خاصرة عبدالناصر. ولم يمر شهر دون محاولة جديدة لاغتياله , وقد قاموا بذلك بأنفسهم وأيضا مع البريطانيين وفي مناسبات بالتعاومن مع الأمريكيين . ووفقا للمؤرخ ستيفن درويل فان كل المحاولات جرت لقتل عبدالناصر , ومن ضمن ذلك استخدام السم وغاز الأعصاب و وضع حبوب قاتلة في قهوته والمعتاد من وحدات قنص مجربة بشكل خاص لتحقيق الهدف ». تلك الرجعية العربية والدينية التي يترأسها مشايخ الفتنة من الوهابيين حيث السلفيون هم قاعدتها والتكفيريون أنصارها والعراعير جمع عرعور دعاتها هي من تطرح المبادرات من مشروع بورقيبة الى مشروع فهد لتصفية القضية الفلسطينية الى قمة بيروت قمة الاستسلام للعدو والتطبيع الكامل معه مقابل الأرض المزروعة على شكل كانتونات يحيط بها الموت عفوا الاستيطان من كل جانب وتحسبها حية وما هي كذلك.