انتظمت الاسبوع الفارط في تونس فعاليات المنتدى الدولي للشراكة بين القطاعين العام والخاص بحضور رسمي تونسي مكثف اضافة الى مسؤولين سامين من اغلب المؤسسات المالية الدولية والإقليمية وبنوك الأعمال والصناديق الاستثمارية وحشد كبير من رؤساء شركات دولية ضخمة. هذا المنتدى حرك المياه الراكدة في ملف الشراكة بين القطاعين الخاص والعام حيث تم طلب تمويل 33 مشروعا بتكلفة 13 الف مليون دينار في اطار هذه الشراكة التي اكد كل الخبراء المنصفين انها الحل الأبرز لأزمة استفحال مديونية البلاد وقبلها لتحريك وتيرة التنمية بالجهات الداخلية وهي الكفيلة وحدها بصنع الثروة والقفز بنسبة النمو الى معدل يمكن من حل كل مشاكل البلاد وسيضمن العيش الكريم لمواطنيها. من نافلة القول انه لا يمكن الحديث عن التنمية في ظل عجز الدولة عن تنفيذ المشاريع الكبرى خاصة ان كل ما كسبته من القروض انفقته في سداد الاجور او في تغطية نفقات الدعم او في جبر ضرر الكوارث الطبيعية التي اضرت تقريبا في كل سنة بجهة من جهات البلاد بسبب عدم قدرة البنى التحتية على مواجهة أي أمطار استثنائية ولن تستطيع الدولة في ظل انخرام موازناتها المالية بسبب تفاقم العجز التجاري وانزلاق الدينار وتراجع نسب النمو تجاوز كل الهنات التي عطلت وتيرة التنمية في البلاد وكل ذلك يضعها امام خيارين إما المضي قدما في سياسة الاقتراض والالقاء بمستقبل البلاد والاجيال القادمة في غياهب المجهول بل المعلوم وهو الفقر المدقع ورهن مقدرات تونس وقرارها السياسي لدى القوى المالية العالمية التي لا تعترف بالصدقات ولا بالعمل لله بل لمصالحها فقط وإما إقرار سياسة بديلة عن كل ذلك وهي الشراكة بين القطاعين العام والخاص .. وهذا الخيار الثاني هو الأسلم لتونس دولة وشعبا لانها تحتاج اليوم، واكثر من اي وقت مضى الى دعم هذه الشراكة خاصة في ظل ما تواجهه من تحديات كبرى اقتصادية واجتماعية ترتبط اساسا بمعضلة تشغيل الشباب العاطل عن العمل التي لايمكن حلها الا في اطار شراكة بين القطاعين العام والخاصلان الحكومة غير قادرة على الانتداب وها ان غلقه خلال السنتين الفارطتين جعل عبء التشغيل ملقى على عاتق القطاع الخاص وهذا الاخير لن يتمكن من تلبية طلبات الشغل الا اذا انخرط في الاستثمار في مشاريع عملاقة لا يمكن أن تتوفر الا اذا اشركته الدولة في مشاريعها في اطار مقاربة تشاركية في تحديد الاولويات واقتراح الاصلاحات اللازمة خاصة ان القطاع الخاص قوة اقتراح وتجديد وابتكار اذا اضفنا اليها قدرة القطاع العام على توفير الاطار الملائم والدائم للحوار الى جانب التجاوب بشكل ناجع وفعال مع مقترحات القطاع الخاص فسيكون بالامكان اعتماد سياسات واصلاحات من شأنها ارساء مناخ ملائم لممارسة الاعمال. وهذه الامتيازات المهمة سيتم ترجمتها في شراكة بناءة بين القطاعين العام والخاص تمت تجربتها في دول عديدة مرت باوضاع اصعب من تونس وصارت الآن قوى اقتصادية اقليمية مثل المغرب وعالمية مثل تركيا بل ان تونس جربت هذه المقاربة في مشروع البحيرة وحققت من خلالها نتائح مهمة ولم يتحقق في المقابل اي تخوف من التخوفات التي تسوق لها اطراف ترفض هذه الشراكة لتواصل استعمال القطاع العام وقودا لمعاركها السياسية لأن علاقتها بالقطاع الخاص معلومة للجميع وتنفذ بنودها تحت الطاولات وليس فوقها.