تشهد بلادنا خلال الاشهر الاخيرة موجة غلاء حاد في مختلف اسعار المواد الغذائية ازداد الاحساس بحدتها خلال العودة المدرسية وما رافقها من ضغط شديد على اثمان مواد التدريس من كراسات ومحافظ وغيرها . وتعود اسباب ارتفاع الاسعار الى عوامل كثيرة ولكننا في ملف هذا الاسبوع سنبحث عن سبل مكافحة هذه الافة وطرق علاجها من منظور الشرع الاسلامي . لقد حدد الإسلام منهجا واضحا وشاملا لعلاج ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار ليس من مجرد كونها ظاهرة من المحتمل أن تصيب المجتمع الإسلامي بل ومن خلال رؤية واقعية وميدانية . فقد تضمن الإسلام العديد من التوجيهات المتعلقة بما يجب أن يكون عليه المسلمون في التكسب والتربح والاستثمار ومن ذلك قوله ﷺ: «رحم الله امرءا اكتسب طيباً وأنفق قصداً وقدم فضلاً ليوم حاجته» وهو الحديث يحمل في طياته العناصر الأساسية للاقتصاد علماً ونشاطاُ كما يتفق عليه علماء العصر فالهدف من الاقتصاد هو توفير السلع والخدمات التي يستهلكها الإنسان لإشباع حاجاته ولابد أن تسبق عملية الاستهلاك وظيفة إنتاج هذه السلع والخدمات وبالتالي فإن الوظائف الاقتصادية الكلية أو الرئيسية هي الإنتاج والاستهلاك وكل منها يحتاج إلى تمويل يحصل بواسطته المنتج على عناصر الإنتاج من خامات وعمل وآلات ومعدات ويشتري به المستهلك السلع والخدمات من المنتج أو البائع. والحديث كما يتضح بجلاء يوصى المسلم وغير المسلم بأن يكون كسبه حلالا وأن يكون إنفاقه بتوسط واعتدال وأن يدخر من ماله الذي اكتسبه من عمله ما يكون عونا له عند حاجته سواء للإنفاق أو للاستثمار. وتأتي التجارة في الإسلام كواحدة من أهم المعاملات الاقتصادية التي شرعها الله تعالى وأباحها لعباده بل وشجع وحض عليها النبي ﷺ على أن يلتزم القائم بها بحدود الله من الأمانة والصدق فيقول النبي الكريم: «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» (رواه الترمذي). والتجارة في جوهرها عمليات للبيع والشراء يرتبطان بهما ارتفاع الأسعار وانخفاضها وهو الأمر الذي يعود في جزء منه إلى أخلاق القائم بهذه العملية «التاجر» الذي وبحسب الرؤية الإسلامية لا بد أن يتخلق بالصدق والأمانة فالغاية الرئيسية للتجارة شرعا هي تأمين السلع التي يحتاج الناس إليها في حياتهم بأفضل صورة وأرخص ثمن وأيسر طريق. وللإسلام وسائل صريحة ومباشرة في محاربة الغلاء ومنها مقاطعة السلع والبضائع التي غلا ثمنها حتى ينخفض سعرها وتصبح في متناول الجميع ومن ذلك قول الحسن البصري : «إذا غلا الشيء استرخصته بالترك» ويؤيد ما ذهب إليه البصري ما جاء في الأثر عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث جاءه الناس وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الشهيرة : اتركوه لهم. كما تتعدد الأدلة القرآنية والنبوية التي تدعو إلى ترشيد الاستهلاك وتعليم الناس ودعوتهم بكل الطرق المتاحة إلى التدبر والتريث في الاستهلاك وعدم التبذير وعدم الإنفاق فيما لا يحتاجون إليه حاجة حقيقية قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف:31) وقوله سبحانه: دإِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ (الإسراء:27) وقوله ﷺ: ﴿طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ﴾ (رواه مسلم). كما يجوز للحاكم الشرعي ان يقوم بمراقبة الاسواق وفرض ضوابط وقوانين تراعي انسياب البضائع بما يتوافق مع القدرات الشرائية للمواطن فلا يجحف في حق التجار ويؤدي بهم الى الخسارة وفي نفس الوقت لا يترك لهم الحبل على الغارب يتصرفون على هواهم ففيهم المنضبط الامين وفيهم خلاف ذلك.