شهدت بلادنا في المدة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في أسعار كثير من السلع والبضائع وخاصة في عديد المواد الاستهلاكية مما أثر على القدرة الشرائية لكثير من الناس وسبّب لهم ضيقا شديدا في حياتهم ولا سيما ذوي الدخل المحدود لما له من آثار سيئة تلحق الفرد والمجتمع فيعجز الفقراء والمساكين والضعفاء عن تلبية واقتناء حاجاتهم المعيشية وتظهر المشاكل الاجتماعية والضغوط النفسية والأزمات الاقتصادية وينشأ الشح والطمع والأنانية وحب الذات ويفقد الناس الثقة والأمن والاستقرار. لقد أوصدت الشريعة الإسلامية كل الطرق الموصلة لهذه الظاهرة المشينة المتسببة في الغلاء فحرّمت التلاعب بالأسعار على أساس الجشع والطمع والإضرار بالناس.ذلك أن التلاعب بالأسعار يؤدي إلى الجوْر والظلم وعدم تحقيق العدل والمساواة فهوأمر منكر تأباه النفوس الأبية والضمائر الإنسانية. كما حرّم الإسلام أيضا الكسب المحرم الذي يقوم على الغبن والغرر والإضرار بالناس والمغالاة واستغلال حاجة المساكين وضرورة المضطرين خاصة في هذا الظرف الذي يعود فيه أبناؤنا إلى المدارس والمعاهد والجامعات فتضاعفت تكاليف الكتب والأدوات المدرسية وارتفعت أسعارها بصورة مشطة أثقلت كاهل الناس وخاصة الفقراء من ذوي الدخل المحدود. فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقًا على الله أن يقعده بعظم من النار» أي يقعده في مكان عظيم من النار. إن تلاعب بعض التجار والمحتكرين بالسلع التي يحتاج إليها الناس وتخزينها وإخفاؤها لتباع بأثمان مرتفعة فيه إضرار بالناس خاصة الفقراء وهوأيضا منهي عنه شرعا لأنه من الظلم الواضح الذي أمر الله بالبعد عنه وهوحبس السلع عند حاجة الناس إليها لتشحّ من الأسواق فيغلوثمنها أويبيعها بيعا مشروطا. قال النبي ﷺ «من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهوخاطئ وقد برئت منه ذمة الله» وقال أيضا «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله منه». إن الإسلام أولى التجارة عناية كبيرة وبيّن للتجار حدود التعامل ووضع للناس قوانين البيع والشراء وأباح لهم الربح الحلال الذي لا إفراط فيه ولا تفريط وحذّرهم من التعسف والجوْر والظلم والشطط واستغلال حاجات الناس ونهاهم عن الجشع والطمع والأنانية والكذب والغش والخداع ورفع الأسعار بدواع وهمية وأعذار جوفاء بلا وازع ولا رادع منسلخين عن الأخوة الإسلامية ومبادئ الرحمة الإنسانية. وفي المقابل أثنى على التجار الورعين أهل الصدق والبر والإحسان الرحماء بإخوانهم الذين يأخذون كفايتهم دون جشع أوطمع والذين لا يحتكرون قلة البضاعة فيرفعون في الثمن ولا يغشون ولا يتحايلون على الناس فبشرهم النبي بالجنة قرب النبيين والشهداء والصديقين حيث قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» الترمذي.