عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    معرض تونس الدولي للكتاب: شركة نقل تونس توفّر حافلة لنقل الزوار    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل/ وزير خارجية تركيا: حماس قبلت نزع سلاحها مقابل هذا الشرط    بنزرت: تمكين 21 عائلة ذات وضعية خاصة من منح مالية اجمالية تعادل 200 الف دينار لبعث موارد رزق    تونس: وضعية السدود مقلقة ولابد من ترشيد استهلاك المياه    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    أبطال إفريقيا: ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي يحط الرحال بتونس    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    ريال مدريد يفوز على مانشستر سيتي ويتأهل الى نصف نهائي رابطة أبطال أوروبا    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تتاهل الى الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    الفضيلة    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    أخبار المال والأعمال    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الخبر/المبحث الثالث :د.أحمد محمد المزعنن
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 01 - 2010


دكتور أحمد محمد المزعنن الفجرنيوز
------------------------------------------------------------------------
ثقافة الخبر المبحث الثاني : دكتور أحمد محمد المزعنن
كتاب :ثقافة الخبر:المبحث الأول
------------------------------------------------------------------------
المبحث الثالث: ثقافة الخبر الصادق
(ثقافة الخبر الديني أو خبر الوحي)
نحو نظرية جديدة في الإعلام المعرفي
تعالج هذه الدراسة قضية ثقافة الخبر من منطلق معرفي أولي وشامل ، بأسلوب يستند إلى البدهيات الفكرية التي لا تحتاج إلى جلب الكثير من الأدلة ، وفي إطار إنساني يتناول القواسم الإنسانية المشتركة ، والهدف النهائي هو وضع خطوط معرفية دقيقة فاصلة بين الصدق والكذب ، بين الموضوعية والذاتية ، بين الحق والباطل ، بين العدل والجور ، بين الاستقامة والانحياز في هذا المكون الجديد الذي أطلقنا عليه ( ثقافة الخبر ).
تستمد ثقافة الخبر أسباب تشكلها كنموذج فكري جديد من حركة التوثيق النشطة التي تعيشها الإنسانية ، ومن التفتق الهائل لمراكز المعلومات ومعاهد الدراسات ، ومن المنظمات والمؤسسات التي تداعت للتوثيق والتأصيل العلمي في ظل ثورة التقنية التي غزت محيط المعرفة الإنساني ، ومن الغيرة على المصادر الأساسية التي شكلت الحياة الإنسانية فكرًا وعملاً عبر التاريخ ، وفوق كل ذلك العناية الإلهية التي ضمنت حفظ الدين :{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر9 )، وبحفظ الدين يُحفظ العلم الأول الضروري الصادق ، الذي تستقيم الحياة الإنسانية في ظلاله، وبفعل قوته وجاذبية وسائله ، وتسامي ثوابت وقواعد الحياة الفاضلة في وجه متغيرات موجات الكذب والتزييف والتضليل .
*****
الصدق أصل الدين الحق
أصول ومكونات الخبر الديني[i]
الخبر الديني هو عناصر ومكونات العلم والمعرفة والمعلومات والأخبار والأنباء والقصص التي مصدرها الله الخالق مدبر الكون ، سبحانه وتعالى وصلت إلى البشر بالتبليغ بواسطة الرسل والأنبياء المختارين من الله سبحانه وتعالى الذين تلقوا هذه المعارف أو الأخبار بما تتضمنه من الأوامر والنواهي والوحدات المعرفية المبلغة بواسطة ملك الوحي جبريل (جبرائيل) عليه السلام المكلف بالتبليغ ، وهي بناء معرفي يتناول كل ما يتعلق بالإنسان من الأخبار الضرورية المتعلقة بخلقه ونشأته وتكوينه وحاضره ومستقبله ، وما يهمه ويُقوِّم ويُقيم حياته، ويحقق مصالحه الدنيوية والأخروية ، وتتضمن بناءً أخلاقيًا أساسه عبادة الله الخالق المنعم المتفضل القادر القاهر المتصف بكل صفات الكمال ، والمتسمي بكل أسماء الجلال ، والخوف من عقابه ، أي وجود نظام من المعايير والقيم والأحكام للحكم على السلوك بالقبول والتحسين أو الرفض والتقبيح والتجريم ، وبه منظومة للثواب والعقاب ، ويُستخدم هذا العلم وتلك المعارف والمعلومات في تربية الإنسان وبناء وتشكيل شخصيته ، وتعديل سلوكه في ضوء النصوص التي تكوِّن البناء المعرفي للدين ، وأهم آثارها هو دورها البالغ في بناء العقيدة الدينية التي تشكل مصدر الأحكام ودوافع السلوك الفردي والجمعي .
وبالإضافة إلى ذلك فيمكن بكل وضوح اعتبار ما أنجزه العقل الإنساني طوال عصوره من المعارف التي تتفق مع منهج الصدق والحق ومن أي مصدر كان من أخبار ثقافة الخبر الديني باعتبار أن العقل العام والعقل الخاص هو مِنَّةٌ من الله سبحانه وتعالى ؛ وكل إنجازاته توفيق منه تمشيًّا مع الحِكَم والسنن الإلهية في المادة والكائنات الحية ، ووظيفة هذه النظرة الإنسانية الشمولية تقريب البشر وتأليفهم ، وبعث الأمل في نفوسهم ، وحفزهم للنهوض في وجه أهل ثقافة الكذب المدمرة لمستقبل الإنسانية ، وتزيين العودة إلى منهج الحق والصدق مع ما يلاقيه أهل هذا المنهج من المصاعب ، وهي عملية ما زالت تتواتر في كل جيل إنساني لاستغلال العناصر المشتركة في الثقافة الإنسانية، فلا يُعدم الحق نوعًا من البشر لا يهدأ لهم بال حتى يبينوا الحق والصدق ، ويذكروا بالفضيلة ويبشروا بما يجمع ولا يفرق ، ويكشفوا الزيف ويفضحوا الباطل وأهله ، وإذا كانت وسائل الإعلام الحالية تسهم في الترويج لثقافة الخبر الكاذب ،فإنها وعلى الرغم من ذلك تسهم بقسط كبير في الجهود المعرفية العامة في قطاعات كثيرة من قطاعات الحياة الإنسانية ، وتعمل على نشر نشر الاستنارة وتجديد وبناء الوعي المعرفي على نطاق غير مسبوق في التاريخ البشري؛، إلى جانب أنها تمثل أجهزة رقابة تخيف الطغاة ،وكل من تسول له نفسه استمراء الباطل .
وبهذا المفهوم الشامل فيمكن اعتبار أي معادلة رياضية أو كيميائية أو فيزيائية أو أي إنجاز علمي في أي مكان جزءًا من ثقافة الخبر الصادق الذي يسهم في بناء الحياة وصعودها وتحقيق الخير لبني البشر عامة ، وهذا توفيق من الله سبحانه أن جعل صدق الإنسان مع نفسه طبيعة في البشر عامة ، وقسمه بينهم ، وجعله مما يتشكل بعوامل الوراثة والبيئة .
العقيدة من العُقدة أو العَقد بمعنى تقوية الشىء المعقود ، وهي بذلك تُكَوِّن ثقافة ذات طابع متميز بالقوة والمتانة والتماسك الناشىء عن التكامل وانعدام الفجوات والفراغات التي يلزم معهما الضعف ، وفي ظلها يقوم الأفراد أو الهيئات التي تمثل إرادة المجتمع ، وتمتلك سلطة اتخاذ القرارات بالإحالة في الأحكام إلى النص المُوحَى والتفاسير والشروح التي أسهم بها العلماء المعتبرون في الموروث الفكري للجماعة .
ثقافة الإسلام والأديان الأخرى
قبل البحث في الخبر الديني بشكل مفصل علينا أن نتذكر الحكم الشرعي في التفريق بين الخبر الديني الصحيح والخبر الديني الكاذب المحرَّف المُشوَّه ، فلا خلاف بين المسلمين على: " أن الشريعة الإسلامية قد نسخت جميع الشرائع على وجه الإجمال ،قال الله تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران85 كما أنه لا خلاف في أنها لم تنسخ جميع ما جاء في تلك الشرائع على وجه التفصيل ، إذ لم تنسخ وجوب الإيمان بالله تعالى ، وتحريم الزنا والسرقة والقتل والكفر ، فكل نبي دعا لهذا بأمر من الله تعالى ، وكذلك نبينا عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، والنصوص على ذلك متضافرة متوافرة "([ii]) .
ولكن بين علماء الأمة اختلاف في حجية شرع ما قبلنا على اختلاف في المذاهب ، ومجمل القول فيه أن:" الخلاف فيه ليس كبير أثر، ويقرب أن يكون خلافًا لفظيًا ، وذلك كما يظهر من خلال الفروع الفقهية التي ذكر فيها الاحتجاج أو الأخذ بشرع من قبلنا،حيث إننا نجد القائلين بأنه حجة يلزمنا العمل بها ، قلما يحتجون به في مسألة إلا وعضدوا احتجاجهم هذا بدليل آخر ثابت في شرعنا ، وقبول لدى الجميع على وجه الإجمال،كما أننا نجد القائلين بنفيه كثيرًا ما يستأنسون بنصوص تذكر أحكامًا وردت في شرع من قبلنا،وإن كانوا لا يعتمدونها أصلاً في المسالة " ([iii]).
هذا فيما يتعلق بالأحكام الشرعية ، أما القصص والأخبار عن الأنبياء وأممهم وعن الأمم السابقة التي عاشت قبل الإسلام ، فالمرجع هو القرآن الكريم والسنة النبوية إذ هما المرجعان الموثوقان الموثَّقان اللذين يُرجع إليهما ، وما فيهما من الخبر والثقافة يغني عن غيرهما ، وهما الحَكم عند الخلاف ، ولا يلتفت إلى غيرهما عند الاختلاف أو التعارض والتناقض دون الخوض في تفاصيل الأدلة لأن ذلك ليس هدفًا من أهداف تلك المراجعة ، إذ الهدف الرئيس هو جلب أدلة الاتفاق والتسامح والتعاون ، وتعضيد الخبر الدليل البسيط المشترك الذي يجمع البشر ولا يفرقهم ، ولا يلغي الآخر ، بل يحترم التباين دون تجاوز الحدود ، لأن أي مراجعة للموروث الإنساني العام يجد قاسمًا مشتركًا إيجابيًا بناءً في الإعلاء من قيمة الفضائل المتسقة مع الفطرة السليمة ، والنفور من مضاداتها.
ضرورة الأنبياء والرسل :
إن ثقافة الخبر الصادق تتضمن بالضرورة قضية جوهرية هي ضرورة الأنبياء والرُسل التي تناولها العلماء بالدراسة والتفصيل ، وموضوعها الرئيس التأكيد على أن الهداية والإرشاد إلى الحق الذي جاءت به الأديان يحتاج إلى إنسان يختاره الله سبحانه وتعالى بخصائص ومواصفات وقدرات إنسانية قررتها السنن الإلهية في العلم اللدني الأزلي تناسب المجتمع الذي أرسل إليهم ليخاطبهم بلغتهم ويبين لهم ما يكون سببًا للنجاة من سوء العاقبة المترتبة على الخلاف والعناد ورفض ما أرسله الله به ، والأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الخلق بلا منازع ، وواجبهم البلاغ وقيادة عملية التغيير الفكري والاجتماعي في إطار نصوص الرسالة بما يقتضيه الحال من مظاهر القوة بما يتفق مع خاصية البشر والحال في الزمان والمكان .
وظاهرة الإنسان القدوة المتمتع بقوة التأثير والإقناع القادر على قيادة الجماعات للقيام بحركات التغيير ظاهرة إنسانية أصيلة ، لكن الفرق بين الرسول المختار من الله المبعوث بالنبوة أو الرسالة إلى جماعة أو قوم وبين الإنسان القائد الذي يظهر في تلك الجماعة للدعوة إلى الإصلاح أو التغيير هو فرق في مصدر التكليف والخصائص المطلوبة لهذا القائد ، فمصدر التكليف في حالة الرسول هو الله الخالق سبحانه وتعالى ، أما القائد أو الزعيم أو المصلح فقد يظهر بدافع من خواصه البشرية القيادية أو بتكليف من ممثلي المجتمع ، أو غير ذلك من الأساليب البشرية .
ثقافة الخبر الأولي البسيط الواضح الحق:
كان الخبر العلمي الأول والأعظم في مسيرة الحياة الإنسانية حسب الخبر الديني بدءأ بإخبار الله سبحانه وتعالى للملائكة عن أمر اقتضته حكمته وإرادته وعلمه وقدرته،وذلك الحدث الأعظم هو خلق آدم عليه السلام أبي الجنس البشري من الطين، قال تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }ص71 ومن سياق الآية يفهم أن هذا الأمر مقرر وواقع لا محالة؛ليكون خليفة في الأرض يعمرها بالعبادة ، وبمظاهر العمران ، وتكون له ولذريته دار ابتلاء إلى أجل مسمى، وذلك بقوة الأمر الإلهي:" كن فيكون " . قال الله سبحانه وتعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30.
وكان الخبر الثاني التحذير من إبليس وجنوده وتقرير أنه عدو لآدم وزوجه {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى }طه117 ، ثم انتقلت العداوة لنسله ، فاستقر بذلك الخبر الديني على أساس ازدواجية السبل والمصير ، وضرورة الاختيار بينهما ، إما سبيل الخير المؤدي إلى الجنة على أساس نوع ودرجة العمل ورحمة الله ومشيئته ، أو سبيل إبليس وجنوده من الجن والإنس وما يمارسونه من غواية ووساوس وتزيين الرذيلة ، وكل ما يؤدي إلى التعاسة في الدنيا والعذاب بنار جهنم في الآخرة ، والأمر في النهاية مفوض لرحمة الله وقضائه وقدره .
وهذا الأمر مشترك بين الإسلام وباقي الأديان السماوية على عهد الرسل قبل أن يتسرب إليها التغيير والتحريف الذي انحرف بها عن أهداف ذلك الخبر الأولي البسيط وهو خبر التوحيد الخالص،الذي يفرض تنزيه الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة ، والتوجه إليه وحده بالطاعات التي تجلب رضاه ، والبعد عن المعاصي التي تسبب غضبه ونقمته ، وبالطبع فإن ذلك يكون مع فوارق في التفاصيل كان سببها مقتضيات الفرق بين كل أمة وأمة في الزمان والمكان والحال ، واختلاف الظروف ، وما جره العبث البشري بأحكام الأديان السابقة بدافع التحريف والتغيير والتبديل والتشويه ليتفق مع أهواء أهل الأهواء ممن جاء بعد الرسل عليهم الصلاة والسلام .
وفي العادة فإن أية حركة فكرية أو ثقافة لا تتبنى هذه البداية الثقافية تخرج من دائرة الخبر الديني السماوي التي تضم الأديان الكبرى الثلاث : الإسلام والمسيحية واليهودية ، وهذا الخبر هو النقطة المركزية في رسالات الرسل جميعًا ؛ وعليه يستند الخبر الديني بمعناه العام ، وتصدر جميع التفاصيل الدينية عن هذا الخبر الأول.
ويلح الخبر الديني على قوته وكفاءته العظيمة في بناء وصيانة الحياة الإنسانية بالأدلة والبراهين الواقعية التجريبية ، والترقي بالشخصية حتى تبلغ درجة تعرف في الدين الإسلامي بالإحسان وهو الحالة التعبدية التي توصف :بأن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . أو الحالة المتقدمة من السمو الفكري والخلقي الضابط للسلوك والمعروفة بالتقوى،أي أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية، بإطاعة أوامر الوحي عن حب ورغبة واقتناع وتقبل وتصديق ، والبعد عن كل ما ورد النهي عنه ؛ حتى لا يعرض الإنسان المؤمن نفسه للعقوبة.
الخبر الديني هو الخبر الإعلامي الوحيد الذي كثَّف الزمن ، وعرضه عرضًا متصلاً كاملاً كشريط من الوقائع والأحداث الصادقة التي تظهر وحدته وتماثل عناصره في الديانات السماوية الثلاث ([iv]) ، ولكنه استخدم في اليهودية استخدامًا عنصريًا منغلقًا ، وفي المسيحية استخدامًا مشوهًا مملوءًا بالمغالطات والمبالغات (ليس أقلها تاليه الإنسان وأسنة الإله)؛ مما أضاع الفرصة أمام العقل الإنساني ليتقبل منطقًا يتناقض مع أبسط بدهيات ووقائع وتطبيقات المنطق السليم والتفكير القويم.
ومن المألوف في رحلة الجنس البشري الثقافية أن كل دعوة جديدة أو رسالة حتى تلك التي لا تعتبر رسالة إلهية ، أي لا تستند إلى أخبار الوحي فإنها تتضمن ثقافة معينة ، ومنهجًا أخلاقيًا من نوع ما وتستند إلى خبر أولي بسيط ، وينطلق كل مذهب أو حركة من فكرة مركزية ، ثم تتراكم المعارف والمعلومات في أنساق ونظم تصبح مصدرًا للأحكام على الظواهر الفردية والاجتماعية المختلفة ، وتتدخل في تشكيل البناء المعرفي والأخلاقي للفرد والجماعة ، وتتصلب هذه الأنساق لتكون معتقدات صلبة راسخة التي قد تؤثر على التكوين الفسيولوجي والبيولوجي عن طريق تأثيرها الانفعالي الفردي والجمعي ، وعن طريق العادات ذات العلاقة بالمهنة أو الطقوس الدينية والاجتماعية ، ويتبع كل ذلك تشكل الجماعات الإنسانية بتأثير الاستجابات لهذه الطقوس ، وحينئذٍ تُكْتَسَبُ السلطات التي تمارس عمليات صياغة وضبط الواقع الإنساني تحت تأثير تلك الأحكام التي كوَّنها الخبر، وفي معظم الرسالات والحركات الفكرية الكبرى تقدم الرسالة التي بدأت بخبر أو مجموعة أخبار هرم السلطة وأنساقها على هيئة بناء جاهز يكتسب شرعيته من قوة الخبر أيًا كان نوعه أو درجة الصدق فيه ، وفي معظم الحالات كما يحدث في الحركات الدينية والثورية وعمليات التغيير الكبرى ، أوالجماعات السرية والعصابات تكتسب الأخبار صفة الإجبار ، وتصبح ذات تأثير سلطوي بحيث إن مَن يمتلك مفاتيحها تكون له القدرة على التوجيه والقيادة واتخاذ القرارات التي تؤثر في الجماعة والأفراد على حد سواء ، ويمكن لمن يمتلك القوة على اتخاذ القرار الزج بالجماعة في أتون المشكلات والحروب أو قيادة سفينتها إلى بر السلام والأمان ، وتجنيبها الكوارث والأزمات وفق ما تتطلبه مصلحتها ، في إطار السنن الإلهية المتحكمة في المجتمعات الإنسانية.
وينفرد الخبر الديني كما تمثل في الرسالات السماوية التي سلمت من العبث والتحريف ويمثلها الإسلام وهو آخر وأصدق وأصح وأكمل صورة منها ينفرد هذا الخبر بخاصية أساسية وهي:أنه خبر أولي وبسيط وصادق وثابت ومُوَحِد،قابل للتطبيق،لا يتناقض،نتائجه منسجمة مع مقدماته،وفي ضوء ذلك فقط يمكن فهم ثقافة الرسالات السماوية ، فالأديان السماوية جميعًا جاءت بخبر أولي واحد بسيط واضح بنت عليه بناءها الفكري والأخلاقي الذي يقدم تفسيرًا منطقيًا للموضوعات الثلاث : النفس والعالم والكون ، وهو مبدأ التوحيد : لا إله إلا الله ، واستحقاقه أن الله وحده هو المستحق للعبادة ؛ لأنه الخالق المدبر ، عالم الغيب والشهادة ،الذي أرسل الرسل بالبشارة والنذارة ، والذي تُردَّ إليه الأمور صغيرها وكبيرها،ويتضمن الخبر أيضًا مبدأ البعث واليوم الآخر والحساب والجزاء،والمصير المترتب على الأعمال إما إلى الجنة أو إلى النار،وإلى جانب الخبر البياني وعملية التبليغ،فقد اقتضت حكمة الله أن يؤيد رسله بقوة متفوقة على ما لدى أقوامهم وهي المعجزات التي كانت من جنس ما مهر فيه هؤلاء الأقوام،والتي تبطل التسليم بطاعة الطواغيت ،وتكشف وهنهم وتهافت منهجهم وزيف ادعائهم،وتفضح أمرهم ، وتبين زيفهم أمام المخدوعين من الضعفاء والعجزة والتابعين،وينتصر بها الرسول أو النبي على المعاندين من قومه،فتتماسك وتتقوى الجماعات التي آمنت بما جاءوا به من الأخبار الحقيقية الصحيحة.
ومن يبحث في جوهر الرسالات السماوية جميعًا بعيدًا عن نزعة التعصب أو الجهل أو إرادة التضليل أو الانحياز العاطفي أو الوقوع تحت تأثير أي عامل ذاتي ، يدرك هذا الأمر بكل بساطة ووضوح ، يستوي في ذلك المؤمنون من أتباع هذه الرسالات وغير المؤمنين من عقلاء البشر.
لقد كان الخبر الذي جاء به كلُّ نبيٍّ وبلَّغه قومَه هو ذلك الخبر الأولي البسيط ، والذي كان مفتاح العقائد والشرائع السماوية الذي قامت عليه ثقافة الخبر الصادق ، هو خبر الوحي الذي كُلِّفَ به الأنبياء والرسل الذين اصطفاهم الله ليبلغوا شرائعه.
اقتضت السنة الإلهية أن يكون مُبلِّغُ البشر إنسانًا من جنسهم ، يدعوهم بلسانهم،ويخاطبهم بالأساليب التي اعتادوا عليها،ويوظف طاقاته التي أودعها الله فيه لغرض أساسي هو الدعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ الأنداد،ومحاربة مظاهر الشرك،والبشارة والنذارة،ثم تربيتهم وقيادتهم وتوجيههم إلى ما يصلح حالهم.
ولم تتوفر هذه الصفات والخصائص إلاّ لدى رجالٍ اختارهم الله وهو وحده وهبهم هذه الاستعدادات،وأوحى إليهم للقيام بمهمة التبليغ والتغيير ومواجهة النتائج المترتبة أرضيًا على الدعوة والجهاد ومواجهة أهل الباطل والعناد والمكذبين المعاندين الذين استعبدهم الإرث والإلف والعادات المتصلبة في الفكر والمعتقد والسلوك.
*كان هذا شأن آدم عليه السلام في أبنائه على مدى حياته وسكناه في الأرض،بعد أن كان قد شهد صدق هذا الخبر في الجنة قبل أن يهبط منها،وعايش التجربة الحقيقية للإيمان واقعًا ومعاينة ومشاهدة بكل التفاصيل الواردة في قصة خلقه وسجود الملائكة له،ثم في اختباره وخطيئته،ثم توبته وهبوطه إلى الأرض وبدء الجنس الذي تناسل منه عليها في التكاثر والإعمار،ثم مواصلة ذريته في استعمارها،فقد أمر أولاده بعد أن رزق الذرية ،وكثر نسله بهذا الخبر البسيط الواضح،وكان فيهم نبيًا مبلغًا لهذا الخبر،أمينًا عليه مطيعًا لربه في تبليغه.
*وكذلك كان هذا الخبر هو ما أُمِرَ به نوحٌ عليه السلام بتبليغه قومه،وكانت قصته فيهم تدور حول محور واحد هو هذا الخبر،حتى جاء الوقت الموعود بعد مئات السنين من الدعوة والحوار الدائم الدائر بينه وبين قومه،وانتهى إلى تلك النهاية العامة من العقاب الشامل لأهل الأرض بالإغراق بالطوفان.إلا من آمن مع نوح عليه السلام ممن ركب الفُلْك ونجا بإذن الله سبحانه وتعالى،ومن نوح وذريته ونسل الناجين معه تكونت الأمم والشعوب وعمرت الأرض ،وظل هذا الخبر حيًا فيهم باستثناء من تقادم عليه العهد؛فانحرف إلى عبادة غير الله وعصى وغوى وضلَّ عن منهج الله الذي يحمله الخبر .
*وكان هذا الخبر الأوليُّ البسيط نفسه هو محور دعوة الأنبياء الذين جاؤوا بعد الطوفان وقبل إبراهيم عليه لاسلام ممن بعثهم الله سبحانه إلى أممهم ،مثل هود وصالح وشعيب وغيرهم .
· وكان هذا الخبر الأوليُّ البسيط نفسه هو أصل دعوة أبينا إبراهيم الحنيف الأواه المنيب على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكان أصل النزاع بينه وبين أقرب الناس إليه والده ثم باقي قومه المكذبين لهذه المقولة البسيطة الواضحة،حتى انتهى الصراع إلى قذفه في النار المتأججة التي أنجاه الله منها،ثم المفارقة بينه وبين الكفار المعاندين،ثم الهجرة إلى الأرض المقدسة ( فلسطين ) بشقيها شرق النهر وغرب النهر،وكان خبر ولادة هاجر لإسماعيل عليه السلام خبرًا وبدايةًً للقصة التي أدخلت الجزيرة العربية في عملي التمهيد والإعداد للرسالة الخاتمة،وللرسول الخاتم الذي يبعثه الله من ذرية إسماعيل بن إبراهيم _ عليهما السلام بالدين الكامل للإنس والجن،ويجعله خاتمةً لسلسلة الرسالات السماوية،وناسخًا لها ولأحكامها،ومهيمنًا عليها،ومستغرقًا للخبر الإلهي الذي جاء فيها،ومصححًا للعقائد الباطلة التي أملتها المصالح الشخصية،والأهواء و العناد والحسد .
وهذا الخبر الديني هو العهد الذي أخذ عليه نبي الله يعقوب عليه السلام العهد من بنيه السباه عندما حضره الموت،وأوصاهم بالثبات عليه وأن يحرصوا عليه حتى يموتوا وهم مسلمون موحدون.
ارجع أيضًا إلى الخبر الذي جاء به موسى على نبينا وعليه السلام وفكِّر فيه بعيدًا عن عنصرية اليهود والعُقد التي أملت عليهم التحريف والتزييف والغرور والعبث في النصوص وتلوين العقائد وليِّ النصوص والتلاعب في اللفظ،تلك الصفات التي سيطرت على حركتهم في التاريخ،وصنفت الغالبية العظمى منهم ليقفوا في الجانب السلبي الخاطيء في مسيرة الإنسان طوال تاريخه،على الرغم من أنهم أهل الكتاب الأول،ولديهم الخبر الصحيح عن صفات النبي الخاتم المذكور باسمه(محمد)والذي اختاروا التوجه إلى دار هجرته(يثرب)عندما طردهم الرومان من فلسطين عام 70 ميلادية،وعندما تفحص الخبر الذي تلقاه موسى عليه السلام في الوادي المقدس طوى في سيناء بعد رجوعه بأهله من مدين قاصدًا مسقط رأسه مصر،فستجد أنه هو نفسه ذلك الخبر الأوليّ البسيط الواضح،كلَّمه به الله تكليمًا،ولم يترك في نفسه أي شك عن الحقائق والمعلومات التي حملها الخبر،وعن الأوامر والنواهي والشرائع التي فصلتها الألواح بعد الخروج من مصر بأمر من الله،وكل ما جاء بعد ذلك من أحداث حملت أخبارًا عظمى معها،وخاض موسى صراعًا ثلاثي الأطراف: موسى مسلحًا بالمعجزات وبالمؤمنين معه والحق الذي عرف بخبره ذاك الذي كلمه به ربه في طور سيناء كان الطرف الأول،والطرف الثاني كان فرعون والجبابرة والسحرة قبل أن يؤمنوا والطغاة والمتواطئون معه،والطرف الثالث كان أسباط بني إسرائيل في حياة موسى وبعد موته:ممن ظلوا مخلصين للخبر أو اختاروا العِجل إلهًا ، ومن اهتدوا ، ومن انحطوا في وهدة الشرك والكفر والظلم والقسوة والجبروت،وكانت كل تفاصيل حركة بني إسرائيل واليهود بعد ذلك في إطار ذلك الخبر الذي خرجوا فيه عن مقتضى الهدف الأساس منه وهو حمل رسالة التوحيد ، والتهيئة لمبعث نبي آخر الزمان الذي يأتي بالدين الخاتم الذي يُنْهي الرسالات السماوية باصدق خبر،وبأكمل دين، وأصح عقيدة، وأنسب شريعة للإنس والجن حتى قيام الساعة في مكة حيث مبعثه ، ثم في يثرب حيث مهاجره ومستقره وانطلاق دعوته ، تلكما القريتان اللتان لا تبعدان كثيرًا عن مسرح حركتهم بين مصر وسيناء وشرق الأردن وأرض كنعان ( فلسطين ) أو الأرض المقدسة،أو الأرض المباركة وموقع بيت الله الذي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل مأموريْن ليكون رمزًا بنائيًا ماديًا ومعنويًا للتوحيد .
وكان سبب خروج أتباع موسى عليه السلام عن قدسية الخبر الأول الذي جاءهم به وما ارتبطت به من الشرائع أنهم كانوا الوحيدين الذين سبقوا إلى ذلك الخبر الأولي البسيط وسط بحر من الأمم المشركة المحيطة بهم في كل موقع أوصلتهم إليه حركتهم،فتكونت لديهم فكرة خاطئة عن أنفسهم ودورهم الإنساني،فكرة مبعثها الغرور والكذب الذي تمليه الفطرة الفاسدة التي تعفنت تحت ضغط حملات التنكيل والتعذيب التي تعرضوا لها بسبب ما جنت أيديهم من جرائم رصدتها التوراة وصدقها الإنجيل والقرآن الكريم ([v])،وبدلاً من قبول هذا الدور المختار لتبليغ الخبر،والجهاد في سبيله،والدعوة إليه،وتحمل تبعاته التي أسسها التزام أجدادهم الأسباط:أبناء يعقوب عليه السلام،فتأسست لديهم في أنفسهم نظرة متعالية أدت مع تقادم العهد وتوالي عصيانهم وتسلط تلك الأمم المشركة عليهم إلى العبث في النص الديني،ثم التحريف والتنكر للخبر الذي أنجاهم به الله من بطش فرعون وجبروته،وصياغته صياغة أملتها الأمراض والعقد النفسية التي أورثتهم حقدًا حتى على الحيوانات والجماد والمساكن،وظلت هذه الصفات تتعقد وتزداد خبثًا حتى أعادهم الله إلى موقف وظرف يعلنون فيه بشكل اختياري عن تلك الصفات في العصر الحديث منذ أن ظهرت الدعوة المعروفة بالحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ،ومن أراد برهانًا واقعيًا على الأضرار التي لحقت بهم وبغيرهم من خيانة أمانة الخبر الأولي الواضح البسيط،وانحراف الطبيعة وفساد الفطرة؛نتيجة للنزعة الذاتية في التكوين الثقافي فليتابع شبكات الأخبار ومحطات التلفاز التي تقدم هذا الدليل بالصوت والصورة والحركة وبالألوان عن أحداث فلسطين بعد أن انفرد الخبث اليهودي ببقايا سكان أرض كنعان ، أرض الإسراء والمعراج ، أرض المحشر والمنشر ،أرض الملحمة ، بيت المقدس وأكناف بيت المقدس،ابتداءً من 28 سبتمبر سنة 2000 م وإلى تاريخٍ قادم،الله وحده يعلم نهايته،فهذا أكبر دليل على ما تفعله الأخبار الكبرى والأخبار العادية في تشكيل الاتجاهات،وفي صياغة النمط والنسق والتكوين والموروث الثقافي للفرد وللجماعة،على مستوى الأفراد العاديين في زمن معين وظروف محددة ،وعلى المستوى الإنساني العام المحكوم بالسنن الإلهية المقررة المقدرة .
*وعيسى على نبينا وعليه السلام كان من بداية حمل أمه به حتى ولادته وطفولته وتفاصيل حياته وما جاء به عن الله سبحانه وتعالى كان كل ذلك أخبارًا كونت تلك الهالة القدسية المعجزة عن ذلك الطفل المعجزة الذي وُلِدَ من غير أب ، وكَلَّمَ الناس في المهد ، ثم إقراره بالعبودية لله ، وحمله خبر التوحيد ، وتحديه للمكذبين من اليهود بالمعجزات التي أيده الله سبحانه بها ، كل ذلك كان أخبارًا عظيمة حملت أصحاب الأهواء من النصارى على تحريف الهدف الأساس من الخبر الذي جاء به كما فعل اليهود بخبر موسى من قبل ، فبدلاً من قبوله والدعوة إليه بأمانة وصدق ، صاغوا عقائد مغلوطة ، وحمَّلوا النبي الإنسان فوق ما تحتمل رسالته ، وشوهوا مفهوم الألوهية ، وأضاعوا الفوائد العظمى التي كانت ستعود على البشرية لو أنهم أكملوا دورهم الذي تحملوا فيه ألوان الاضطهاد من اليهود ، وذلك بالتهيئة الفكرية والنفسية لمبعث الرسول الخاتم الذي وصفه كتاب موسى عليه السلام ، وبشَّرَ به عيسى عليه السلام بصفاته التي لا ينكرها عاقل أمين مثل بحيرى الراهب ، وقصته في الأمانة على الخبر الذي حفظه من الكتب المقدسة الصحيحة السابقة معروفة في تاريخ السيرة النبوية .
إن أبسط وأوضح خبرٍ عن عيسى عليه السلام أنه كان نبيًا (فلسطينيًا)لأن فلسطين سابقة زمنيًا ومكانيًا في الثقافة الإنسانية على اليهودية المحرفة وعلى النصرانية التي جافى بعض أتباعها الصواب وتطرفت في تأليهه عليه السلام وهو أمر انكره عليهم واستنكره أشد الاستنكار ، والأرض المباركة فلسطين وأجواء وخصائص القداسة فيها وخصائص شعبها هما الوعاء الفيزيائي والثقافي الذي قام فيه عيسى عليه السلام بإبلاغ الخبر الأول القائم على التوحيد وإصلاح عقائد اليهود ، ونفي ما ألصق به وبأمه الطاهرة البتول من المبالغات والافتراءات والكلام الباطل ومظاهر التحريف.
*وبمبعث محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام ، ثم اكتمال الدين وتمام الرسالة بنزول آخر آية من القرآن الكريم واكتمال سنته واستيعاب هديه فإنه لا حاجة بنا إلى مجرد مراجعة الرسالات قبله ؛ لأن ما كان من أخبارها ضروريًا للمعرفة والثقافة والحياة الإنسانية في حال الانفراد والاجتماع فقد احتواه القرآن الكريم ووثقه وورد في السنة المشرفة ووثقه أكثر أجيال الجنس البشري صدقًا وأمانةً بعد جيل الصحابة والتابعين .
ومحمد صلى الله عليه وسلم كان ما فاجأ به مشركي قومه بمكة خبرًا بسيطًا واضحًا،هو ذات الخبر الذي حمله الرسل والأنبياء قبله،وكان يرجو الله أن يكون وسيلة لنجاتهم من المصير الذي تردت فيه الأمم السابقة التي أصرت على الشرك والعناد والعصيان والتنكر لنعمة الله وتكذيب أنبيائهم ، كان ذلك الذي نزل عليه أولاً ذات ليلة من ليالي رمضان وهو يتعبد في غار حِراء ، كان خبرًا ، وبعد أن أُخْبِرَ أنه جبريل المَلَكُ المرسلُ من اللهِ رب السموات والأرض وأنه بداية القرآن الكريم ، آخر الكتب التي ختم الله به الرسالات السماوية ، وبعد أن استوعب الحقائق المرتبطة بهذا الخبر ظلَّ ثلاث سنين يدعو سرًا كلَّ مَنْ لان قلبه وقبِل هذا الخبر الصادق الأولي الواضح البسيط . ثم أُمِرَ بإعلان الدعوة ، وسارت الدعوة بعد ذلك في مراحل ثابتةٍ وفق منهج رسمه خبر السماء ، واستجاب له المؤمنون الصادقون ، وتحمل النبيُّ والمسلمون الأوائل في سبيله كل أنواع العذاب والظلم من مشركي مكة الذين كانوا يستندون في موقفهم إلى أخبار وأفكار مشوشة ، تراكمت فيها العقائد الفاسدة النابعة من الجهل والتقليد الأعمى لموروث ابتعد عن جادة الصواب ، وتصلبت عناصره وفرضت نمطًا من السلوك القسري صادَر العقل وأغلق على طاقاته المنافذ والسبل ، وربط الحياة العربية بعادات وأخلاق استهانت بالكرامة الإنسانية ، فبينما يدفن الرجل منهم ابنته بمجرد ولادتها ، نجده يمجد الصنم ، ويسجد للحجارة والأشجار التي لا تضر ولا تنفع ، ويدعو الأشجار ويخاف الكواكب والنجوم ، ويصرف كل أشكال العبادة والتأله عن الله الخالق المستحق لها إلى آلهة اتخذها وفق هواه ، أو فرضها التقليد الأعمى الذي لا يخرجه عن دائرة عبادة ما كان يعبد آباؤه وأجداده بلا تبصر أو بصيرة ، على الرغم من أن أبوهم الأول إبراهيم ثم ابنه إسماعيل عليهما السلام تركا فيهم الحنيفية التي جوهرها التوحيد الخالص والديانة الصحيحة .
ومن الطبيعي بعد أن اكتمل الدين وقام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بواجب الدعوة والبلاغ والبيان والدفاع عن الخبر الحق والجهاد في سبيله ، من الطبيعي أن لا يُلْتَفَتُ إلى أشكال الخبر الديني الأخرى ، لا بدافع إلغاء الآخر ، ولكن لضرورة الاكتفاء بالقدر المسموح به من العلم الصحيح الحق فلا نتجاوزه إلى الخوض في الأخبار المشوشة ، التي تفرق ولا تجمع ، وتشتت ولا توحد ، ولكفاءة الخبر الديني في تكوين الثقافة والوعي والذاكرة الجمعية التي تكون مرجعية ثقافية للفرد والمجتمع المسلمَيْن . ولأن الآخر المشوش المحرف كان نقيضًا ضروريًا لبيان قوة الحق في الجديد القادم لتصحيح العقائد ، والقيام بالواجب في هداية الإنسانية إلى الصواب ، ولا تزال هذه الوظيفة العقلية التطبيقية ضرورية ، وزادت أهميتها وضرورتها في الوقت الراهن لتعقد أساليب نشر الضلال والتعمية الفكرية ، وتسخير وسائل الإعلام في ذلك ، والانحراف بها عن الهدف الأساسي لها في هداية البشر وإعلامهم بالحق وبيان الحق والباطل .
ومن يراجع مراحل الدعوة الإسلامية ويتابع تفاصيلها يدرك كم أحدث هذا الخبر البدهي الأولي البسيط الواضح من أحداث وتغيرات كبرى قلبت الحياة في الجزيرة العربية ثم في البلاد الموجودة حولها ، ثم في المعمور من الأرض ، وفق سنن إلهية ثابتة تحكم الصراع بين الحق والباطل ، بين التوحيد والشرك ، وترفع أقوامًا وتحط آخرين ، وصاغ في النهاية بتاءً ثقافيًا إنسانيًّا فريدًا يتصف بالطبيعة التنظيمية الدقيقة في طبيعة الوحدات التي تكون البناء وفي الأسس والقوانين التي تضبط حركته واتجاهاته.
ثقافة الخبر الصادق الخاتَم:
لقد حمل هذا الخبر العظيم اللغة العربية ،ومحا بها الكثير من اللغات الأخرى ، وأسَّسَ ثقافةً وحضارةً متميزتين تقومان على أسس فريدة لم يعهدها الجنس البشري فيما سبق من الحضارات على الرغم من وجود فكرة الألوهية والأسس الأخلاقية والقواعد التنظيمية للمجتمعات الإنسانية ، وسادت تلك الثقافة التعبدية وقد استمدت مفرداتها من القرآن الكريم والحديث الشريف،وأدبياتها كل ما أبدعتة القلوب المؤمنة المتعبدة لله وحده،وأنساق قيمها وأحكامها لا تتعدى ما نص عليه القرآن الكريم،ورسمته السنة المشرفة في الأصول،وما اجتهد فيه العلماء في فهم الفروع،وانتقل تأثير هذا الخبر إلى مناشط الحياة الإنسانية في الفكر والآداب والكتابة وفنون العمارة والطب والهندسة وشئون الحياة العادية للإنسان الفرد كالطعام والشراب والنوم واليقظة والزواج والتربية والتعليم والزراعة والتجارة .
في ضوء العرض السابق يظهر لنا وكأننا نعيش حالة ثقافية يجب على الإنسان أن يختار فيها أحد الطريقين المتناقضين:
طريق الله والأنبياء والرسل الإسلام الذي هو الدين الوحيد الذي يقبله الله من الناس وهو دين الرسل قبل أن تحرف الكتب ويُعْبَثَ في إرث الأنبياء،ويصاغ التاريخ حسب الأهواء.
قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19
أو الطريق الذي يبدأ بإبليس ( الشيطان ) ثم جنوده من الإنس والجن وما زينوه لأنفسهم من التلبيس والغواية وما ابتدعوه من مناهج ومذاهب ونظريات متهافتة واهية .
قال الله تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179
بعض خصائص ثقافة الخبر الصادق
1. ثقافة نظمية : فكل نص أو حكم أو نوع من العبادات أو نشاط تابع لها يمارس في وفق نصوص تكون نظامًا فكريًا جزئيًا ضمن نظام عام يشمل الحياة البشرية لأتباع الدين المؤمنين والأنصار المتابعين .
2. ثقافة اقتصادية :لا يقصد بذلك المعنى الذي يتبادر إلى الذهن من القراءة اللفظية لهذه الخاصية ، بل إن ثقافة الخبر الصادق توفر المسافة الفكرية بين الحكم والممارسة ، بين النص والتطبيق ، وتختصر الطاقة النفسية التي يمكن أن تتبدد في الجدل والشك وأشكال النشاط العقلي أو البدني الناتج عن المماحكة والمراء، وتظهر ميزة هذه الخاصية عند البحث في تحليل طبيعة الثقافات التي تتبنى ثقافة منحازة أو منحرفة حيث يظهر الصراع الذي يستهلك الطاقات والموارد الفكرية والنفسية ، ولو قدر لهذه النوع م الثقافة أن تنشىء بناءً واقعيًا أو تجسد بالتطبيق العملي بعض الأفكار في مرحلة من التاريخ فإن تجارب التاريخ الإنساني تكشف لنا خواء هذها البنا وسرعة زواله.
3. ثقافة الخبر الصادق ثقافة بنائية وظيفية : بمعنى أن كل جزئية في البناء الأيديولوجي يؤدي وظيفة في البناء الذي يكون مجمل الدين ، والدين جزء من منظومة كونية شيِّدت لحكم إلهية معروفة عند العلماء ، ويتم شرحها وتفسيرها وتوضيحها في أنساق بنائية تتكون من منظومات المعايير والقيم والتعاليم والحكام التي تُبنى الحياة عليها ، وتفسر الأدوار والوظائف ، وتبين خصائص الصواب والخطأ والمقبول والمرفوض ، والا نحراف والاستقامة ، وما يترتب على ذلك من أنواع الثواب والع8قاب والفرص الممنوحة للتوبة والعودة والإصلاح الذاتي والتقويم الجمعي والمجتمعي .
4. ثقافة إبداعية : حمل هذا الخبر العظيم اللغة العربية ومحا بها الكثير من اللغات الأخرى أو أزاحها عن الإرسال الحضاري ، وأسَّسَ ثقافةً وحضارةً متميزتين تقومان على أسس فريدة لم يعهدها الجنس البشري فيما سبق من الحضارات،وسادت تلك الثقافة التعبدية وقد استمدت مفرداتها من القرآن الكريم والحديث الشريف،وأدبياتها كل ما أبدعتة القلوب المؤمنة المتعبدة لله وحده،وأنساق قيمها وأحكامها لا تتعدى ما نص عليه القرآن الكريم،ورسمته السنة المشرفة في الأصول،وما اجتهد فيه العلماء في فهم الفروع،وانتقل تأثير هذا الخبر إلى مناشط الحياة الإنسانية في الفكر والآداب والكتابة وفنون العمارة والطب والهندسة وشئون الحياة العادية للإنسان الفرد كالطعام والشراب والنوم واليقظة والزواج والتربية والتعليم والزراعة والتجارة .
5. ثقافة متماسكة تقاوم الانحلال والتفكك : والصدق مكون فكري عقدي وسلوكي عملي في لا يحتمل تفسيرين ، ولذلك يتم التمييز بوضوح تام بين أشكال السلوك ودرجاته وأنواعه ، ويتم تعريف كل الممارسات الفكرية والقولية والعملية في ضوء معيار الحق والصدق.
6. ثقافة علوية المصدر :وتكتسب خصائصها وطاقاتها في البناء والإصلاح من مرجعيتها الطاهرة الآمرة التي توجه وتراقب وتقوم وتحاك إلى أصول وسنن ثابتة.
7. ثقافة تغيير وإصلاح وبناء وتجديد ومراجعة وتقويم دائم:تحمل جميع الديان في كيانها منذ البداية مبدأ التصادم مع الكذب والباطل،ومقومات التغيير وأدواته،وتبشر بالتغيير إلى الأفضل،وتبعث الأمل في الأتباع ،وترسم طريق الخلاص عن طريق الربط القوي بين الهدف والوسيلة،بين بعدي الدنيا والآخرة بطريقة واضحة تعتمد على الإقناع ،والتغيير الذاتي على مستوى الفرد،والتغيير التبادلي على مستوى الوحدات الصغرى،والتغيير المؤسسي عن طريق مناهج وأدوات الفعل الاجتماعي في النسق والوظائف والأدوار،وتعلي من شأن القدوة والقيادة .
ومن السهل الاستطراد في توضيح الخصائص التي تتصف بها هذه الثقافة ؛ لأنها جميعًا تستنبط من الخصائص الأولية البسيط للخبر الأولي البسيط الذي كوَّن المسار الثقافي للإنسانية ،ورسم معالم الفضيلة ونبه إلى الرذيلة ، وذلك منذ أول الرسل (آدم عليه السلام ) وإلى سيدهم وخاتمهم وإمامهم :محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، القرشي العربي العدناني وهو خبر : الحق والصدق والجمال والبساطة والوضوح .
لم يكن طريق الخبر الصادق ليصبح ثقافة عامة طريقًا سهلاً ممهدًا ، بل كان مملوءًا لاصعوبات والصراعات والعقبات ، ومن هذه الصعوبات ما هو بنائي وظيفي من مكونات المجتمعات وعوامل بنائها ، كالزعامات القليدية والتقسيم الطبقي في المجتمعات القديمة، ، وكان من أخطرها جماعات المتنبئين وأدعياء الغيب الذين يزعمون بالقدرة على الإتيان بالخوارق ، وتضم هذه السلسلة سدنة بيوت الأوثان والأصنام في الأمم القديمة وسحرة فرعون ، وأدعياء العلم من اليهود على زمن عيسى عليه السلام ومحتكري المعرفة فيمن جاء بعده ، وفي عهد الرسالة الخاتمة يأتي على رأس السلسلة قديمًا مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وسجاح وطليحة الأسدي ، وفي العصر الحديث غلام أحمد القادياني في الهند ، يضاف إلى تلك العقبات عوامل الإلف والعادة والجهل والتصلب الفكري ، ومن هذه العوامل ما هو خارجي ، ومن هذه العوامل السلسلة الطويلة من أعداء الخبر الحق ، الذي حمل الدعوة إلى أمم الأرض حتى دانت لثقافة الصدق أمم الأرض في المشرق والمغرب .
ثقافة الخبر: الوضع الراهن في ظل ثقافة الخبر الصادق
يمكن تصور الوضع الثقافي الراهن للخبر في منطقة متوسطة بين المسارين المتضادين السابقين ، فعندما نعترف بالنقص الموجود فينا بسبب أصلنا الطيني نجنح إلى الطريق الثاني ، وإذا قويت علاقتنا بالمنهج الإلهي وحرصنا على درجة من التقوى التي نراقب الله فيها ، في كل شأن من شئوننا فإننا نقترب من الطريق الأول ، وهذه حالة تتطلب ثقافة وسطية لا تنكر أو تهمل الأصل الطيني ، ولا تستسلم لهذا الأصل ونزعاته فتنسى الغاية الأولى من خلق هذا الجنس البشري وجيرانهم في الأرض من الجن وهو عبادة الله الخالق جلَّ شأنه ، وهذه الحالة هي التي يمكن أن تجعل الحياة رحلة ممكنة وعادلة وجميلة .
إن الخبر الإعلامي من أية وسيلة جاء،وفي أي بلد كان،ومن أي جهة أو مصدر ، يحمل رسالة من نوعٍ ما،وأخطر ما فيه أنه وعن طريق عملية تراكمية مستمرة لا تتوقف على مدار الساعة يعمل على تشكيل ثقافتنا ، ويُكَوِّنُ أحكامنا ، ويصوغ ويوجه اتجاهاتنا ، ويسيطر على طريقة تفكيرنا ، ويقودنا بحيث يصدر سلوكنا وفق تخطيط مسبق ، فهو في الحقيقة يصادر حريتنا بعملية اختيارية ، وبطريقة إرادية ، عندما نطابق بين مضمون الخبر وبين شخصيتنا وطموحنا ، تستوي في هذه العملية أصدق الأخبار وأكذبها .
إننا نسقط شخصيتنا على الخبر ، ونفرغ همومنا ومصادر قلقنا ، وكل ما يضطرب في داخلنا ، ويغلي في مرجل اللاشعور(هو) تحت ضغوط الشعور والوعي ( أنا ) من مكنون الغرائز والانفعالات الأولية والرغبات المكبوتة ، نفرغ كل هذا على نشرات الأخبار وصفحات الجرائد ، وفي التهامس المريب بين مرتادي المجالس ، ومدمني الغيبة والنميمة ، وفي كهوف الدسائس والشبهات التي يحرص أصحابها ومروجوها على تزيينها بكل وسائل الخداع والتزييف ، في محاولة لإجبار الناس على الانجراف وراء الباطل ، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم بعض ما يحدث الآن على الساحة الإعلامية والفكرية والثقافية .
فهل يعيش البشر مرة أخرى حالة مواجهة بين الخبر الديني كما عرضناه بإيجاز ، والخبر الذي يظن أصحابه أنهم يسعهم الانطلاق من المناهج المادية فقط دون الاعتبار بما سجله التاريخ من نتائج مدمرة في الحالات المشابهة ؟
وهل نعيش قدرًا محتومًا من الثنائية الفكرية والمواجهة بين المتضادات في سياق دياكلتيك لا ينتهي إلا بنهاية الحياة على هذا الكوكب ؟
وإلى متى نستسلم لوسائل التسطيح الفكري ، وتقنيات الضحالة الثقافية لتقود أجيالنا إلى متاهات الضياع ؟ ولمصلحة من يحدث ذلك ؟
صورة الذات ومفهوم الآخر في ثقافة الخبر
من أخطر القضايا التي أثارتها الحملات الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام الغربي على المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 م قضية اتهام الإسلام بأنه يبني الشخصية الإرهابية التي تلغي الآخر ، وتنمي اتجاهات عدائية نحوه ، وأن ذلك أساس الثقافة الدينية التي يعمل الإسلام على تربية أبنائه عليها .
وهذا القول صادق من جهة ، ومضلل من جهة أخرى ، صادق من حيث أن الإسلام منهج إصلاح وتغيير إلى الأفضل ، وكل حركة تغيير تكتسب أنصارًا ومتحمسين ، كما يكون لها أعداء ومعارضين ، ولا يستثنى من هذه الحقيقة دين سماوي أو غيره من الحركات الإصلاحية والثورية ، إذ أنها جميعًا تهدف في صلب تعاليمها إلى تغيير الإنسان ، وصياغة شخصيته وفق تعاليم وأحكام محددة تمتاز بالثبات والشمول والصرامة والعمومية ، فكل النظريات والمذاهب التي تتبنى منهجًا إصلاحيًا أو فكرًا ثوريًا تعتبر ما يبرر قيامها واستمرارها وتحملها للتضحيات مهما عظمت كونها ترفع شعارات وتنفذ منهجًا للتغيير ، وحتى تلك البلاد التي جعلت شغلها الشاغل بعد أحداث سبتمبر حشد جيوشها وقواتها بزعم القضاء على الإرهاب المزعوم ، نقول حتى هذه الدول ومن ساندها على اختلاف الدوافع والغايات والذرائع تتبنى منهج تغيير يعتبرونه جزءًا أصيلا من أيديولوجيتهم ، وعملهم هذا الذي يحاولون أن يجدوا له تبريرًا فلسفيًا إنما يعتمد على ثقافة محرضة لهم ؛ للاندفاع في الطريق الذي رسموه لأنفسهم ، سواء استند ذلك على ( العدل المطلق ) ، أو العدالة النسبية ، أو شبهة العدل أو التباكي على الإنسانية المعذبة ، أو الدعوة إلى إنقاذ الإنسانية أو القوة العسكرية والقدرة المطلقة على القضاء على ( محور الشر في العالم ) ، وجميعها أهداف مطلقة وشعارات لم تتبناها حتى الأديان السماوية المؤيدة بعلم وقدرة وقوة الله الخالق القدير المدبر المعز المذل الخافض الرافع ، ورغم الصدق المطلق والأمانة الكاملة واليقين التام بصدق تحقق وعد الله لهم في انتصار الحق على الباطل في أممهم وفي زمانهم وكل زمان فلم يتبن أيٌّ من أنبياء الله القدرة التي يدعيها هؤلاء الذين غرهم التفرد بالقوة المادية ، والنفوذ الطاغي على أمم الأرض .
وبالنسبة للإسلام فإن هناك حقيقة هامة ومركزية في أسس الخطاب الديني ومفرداته من النصوص المقدسة : القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وما بُنِيَّ عليهما من التفاسير والشروح المعتبرة ، والأعمال العلمية الصحيحة للعلماء المعتبرين ، الذين ظهروا في العصور التي تلت عصر الرسالة ،وفي كل فروع العلوم الشرعية ، هذه الحقيقة الهامة هي أنها تحتوي على تشخيص شديد الوضوح للذات من جهة ، وللنقيض أو الآخر من جهة أخرى ، كما تمَّ تشخيص الخير الذي هو جوهر الدين ، وهذا النقيض أو الآخر هو الشر وما ومن يمثله ، وهم طائفة كبيرة زعيمها إبليس أو الشيطان ومعه غير المؤمنين الذين لم يتقبلوا ولا يتقبلون تعاليم الدين ، وهم مسميات وطبائع كثيرة وأسوأهم المشركون ثم الكفار والمنافقون والعصاة ، والمذنبون على درجاتهم وأنواع ذنوبهم ، حتى يقلعون عن ذنوبهم ومعاصيهم ، ويحسنوا التوبة ، ويعودوا إلى حظيرة الدين والإيمان ، وتشارك بقية الأديان السماوية الإسلام هذه الحقيقة مع وجود اختلاف نسبي ، وكما أن التعاليم الدينية والنصوص الشرعية تقوم على منهج أخلاقي شديد التماسك ، يوضح بما لا لبس فيه جوانب الخير ، ويصف الفضيلة ويحدد معالم السلوك الذي يوصف بالخيرية ، فإنه أيضًا يشخص ويصف بكل وضوح المنهج الأخلاقي النقيض الذي يحكم سلوك الآخر أو النقيض ، وفي نصوص الشريعة الإسلامية التي سبق بيانها تفصيل دقيق وحاسم للموقف الذي يجب على المسلمين أن يتخذوه في أي حالة من حالات مواجهة الآخر أو النقيض ، ويزودنا الفهم الصحيح لتلك النصوص بمنهج واضح يحكم حركة الإنسان الفرد والمجموع ، والإسلام الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى دينًا وحيدًا للبشرية جمعاء يؤمن الأمان لمسيرتها نحو اليوم الآخر ، فلا يمكن أن يكون دينًا تنكيليًا بلا مبرر أو سبب ، وهو في جوهره منهج أفكار وأقوال وأفعال يعتمد على الحب والرحمة والتيسير والبشارة ، كما أنه يشتمل على نصوص الكراهية والقسوة والتشديد والنذارة ، ونصوص الكراهة والقسوة والعقاب والحجر والعزل والنفي والحد من الحريات والقصاص والقتال والجهاد ليست أمورًا اعتباطية عفوية ، أو عبثية انتقائية ، ولكنها نصوص وأحكام محكمة ومقننة ومنزلة من الله الذي خلق الإنسان ، وهو العالم بطبيعته وبما ينفعه وما يضره ، وهو الذي يحدد المصلحة والمفسدة ، وإنما يقل الوعي وتضطرب المعايير ويحدث العمى الإدراكي عندما يبتعد المسلمون عن مبادىء الدين الحق ؛ فيلصق بدينهم ما ليس فيه ، ولذلك لا يجب أن يكون السلوك الفردي أو الجماعي مقياسًا ومعيارًا يحاكم إليه الدين ، بل العكس ، أي يجب أن يقاس سلوك الإنسان على معايير الدين وأحكامه إذا شئنا أن تتصف أحكامنا بالعدل والإنصاف والدقة والموضوعية ، وهي قيم ثابتة محترمة .
إذن فالنقيض موجود في كل المذاهب والحركات الدينية السماوية والوضعية ، الخير وما يمثله والشر ورموزه ، الإنسان العادي المطيع البريء في مقابل العاصي المجرم ، والتنظيمات والهيئات والمؤسسات الشرعية في مقابل غير الشرعية والأنصار والأعوان في مقابل الأعداء . هذه هي دراما الحياة الإنسانية كما يجب أن نحياها وكما ينبغي أن نفكر فيها : الخير مقابل الشر ، والمشروع مقابل الممنوع ، والذات مقابل الآخر .
ومن جهة أخرى فليذكر القارىء مثالاً واحدًا لدولة أو مذهب أو دعوة أو دين وضعي أو سماوي آخر غير الإسلام لا يحتوي على نصوص الذات والآخر أو النقيض ، وإذا وجد هذا فلا يكون دينًا أو دعوة أو فكرًا يستحق مجرد الذكر .
معظم الفلسفات والمناهج والمذاهب السياسية والاجتماعية الوضعية تُجَّمِل الذات وتقبح الآخر إلى درجة الإلغاء والتصفية ، وتجعل من هذه العملية تكتيكًا أساسيًا لتجانس الأتباع والأنصار ، وتوحيد الصبغة التي تلغي الذات وتوحدها في المجموع ؛ تحقيقًا لأهداف بعضها ظاهر والكثير منها خفي مستور ، وجد ذلك في الماضي ، ويجد في الحاضر ، وسيظل موجودا في المستقبل ، يوجد في المناهج الفلسفية والعقل النظري ، وهو موجود في صلب الفلسفة السياسية والسلوك العملي الذي يطبق الفلسفات والمذاهب النظري ، فما أن يعتلي حزب أو عصابة أو جماعة سدة الحكم حتى يبدأ في تطبيق المباديء التي يتبناها ، والفكر الذي روج له قبل ذلك ، أو البرنامج الانتخابي الذي خاض على أساسه معركة الانتخابات ، في البلاد التي تتبنى الأسلوب الديموقراطي وتداول السلطة والتعددية في الحكم ، أليس استبدال القيادات والكفاءات في مراكز العمل العام هو إلغاء للآخر ؟ وفي ذلك حرمان للمجتمع من طاقات المخلصين من أبنائه بزعم التعددية ، وتبادل السلطة .

وفي الإسلام ميزة تُفَرِدُه عن غيره هذه العملية ، وهي أن التقبيح والتجميل لهما مصدر واحد وهو : الشارع الحكيم ( الله سبحانه وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغًا عن ربه ) ، وبالضرورة فإن ما كان مصدره الشارع بواسطة الوحي هو بالضرورة متطابق مع العقل السليم الذي جعله الشارع الحكيم مناط التكليف ، ولذلك فإن عمليات التقبيح التي ركن الإنسان فيها إلى دوافعه الأنانية ، وغرائزه الفطرية قد جرَّت على الإنسانية ويلات لم تنمح آثارها ولم تلتئم جراحها ، وظلت بصماتها قوية الأثر على الثقافة الإنسانية ، وإذا بدا أحيانًا أنها قد انطوت معالمها ولفَّها عالم النسيان فإنها تظل كالجمر تحت الرماد ، وما تزال تعاود ثوراتها كالبركان المتجدد أبدًا .
تساؤلات حضارية مشروعة يثيرها أصحاب الثقافة الوسطية
ماذا فعلت أسبرطة وأثينا في التاريخ اليوناني القديم ؟ وما الحال الذي كانت عليه طروادة ؟ وماذا كانت تفعل الإمبراطوريات القديمة في أتباعها وفي سوق الناس إلى بلاد ( الآخر ) للسلب والنهب والهيمنة والسطوة والنفوذ ؟ هل مطالعتنا للموروث الفكري والسلوكي اليهودي القديم تطلعنا على نماذج من الدماثة والغيرة والتسامح والأثرة والرحمة والعفو أكثر مما تفيدنا إلغاء الآخر وتجريمه وسحقه ؟ وتبرير ذلك بتعاليم الدين الذي أخفوه واحلوا مكانه النصوص الأنانية والغوغائية الانتقائية تحت زعم أن هذا كله في سبيل طاعة ( ربهم ) العنصري المزعوم ؟ وماذا فعلت الفرق المسيحية بعضها في بعض؟ أو في الجماعات التي تسلطت عليها منذ الحروب الصليبية حتى زمن الكشوف الجغرافية والحروب الاستعمارية التي شنتها منفردة أو مجتمعة ؟ وحتى تلك الحركات والدول التي غرتها المقولات المعسولة والأفكار اليوتيبية التي حاولت أن تبني عليها الدول القومية متأثرة بادعاءات المثالية والأخوة القومية والتمايز العرقي والنقاء السلالي ! هل كانت ضحاياها في حروبها الأهلية والخارجية وصراعاتها على المصالح أقل من عمليات الإبادة الجماعية ؟ وهل الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر الميلادي كانت كلها رحمة ومثالية ؟ بينما الجهاد الإسلامي لإنقاذ البشرية المسحوقة تحت نير الظلم والطغيان كان نوعًا من القسوة غير المبررة ؟ وماذا فعل المهاجرون الأوائل الذين لجأوا إلى الأمريكيتين هربًا من الاضطهاد الديني أو بحثًا عن الثروات ، ماذا فعلوا في السكان الأصليين الذين سبقوهم إليهما منذ آلاف السنين ، وكانوا أصحاب ثقافة مزدهرة وتاريخ زاهر ؟ وماذا فعل هؤلاء الهاربون بدينهم الباحثون عن الحرية في مائة مليون من ( الرقيق ) الذين جلبوهم من أفريقية في أغرب تجارة كان سلعتها الإنسان الذين يتباكون عليه ؟ ويرقد الملايين منهم الآن هياكل عظمية مشدودة إلى حطام السفن بالسلاسل الحديدية ؟ ثم الملايين التي قتلوا في حروب الأطماع الاستعمارية والصراعات القومية والتقاتل على الموارد التي لا زالت المحرك الرئيس للسلوك الدولي ، والوحشية في حروب القرن العشرين الماضي وحرق مئات الآلاف بالقنابل النووية ، هل كان كل ذلك شكلاً من أشكال السلوك الحضاري المهذب الذي يتناول به الذئب وجبة من لحم فريسته ؟ هل كان المسلمون هم الذين حرقوا اليهود في أفران الغاز ومعسكرات العزل العرقي ؟ هذا إذا جاز لنا أن نصدق المزاعم عن الهولوكست أم أن الفاعل هو جيل مشؤوم من القارة التي شنت الحروب الصليبية على مدى ثلاثة قرون ، هل كان ستالين مسلمًا عندما أباد أربعة ملايين من مواطنيه أو أكثر من هذا العدد ؟ ثم إنه حتى على الصعيد الداخلي في المجتمعات المختلفة ، هل رأيتم أبشع من جريمة يقتل فيها طالب صغير السن العشرات من زملائه ومعلميه رميا بالرصاص دون أي جريرة ، وأين حدث ذلك ؟ حدث في بلد الحضارة التي اختارت لنفسها وظيفة جديدة هي مكافحة الإرهاب المزعوم ، عندما تنادى العالم في عصر العولمة والاتصالات المتطورة إلى السلام والعدل والتواصل ونقل الخبرات والمعرفة ، وتبادل المنافع ، ونبذ الخلاف .
وهل هناك صورة للإرهاب أبشع وأعظم قسوة من انقضاض الطائرات في يوم الأربعاء الثالث من شهر يوليو عام 2000م على أهل قرية أفغانية بإقليم أوزجان بينما هم في قمة فرحهم يحتفلون بزفاف عروسين ، فتقتل منهم ثمانية وأربعين وتجرح مائة وسبع عشر ، بدعوى كاذبة مفادها أنها اندفعت لتسكت مصدر النيران الموجه نحوها من أهل العرس ! وذلك ضمن الحملة التي تقودها أميركا في حربها ضد ما يسمى بالإرهاب .
وأخيرًا ما اللغة التي تناسب الذين يحاربون ( الإرهاب ! ) ليصفوا بها السلوك الذي تستخدمه جماعات يهود في فلسطين عندما تستخدم طائرات الأباتشي وأثقل الدبابات في اقتحام المناطق المدنية وقصف الآمنين وقتل الأطفال وهدم البيوت على رؤوس أصحابها النائمين ، وما قام به اليهود منذ التاسع عشر من شهر مارس آذار من العام 2002م من غزو كامل للمدن والمخيمات الفلسطينية ، وعلى وجه الخصوص في مخيم جنين بالضفة الغربية عام 2002م ، وسلاسل الجرائم المتتابعة التي توالت حتى وصلت إلى حصار غزة منذ 2006م ،والمذابح التي ارتكبها اليهود الصهاينة في في غزة في الفترة بين 27ديسمبر 2008م وحتى 21 يناير 2009 م ، ولا تزال مستمرة .
وما تصنيف تلك الجرائم التي تنقلها كاميرات التليفزيون بالصوت والصورة والحركة في بث مباشر وعلى مدار الساعة ، دون أن تحرك أقل شعور بالرحمة المشتركة بين البشر ، ذلك الشعور الذي تفيض به قلوب الناس ( المتحضرين جدًا ) فتشمل به الحيوانات مثل الكلاب والقطط والفئران وحتى الثعابين والعقارب والعناكب والصراصير وغيرها من الهوام التي أصبحت من حيوانات التسلية والمسابقات التي تطالعنا بها وسائل الإعلام في كل يوم تقريبا ، وتتخذها جماعات وهيئات ومنظمات حقوق الحيوان همًا دائمًا تبذل في سبيله الأموال الطائلة ، ويقضي الهواة والمحترفون الساعات والأيام في جهود متواصلة من أجل راحتها وحمايتها ؟ !

وماذا تسمي دولة الهيمنة والقوة ، حارسة العدل ، والمسؤولة عن النظام والحرية والديموقراطية ما يحدث للمسلمين في الهند ، وما جري بين البروتستانت والكاثوليك في أيرلندا الشمالية ؟ وما اللغة التي نصف بها كل هذه الأحداث والتداعيات الصادرة عن جذور ثقافية ضاربة بأطنابها في ثقافات الأمم ، وتاريخ الشعوب ، ومن المستحيل أن تحيط بها دولة ، أو تستحوذ عليها قوة ؟ وما تفسير ما اقترفت يد المجرمين بكل مسمياتهم في العراق ؟
لقد اختاروا اللغة التي نسأل عنها ، وهي أن ما يقوم به اليهود وغيرهم من الذي يتعدون حدود الحق والعدل وكل ظالم طاغية ضالع مع هذه القوة الغاشمة هو دفاع مشروع عن النفس ، وأي نفس تلك التي تدافع عن ذاتها بالدبابات والمجنزرات والمدافع والطائرات في وجه طفل يقذف حجرًا لم يبقَ له سواه من أرضه المحتلة والمغتصبة ؟ وقد كان آخر مظاهر الدفاع عن هذه النفس حتى هذا التاريخ ( 7 يوليو 2003 م ) قتل أم في الأربعين من عمرها مع طفلتها الصغيرة بينما هما عائدتين من حفل زفاف لأحد الأقارب في مدينة غزة ثم توالت الأمثلة في سياق متلاحق ينسي الجديد منه القديم ولكنه يتراكم ويشكل ثقافة أسسها الإعلام المتحيز لتصب في تمجيد الغزاة القتلة وتعيد البشرية إلى عصور الغزو التتري والمغولي والصليبي الهمجي ، ثم في تتابع عتاة الصهاينة ممن نشأوا وترعرعوا على ثقافة القتل والتدمير التوراتية المزيفة والتلمودية المتأصلة في دمائهم جيلاً بعد جيل ، وما يحدث في الضفة والقطاع المحتلين من المجازر منذ وضع الحلف الصهيو أميريكي موضع التنفيذ أكبر أدلة على الأخطار التدميرية لثقافة الكذب التي قامت عليه دولة الصهاينة المهزومة المأزومة.
الجواب الحل(الوسطية)
قول الله تعالى : " {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...الآية }البقرة143 "
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : " يقول الله تعالى إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل ، والوسط ههنا الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبًا ودارًا أي : خيرها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه أي أشرفهم ، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها . ولما جعل الله هذه الأمة وسطًا خصَّها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب .
ويقول ابن منظور في ( اللسان ) : وَسَط الشيء بالتحريك اسم لما بين طرفي الشيْ ، ووَسَط وأوسط بمعنى واحد ، وأوسط الشيْ أفضله وخياره ، كوسط المرعى خير من طرفيه ، ورجل وَسَطٌ ووسيط حسن ، وواسطة القلادة : الدرة التي في وسطها ، وهي أنفس خرزها وهي أجودها ، ووسَطَ الرجل في حسبه أي : حلَّ وسطه أي أكرمه ([vi]).
والوسطية في أمة الإسلام خاصية عقدية فكرية ثقافية ، مظهرها التوازن والاعتدال الذي عليه مدار حفظ الدين وتحقيق مصالح الدنيا ، وبهما تحقق للأمة الظهور المادي والمعنوي عبر مراحل تاريخها ، ويمكن استقراء مظاهر هذه الخاصية في الظواهر الإنسانية الاجتماعية والكونية ، في الجانب الإنساني الفردي والعام ، وفي الظواهر الكونية العادية والجائحة .
فعلى مستوى السلوك الفردي اتفق العقلاء على أن الفضيلة في كل أمر هي حالة وسط بين رذيلتين ، فالشجاعة وسط بين الجبن والتهور ، والكرم وسط بين البخل والتبذير ، وقس على ذلك حالات كثيرة تظهر فضيلة الوسطية والتوسط . والحياة الاقتصادية المثالية في دولة من الدول هي التي يبلغ فيها الاقتصاد حالة يطلق عليها الوضع الأمثل حيث تتوازن الموارد والنفقات توازنًا يحقق التوظيف الأمثل للموارد فيعم الرخاء وتقل البطالة ويكثر الإنتاج وتتحقق وظيفة الاستخلاف .
وفي مظاهر الطبيعة تصديق لهذا القول فلا يكون المطر خيرًا حتى يكون وسطًا بين الجفاف والسيول الجارفة ، والهواء يكون نسيمًا عندما يكون وسطًا بين العواصف والركود أو الرهو والسكون القاتل.
ولهذا القول تطبيق صادق لا ينكره متأمل في التاريخ الإنساني العام ، فعندما تسود الحكمة والتعقل والاتزان في أمة من الأمم أو جماعة من الجماعات يسود فيها الاستقرار وتزدهر الحياة ، وتنشأ الحضارات ، وعندما تتحكم فيها عوامل الجموح ، وتركب موجة التطرف تتعطل الحياة وتسود الأثرة وتتغلب الأنانية فتتعطل الحياة ويرتبك عمل المؤسسات وتعم الفوضى التي تكون سببًا في الخراب والدمار .
الحاجة إلى الفكر الوسطي بالمفهوم اللغوي العربي والمفهوم الديني الإسلامي
مؤشرات على الحاجة إلى نظرية جديدة
إن البشر في الوقت الحاضر في حاجة إلى الفكر والمنهج الوسطي الذي يخلصه من المأزق الثقافي ، ذلك المأزق الذي نتج عن عجز المسيحية الكهنوتية الكاثوليكية المتآلفة مع الفلسفات عن تقديم الحلول العلمية المقنعة ، بعد أن رفضتها الدولة العلمانية وكفت يدها عن العمل ، وعجزت المسيحية البروتستانتية عن هذا الحل أيضًا لالتفاف أخطبوط اليهودية الصهيونية الماسونية حولها ومنعها من تطبيق الكثير من مفاهيم الحرية الفكرية التي اكتسبتها من مجاورتها للإسلام في الأندلس وصقلية ومناطق التماس قبيل عصر النهضة ، وبالطبع فإن القصور الذاتي في اليهودية الحاقدة وأدواتها : التعاليم التلمودية والماسونية والصهيونية الجديدة يستحيل معه توقع أي بصيص أمل من الخير من تلك الفئة التي عطلت أبسط معاني الأديان السماوية ، واقتنعت بالدور التدميري للحياة ، وقد أفلست الشيوعية في أقوى حصونها وهدمت قلاعها بأيديها في أكبر عملية تغيير شهدها التاريخ المعاصر ، أما الصين فهي نموذج فريد في بناء الحياة ، وإصلاح المجتمعات ذات الكثافة السكانية مستلهمة القيم والمعايير والتقاليد الصينية العريقة وتكييفها لروح العصر الذي يقوم على التقنية العالية والعمل الدقيق بعيدًا عن مغالطات الفكر الشيوعي الدوغماتي وإشكالياته النظرية ، وجدلياته التاريخية العقيمة.
وبالطبع فإن إغراق المشروع الاقتصادي الأمريكي البراغماتي جعله يواجه صعوبات غير متوقعة ، ويصطدم لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بالمشكلات التي تعاني منها الدول النامية أو حتى الفقيرة .([vii]) ، والذي بلغت ذروتها في فترتي رئاسة الرئيس الأميريكي الحالي الذي ركب موجة الكذب والتزوير مع قطاع كبير من إدارته ، وفيما تعانيه هذه البلاد العظيمة ذات الأمجاد العلمية والتنظيمية من حالة اللامعيارية التي أشار إليها الكثير من علماء الاجتماع البارزين وعلى رأسهم روبرت كنج ميرتون (1910 2003م ) ومدرسته متأسيًا بعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم ( 18581917م ) ، وأعجب ما في هذا المشروع الأميركي في الوقت الحاضر هو تفتح شهيته للغزو والعدوان والطغيان والظلم الذي ينقض الأسس التي قام عليها الاتحاد الأميركي ، ويدمر أسس التوازن الدولي الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأميركية قوة ذات وزن وهيبة وقيمة تتطلع إليها الشعوب المستضعفة ، وبدلاً من طرد المنهج العلمي الذي قامت عليه حضارة الولايات المتحدة في مراحلها الوسطى اختصرت الطريق بأسلوب التوائي أوقعها في براثن الأخطبوط الصهيوني الذي يضرب بأذرع الفساد والإفساد في كل مكان باحثًا له عن أنصار تحقيقًا للوعد القرآني (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) لأنه يعاني من القصور الذاتي المضروب عليه أبديًا (وضربت عليهم الذلة والمسكنة)،وتجسد هذا التوجه الأميريكي في التخبط المعلوماتي المقصود الموجه من القابعين خلف الواجهة الإدارية لإدارة بوش من الصهاينة والمحافظين الجدد الذي يستغلون توق الشعب الميريكي للخروج من حالة اللامعيارية التي تسحقهم وقد تدمر كل منجزات وطنهم .
في مواجهة هذا المأزق الثقافي تظهر الحاجة إلى الأنموذج الثقافي الإسلامي الوسطي الذي يُظهر ويُجلي خصائص الإسلام كعقيدة صحيحة صادقة ، وشريعة تستوعب التناقضات الثقافية الأخرى ، وتتعايش مع كل أمم الأرض بتسامح وواقعية ، ولا تلغي الآخر ، بل تدعوه دائمًا إلى الخير فكرًا وقولاً وعملاً، وتنشر الأمل في الحاضر والمستقبل ، وتبشر دائمًا بيوم جديد تشرق فيه الشمس على العالم وقد ساده السلام ، وتمتع سكانه بالحرية التي تختار انطلاقها من العبودية لله الواحد الأحد ، بعيدًا عن العبودية للإنسان أو الآلة أو المادة أو الصنم أو قوة الطبيعة التي هي في الأصل من إبداع خالقها وموجدها .
وحتى لا يكون حديثنا نوعًا من التحليق في عالم الخيال ، ومظهرًا لسلوك مرضي تعويضي ، وليكون له بعض خصائص قوة الواقع ، نتساءل من هم أهل ثقافة خبر الصدق ، وأين هم ؟ وما خصائصهم ؟
الجواب عن هذه التساؤلات يأتي سريعًا إنهم أمة لغة الضاد ، إنهم الأمة العربية التي شرفها الله بالقرآن وبخاتم الأنبياء ، ولا يسع أي فرد من هذه الأمة التخلي عن هذه الفضيلة ، ولا يمكن لأي فريق في هذه الأمة التنصل من عبء هذه المسؤولية ، وبعيدًا عن كل التحليلات والتوصيفات والتعريفات التي فرضها واقع الصراع مع الأعداء أهل لغة الضاد هم أهل دعوة الخبر الصادق ، وأهل ثقافة الخبرالصادق ، وأمامهم الفرصة حاليًا لينهضوا بدور تبليغ هذه الثقافة في عالم يتجه إلى الفوضى المعرفية ، وتتاح في متناول أيديهم وسائل تعليم وتوثيق ونقل وتبليغ الخبر ، وعليهم واجب تنقية الثقافة العربية من الشوائب التي علقت بها من خلال عمليات التشويه والتحريف .
لا يَفْصِل الإسلام منبع ثقافة الخبر الصادق عن العروبة إلا شقيٌّ مضلَّلٌ أو مضلِلٌ ، إذ منذ نزول القرآن بلغة قريش على خيار العرب النبي الخاتم محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العدناني والجيل الذي شهد تنزلات خبر الوحي وتكون ثقافة الخبر الصادق فقد حُُسم الأمر بالنسبة لهذه الأمة وريادتها لثقافة الخبر الصادق ، والحكم لثقافة الأغلبية التي تستوطن حاليًا المساحة الممتدة من المحيط الأطلسي حتى التخوم الغربية لبلاد فارس ، مع حفظ حقوق الأقليات ، ودون المساس بما قرره الإسلام من أحكام أهل الذمة والمعاهدين ، ولا يُنظر إلا تكالب الأمم على هذه الأمة المحمدية ، ولا بالأصوات التي تنطلق هنا وهناك تحط من قدرها ، وتهدد وجودها ، فبقاؤها مرهون ببقاء ثقافة الخبر الصادق ، ولا يسعها التخلي عن سرِّ وجودها وسبب قوتها .
وإن من تشرف في الماضي ويتشرف حاليًا بنطق لغة الضاد أشرف اللغات التي اختارها الله لتبليغ كتابه وحفظ دينه لا يسعه أبدًا التخلي عن المسؤولية العملية والأخلاقية نحو ثقافة الخبر الصادق إلا أن يكون حسب ما قرره شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله ، من جواز مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم في مجال العلوم والدعوة ، وما قرره المصطفى على زمانه من الاستعانة في إدارة شؤون الدولة والدعوة بالناطقين بلغات غير العربية فهذا مما يقوي ثقافة الخبر الصادق ويحفظ لها كيانها وتفوقها .
إن اللغة وعاء الفكر ، وهي أداة التعبير الشكلي ، وإن أشرف ما تعبر عنه اللغة العربية هي ثقافة الخبر الصادق ، ومما يهينها ويحط من قدرها أن تستخدم في غير الوعاء الذي اختاره الله لها ، أو أن تكون لغة أي مادة شركية أو تعبيرية هابطة .
إن الحركات الجديدة من ( المروق الثقافي ) في التمرد على لغة ثقافة الخبر الصادق عند بعض الأقليات كالبربرية الأمازيغية والكردية والتركية والفارسية أو التعبير العامي الذي يصدف به صاحبه عن لغة ثقافة الخبر الصادق تعتبر حالات شاذة لا يقاس عليها، وهي إحدى نتائج ضعف تبني أهل لغة القرآن لها ولكتابها ، وتزامنت تلك الحركات مع عبث المستعمريين وتخريبهم للبلاد العربية والإسلامية .
وبعد سقوط وتهافت الدعوات والأيديولوجيات الغريبة التي غزت فكر الأمة في القرن الماضي لا يسع كل ناطق بالضاد إلا أن ينتصر للغة ثقافة الخبر الصادق ، فهي التعبير الحق عن العروبة التي هي أوضح تجليات ثقافة الخبر الصادق في التصاقها بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف .
هذا والله اعلى وأعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
إن هذه الخاتمة مقدمة طبيعية لنستعرض في المباحث التالية مجالات جديدة من ثقافة الخبر وتجلياتها وتطبيقاتها في الواقع الإنساني الراهن في عالم اليوم .
انتهى المبحث الثالث،ويليه المبحث الرابع إن شاء الله تعالى.
دكتور أحمد محمد المزعنن
------------------------------------------------------------------------
الحواشي
------------------------------------------------------------------------
1 مع الأخذ بعين الاعتبار العقائد المغلوطة التي شوهت خبر التوحيد عند اليهود والنصارى وغيرت وبدلت في العقائد الصحيحة التي جاء بها النبياء،كما وضحه القرآن الكريم في أكثر من موضع.
ابن منظور ، لسان العرب ، جزء 15 ، صفحة 395
2 . مصطفى ديب بغا ، أثر الأدلة المختلف فيها ، الطبعة الثالثة ، دمشق : دار القلم ، 1420ه ، 1999م ، ص ص 532 540.
3 ابن منظور : لسان العرب ، جزء 6 ، صفحة 429 .
4 ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، جزء 1 ، بيروت : دار إحياء التراث العربي ، 8831 ه 1969 م ، صفحة 190
5 كانت أول محرقة (هولوكوست) مسجلة في التاريخ الإنساني وجاءت موثقة في القرآن الكريم هي ما ورد خبرها في سورة البروج حيث أحرق فيها الملك اليهودي المعروف بزرعة يوسف ذو نواس نصارى نجران المسلمين الموحدين على صورة الإسلام في زمنهم ( التوحيد الخالص ) كما جاء به عيسى وسائر الأنبياء عليهم السلام قبل وقوع التحريف في كتب النصارى ،وكان هذا الملك مدفوعًا بخصائصه الثقافية اليهودية عندما كانت اليهودية دين أهل اليمن منذ تبع الأكبر ،وليس بأصله العربي ، وقد حفر لهم ذو نواس الأخدود وخيَّرهم بين التحول إلى اليهودية أو اقتحام النار ، وقذف من رفض منهم التحول عن دينه إلى اليهودية في النار، فقتل منهم أكثر من عشرين ألفًا ، ولم ينج منهم إلى رجل اسمه دوس ذو ثعلبان ذهب يستنصر لقومه كسرى ملك الفرس ،فلما لم يجد لديه جوابًا شافيًا تحول إلى قيصر ملك الروم الذي أرسل إلى النجاشي ملك الحبشة النصراني كتابًا يأمره بنصرة نصارى نجران ، وبهذا بدأ الغزو الحبشي الأجنبي لليمن ، وكان ذلك بين سنة 424م ،425م (انظر كتب التفسير وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم لابن هشام ، والروض الأُنُف للسهيلي الخثعمي وغيرها من المراجع التي وثَّقت لهذه المحرقة) ، ووجه الاستدلال هنا هو أن هذا النوع من السلوك الإجرامي متأصل في أعداء الله من اليهود وليس كل اليهود لأن الكثيرين منهم عاشوا ولا زالوا يعيشون حياة سلمية في مختلف بلاد الله الواسعة ، ويرفضون ما يقترفه الصهاينة باسم الدين ، ويعرف الكثير من الفرق اليهودية التي فيها بقايا التوراة حقيقة هؤلاء ويدينونه ، ولا يخفون معارضتهم له بكل الطرق ، وأن ما يقوم به هؤلاء إنما يتم بما توحي بهم شياطينهم وأحقادهم على غيرهم من الملل.

6 يظهر ذلك جليًا في أزمة الرهن العقاري التي هزت مكانة الدولار الأميريكي وفي تصاعد قيمة العملات الكبرى في مقابل العملة الأميريكية ، وما حملته صحف اليوم الأحد 16مارس 2008م من احتمال انهيار خامس أكبر بنك أميريكي(بنك بير ستيرنز )، ومن المعروف في مبادىء الاقتصاد الرأسمالي الكلاسيكي أن أي انهيار في قطاع ما تتلوه سلسلة متتالية من الانهيارات في قطاعات الاقتصاد المختلفة ، مما يُصطلح عليه بدور الأزمة الاقتصادية ،ومن أكبر مؤشراته الكساد وانخفاض سعر العملة الوطنية والتضخم ، والبطالة التي تنتج من انهيار المؤسسات الإنتاجية ، وضعف القدرة الشرائية لدى المستهلكين ، وربما كان تزامن هذه الأزمات المتلاحقة على أكبر اقتصاد عالمي حاليًا هو أحد مؤشرات الانتقام الإلهي الوشيك من رأس الظلم المتمثل في الحلف الصهيو أميريكي ، وما تقترفه قوى البغي من الغزاة القتلة من مظاهر الاستبداد منذ غزو أفغانستان والعراق والهجمة الصهيونية الجديدة ، وكل ذلك بتأثير السلوكيات الانحرافية في للدول النانتج عن سيطرة ثقافة الكذب .(مساء الإثنين 17 / 3 / 2008م موقع BBC العربي على شبكة الإنترنت ) :أعلن جيه بي مورجان تشيس آند كو أنه بصدد شراء بنك بير ستيرنز بثمن بخس لا يتجاوز دولارين للسهم مقدرا قيمة بنك الاستثمار الامريكي بنحو 236 مليون دولار. وكان جيه بي مورجان وبنك الاحتياط الفيدرالي لنيويورك، وهو أحد البنوك المركزية الأمريكية، تدخلا لانقاذ بير ستيرنز يوم الجمعة بعد تدهور مستويات السيولة لديه في واحدة من أسوأ المشكلات ضمن أزمة الائتمان الدائرة منذ منتصف العام 2007.
وقد تتابعت أحداث الانهيارات الاقتصادية في المؤسسات المالية الأمريكية والمصارف والشركات ودخلت البلاد في حالة من الركود الاقتصادي التي اطلقوا عليها الأزمة المالية الدولية ،وجرت معها الكثير من الآثار السلبية على الحالة الاقتصادية للكثير من الدول،وتصاعدت معدلات البطالة في الكثير من دول في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.