لم تتضح الرؤية بعد حول الوضع داخل حزب نداء تونس. فقد تراوحت المواقف بين قائل إنه من الصعب أن يتجاوز أزمته وبين من يرى أنه بالإمكان استعادة "النداء التاريخي" الذي أسسه الباجي قائد السبسي. تونس (الشروق) رغم تأكيدات البعض أن حزب نداء تونس «انتهى» بفعل موجة الاستقالات المتواصلة فيه وتراجع عدد كتلته البرلمانية وبحكم عجز القيادة الحالية عن تهدئة الأوضاع داخله، إلا أن عديد الندائيين أكدوا من جهة أخرى أنهم بصدد العمل على تجاوز الأزمة التي يمر بها الحزب والتي وصفوها ب»العادية « وب»العابرة» وبأنها تحدث في كل الأحزاب. وذهب هؤلاء أبعد من ذلك الى القول إن النداء مازال قادرا على استعادة صورته التاريخية التي ظهر بها أول مرة سنة 2012 والتي مكنته من الفوز بانتخابات 2014. النداء التاريخي وفق ما علمته «الشروق»، تجري منذ أسابيع مشاورات في هذا الاتجاه بين عدد من السياسيين من الندائيين الحاليين أو الذين غادروه تحت شعار توحيد «العائلة الندائية التاريخية» أو ما أصبح يعرف ب «الكتلة التاريخية» لاستعادة الصورة الأصلية لنداء 2012 و2013 والتي مكنته سنة 2014 من الفوز بالتشريعية وبالرئاسية. وكل ذلك استعدادا لتشريعية ورئاسية 2019. وكان أمين عام حركة مشروع تونس وأحد مؤسسي النداء محسن مرزوق، قد دعا مؤخرا في اجتماع حزبه الى التفكير في بناء» قطب حقيقي» وفق فكرة النداء التاريخي حينما تأسّس بمختلف مكوناته التاريخية. نجاح ؟ هذه الدعوة الى استعادة «النداء التاريخي» تدفع إلى التساؤل عن مدى القدرة على تحقيقها خاصة في ظل اختلاف المناخ السياسي الحالي عما كان سائدا في 2012. فالنداء التاريخي بُني في 2012 وفق مبدإ تجميع روافد سياسية عديدة اتفقت كلها على «مشروع» سياسي عصري تقدمي يحقق التوازن مع التيار الاسلامي ممثلا في حركة النهضة والذي كان آنذاك في أوج قوته ومتربعا على عرش السلطة. لكن هل أن ذلك مازال ممكنا الى اليوم خصوصا أن النهضة التي كانت المنافسة معها أحد أبرز أسباب نجاح النداء التاريخي في 2014 أصبحت في ما بعد -على امتداد 4 سنوات- شريكا بارزا له في الحكم؟ كما أن نهضة 2018 تبدو أكثر تنظيما وحنكة بالممارسة السياسية من نهضة 2014 خاصة في ظل تحركاتها ومناوراتها السياسية المختلفة في الفترة الأخيرة. وبالتالي قد لا تكون بمناسبة انتخابات 2019 في متناول النداء التاريخي الجديد في صورة إعادة بنائه. ضد النهضة تصريح الباجي قائد السبسي الأخير حول نهاية التوافق مع النهضة (التي نفت ذلك) اعتبره ملاحظون بداية استعداد لاستعادة «النداء التاريخي» الذي عمل منذ تأسيسه وإلى حدود انتخابات 2014 على الدخول في منافسة «إيديولوجية» مع حركة النهضة. وهو ما كان إحدى أبرز أوراق تحقيق الفوز في تلك الانتخابات..واعتبر أصحاب هذا الرأي أن قائد السبسي قد يكون فكر بذلك في استعادة الندائيين «الغاضبين» الذين غادروه بسبب رفضهم توافق الأعوام الماضية مع النهضة وكذلك الخزان الانتخابي الغاضب للسبب نفسه وكل ذلك من أجل الشروع في إعادة بناء «النداء التاريخي».. ومن جهة يذهب محللون الى القول إن إمكانية استعادة النداء التاريخي قد تصطدم «انتخابيا» بالمشروع السياسي الجديد الذي يتردد أن يوسف الشاهد سيبعثه والذي قد يكون مدعوما حزبيا وبرلمانيا من كتلة الائتلاف الوطني الجديدة وسياسيا من حركة النهضة. وقد يكون على صعيد آخر قطب تجميع لحركة تقدمية حداثية جديدة. لكن كل ذلك سيبقى رهين تطورات المرحلة القادمة التي قد تأتي بالجديد في هذا المجال على غرار نجاح «النداء التاريخي» في استعادة ابن الحزب يوسف الشاهد. وهو ما أشار إليه مؤخرا محسن مرزوق بالقول إن باب الحوار لم يُغلق نهائيا بين النداء ويوسف الشاهد وإن من بين الحلول المطروحة لمشكل النداء إعادة بنائه بمختلف مكوناته التاريخية بما في ذلك «ابن الحزب» يوسف الشاهد الذي مازال ينتمي الى النداء إلى اليوم على حد قوله. دور الباجي مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي أبدى في حواره التلفزي الأخير اعترافا بطريقة غير مباشرة بأن الحزب يمر فعلا بأزمة. لكنه لم يكن صريحا بما فيه الكفاية حول الإمكانيات المتاحة لإنقاذه ولم يُبد تحمسا لأن يلعب هو شخصيا دورا في ذلك. واكتفى بتحميل الندائيّين مسؤولية الإنقاذ بما في ذلك النظر في مسألة بقاء نجله حافظ قائد السبسي على رأس الحزب، في انتظار المؤتمر المنتظر عقده في جانفي القادم غير أن أطرافا أخرى من المتحمسين لإعادة بناء النداء التاريخي مازالت تعتبر أن الحسم في أزمة النداء لا يجب أن يفلت من قبضة مؤسسه الباجي قائد السبسي قصد إعادة بناء «النداء التاريخي» الذي تأسس في 2012. وهو ما لمح إليه مؤخرا محسن مرزوق عندما دعا الندائيين الى الاتفاق أولا على أن الباجي قائد السبسي هو مؤسس النداء. ويجب أن يتدخل لجمع كل أطراف النداء حول طاولة الحوار بعيدا عن منطق الإلغاء والغلبة من أجل استعادة «النداء التاريخي».