بين حادثة إيقاف برهان بسيس وندوة الجبهة الشعبية حول اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي، أبدى عديد الملاحظين تخوفا مما وصفوه بإمكانية سقوط الدولة في متاهات لامتناهية من تصفية الحسابات السياسية بين الأطراف المتنازعة. تونس – الشروق: فاضل الطياشي في يوم واحد(أول أمس) اعتبر عديد المتابعين أن الساحة السياسية شهدت حادثتين بارزتين أكّدتا هذا المنحى الذي اصبحت البلاد مهددة بالسير تجاهه وهو منحى تبادل الاتهامات وتبادل تصفية الحسابات بين الأطراف الفاعلة. الحادثة الاولى هي الندوة الصحفية التي عقدتها الجبهة الشعبية حول اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. فرغم أن الندوة كانت في إطار العمل العادي والقانوني للجنة الدفاع عن الشهيدين وفي إطار تحركات تجري منذ سنوات للكشف عن حقيقة الاغتيالين إلا أن رئاسة الجمهورية وحزب نداء تونس واجها تهمة الوقوف وراءها بالقول ان القصد منها هو احراج النهضة و»عقابا» لها على اصطفافها وراء يوسف الشاهد. أما الحادثة فكانت عملية إيقاف القيادي في نداء تونس برهان بسيس وهي تدخل في إطار العمل العادي للسلطة القضائية ( قضية قائمة منذ سنوات وصدر فيها حكم استئنافي بالسجن موجب للتنفيذ الفوري حسب القانون)،إلا أن رئاسة الحكومة واجهت بدورها تهمة الوقوف وراءها بوصف بسيس «العقل المدبر» داخل النداء والعضد الايمن لمديره التنفيذي . شبهات حول رئاسة الحكومة قبل ذلك، شهدت الساحة السياسية تطورات مشابهة وفي كل مرة تُوجه أصابع الاتهام لأحد طرفي النزاع المذكورين بالوقوف وراءها. فرئيس الحكومة يوسف الشاهد واجه شبهة الوقوف وراء الإيقافات في إطار الحرب على الفساد ، خاصة بالنسبة لقضية شفيق جراية ومن معه بالقول انها في اطار تصفية حسابات مع نداء تونس. وهي الشبهة نفسها التي طالته بسبب استقالات نواب من كتلة نداء تونس والانضمام لكتلة الائتلاف الوطني من أجل اضعاف نداء تونس وذلك بالقول أن الشاهد يقف وراءها عبر ممارسة ضغوطات مختلفة على النواب المعنيين (التهديد بكشف تورطهم في ملفات فساد او غيرها..). كما ان إقالات بعض الوزراء شملتها ايضا الشبهات نفسها على غرار إقالة وزير الداخلية لطفي براهم وإقالة وزير الطاقة خالد قدور وكاتب الدولة هاشم الحميدي بالقول انهم قريبون من نداء تونس.. شبهات حول رئاسة الجمهورية من جهة أخرى، واجهت رئاسة الجمهورية ومن ورائها حزب نداء تونس شبهات مماثلة بالقول انها تندرج في إطار الحرب المتبادلة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد. من ذلك مثلا القول ان اعلان رئيس الجمهورية انقطاع التوافق مع النهضة كان للضغط عليها قصد سحب دعمها للشاهد وللاستقرار الحكومي. ومن ذلك أيضا إعلان حزب نداء تونس تجميد عضوية يوسف الشاهد من أجل اجباره على دخول «بيت الطاعة» وأيضا تصريحات سيد الفرجاني الاخيرة التي انتقد فيها بشدة الشاهد وتردد ان خصوم الشاهد في النزاع يقفون وراءها. كما تواجه رئاسة الجمهورية ايضا شبهة الوقوف وراء الرسالة الاخيرة التي وجهها القيادي في النهضة لطفي زيتون لرئيس النهضة راشد الغنوشي لينتقد بشدة قطعه ( الغنوشي) حبل التوافق مع رئيس الجمهورية واصطفافه وراء الشاهد ولينتقد ايضا تحركات رئيس الحكومة موجها له تهما عديدة. فيما ذهب آخرون الى القول ايضا ان اعلان اتحاد الشغل تنفيذ اضراب عام في الفترة القادمة تقف وراءه رئاسة الجمهورية ونداء تونس في اطار مزيد الضغط على يوسف الشاهد.. وفي هذا السياق أيضا أصبحت تُدرجُ تصريحات السياسيين او المسؤولين من الشقين المتنازعين وأيضا لقاءاتهم مع هذا الطرف او ذاك وكذلك «انتداباتهم» الاخيرة صلب رئاسة الجمهورية او رئاسة الحكومة فضلا عما تشهده صفحات التواصل الاجتماعي من تبادل الاتهامات اوكشف حقائق شخصية وعائلية .. كل ذلك اعتبره المتابعون يدخل في إطار تصفية حسابات سياسية بين مختلف اطراف النزاع الدائر على الساحة السياسية وهو ما قد يُشوّه في رأيهم مسار الانتقال الديمقراطي الذي تخوضه البلاد ويؤثر على مناخ التوافق والهدوء السياسي الذي ساد البلاد منذ 2014 ويعطي صورة سيئة عن البلاد في الخارج. ويذهب أصحاب هذا الراي حدّ القول أن مثل هذه الاجواء أصبحت تهدد بحصول تطورات أخرى أشد خطورة على الساحة السياسية قد تتسبب في انهيار الدولة بما انها ستؤثرعلى الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. وهو ما يؤكد ضرورة التزام السياسيين ومختلف الفاعلين بتجنب السقوط في متاهات لامتناهية من تصفية الحسابات على حساب الاهتمام بالمشاغل الحقيقية للبلاد..