إثر إجراء الانتخابات البلدية وتنظّم المجالس البلدية يبقى السؤال المركزي والأهم حول دور الدولة في إرساء مبدإ اللامركزية وتعزيز السلطة المحلية والذي تتفرع عنه أسئلة أخرى بشأن برامج وزارة الشؤون المحلية لمرافقة المسار الجديد والرفع من الأداء البلدي. وهي محاور يتفاعل معها وزير الشؤون المحلية و البيئة رياض المؤخر في الحوار التالي. ويؤكد وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر أنه -بعد المصادقة على دستور 2014 الذي وضع بابا خاصا بالسلطة المحلية- يرسخ الحوكمة المحلية وديمقراطية القرب. ويعطي الاستقلالية الكاملة وسلطة القرار للجماعات المحلية المنتخبة في اطار وحدة الدولة بدأت وزارة الشؤون المحلية والبيئة في التحول بداية من سنة 2015 من وزارة إشراف الى وزارة استشراف لتدعيم مسار اللامركزية والحوكمة المحلية وفق تخطيط محكم. القانون مهم ولكن لا يصنع الواقع ويشدد الوزير على أنّ عملية المصادقة على مجلة الجماعات المحلية فتحت الباب الى عدة نصوص ترتيبية هي الآن قيد التقدم لتكتمل المنظومة القانونية لإرساء اللامركزية والحوكمة المحلية ملاحظا أن المنظومة القانونية وحدها لا تكفي من منطلق وجود بون شاسع بين أحكام القانون والواقع. حيث يكمن دور الدولة اليوم في تقليص هذا البون والسبيل في ذلك التخطيط المحكم ووضع استراتيجيات تحسين أداء الجماعات المحلية والذي من شأنه إضفاء النجاعة على أداء الجماعات المحلية وجعل البلديات والجهات قاطرات تنمية. من الإشراف الى الاستشراف ولمّا كان دعم مسار اللامركزية واجبا محمولا على الدولة كان من الضروري أن تتحول وزارة الشؤون المحلية والبيئة من الإشراف الى الاستشراف مثلما يؤكد الوزير وذلك من خلال خطة كاملة لتطوير قدرات البلديات وتحسين نسبة التأطير فيها توازيا مع التكوين المستمر للمجالس المنتخبة و للإدارة و حسن التصرف في الموارد ملاحظا في هذا السياق أن المشكل الأهم الذي يواجه الجماعات المحلية المنتخبة لا يتعلق أساسا بالتمويل الذي تتوفر الطاقات في توفيره من خلال الدعم الدولي وتحويلات الدولة وفق مبدإ التعديل والمساواة بين المواطنين لكن في التصرف الجيد في الموارد وضبط الاستراتيجيات التي تحوّل مهمة الوزارة من الإشراف الى الاستشراف خاصة بعد إقرار مبدإ التدبير الحر للجماعات المحلية في إطار وحدة الدولة. ويكمن دور الدولة اليوم في مسار إرساء اللامركزية و الحوكمة المحلية وفق وزير الشؤون المحلية والبيئة في مرافقة البلديات في عملها وفي التكوين الموجه الى أعمال البلدية وفي ضبط الاستراتيجيات والبحث عن التمويلات وتوفير التجهيزات والمعدات وتوفير النظم الجديدة من ذلك أنه سيقع تعميم 31 برنامجا معلوماتيا للشبكة عالية الجودة قريبا. اللامركزية مسار متدرج وشدد الوزير على أن اللامركزية مسار طويل ومعقد يمتد الى 27 سنة. وينطلق من مبدإ التدرج الموضوع في نص مجلة الجماعات المحلية. حيث سيقع نقل الصلاحيات من المركز الى المحلي بنحو تدريجي قائم على ضرورة تحسين الصلاحيات الحالية للبلدية قبل تحميلها مسؤولية أخرى وذلك لإضفاء النجاعة على مهامها دون القفز الى المجهول. ولتدعيم هذا التوجه بادرت الوزارة في إرساء قانون توجيهي لمدة 5 سنوات وتنفيذ برنامج التنمية الحضرية والحوكمة المحلية بالتعاون مع البنك الدولي قبل المصادقة على المجلة في أكتوبر 2015 بتكلفة إجمالية قدرها 1220 مليون دينار منها 530 مليون دينار وفرتها الدولة . ربط التمويل بالنتائج لتعزيز الأداء وتبلغ الكلفة الجملية للبرنامج 1.220 مليون دينار منها 530 مليون دينار وفرتها الدولة في شكل مساعدات وذلك لدعم السلطة المحلية وتعزيز اللامركزية من خلال جعل البلدية المحرك الأساسي للتنمية، بالإضافة إلى اعتماد مقاربة تشاركية وفقا لمبادئ الشفافية والحوكمة الرشيدة والانتقال من نظام يهدف إلى تحقيق نتائج كمية إلى نظام يهدف إلى الرفع من الأداء بما من شأنه تحسين الخدمات للمواطن وأيضا التقليص من التفاوت بين الجهات والبلديات و صلب البلدية الواحدة عبر توفير البنية الأساسية الضرورية بالأحياء الشعبية علاوة على دعم قدرات التصرف لدى البلديات لإعدادها على المستوى الإداري والمالي والفني لمجابهة مشمولاتها الجديدة في إطار اللامركزية والسعي إلى توفير البنية الأساسية الضرورية وربط المساعدات المالية للبلديات بمدى تحقيقها للنتائج المرجوة. وفي توجه ربط المساعدات حسب النتائج وضعت الوزارة مقاييس لتقييم الأداء مجموعها 100 نقطة مشترطة حصول البلديات على 70 منها على الأقل في ما يهم الحوكمة الرشيدة واحترام القانون والتشاركية ليرتفع عدد البلديات الناجحة من 57 سنة 2016 مرورا ب200 بلدية سنة 2017 وصولا الى 236 سنة 2018. وقد أوضح الوزير أن هذا التوجه يدفع نحو تنافس البلديات في تحسين مستوى خدماتها و مزيد الانخراط في التشاركية مضيفا أن عملية التقييم أشرفت عليها هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية بوصفها جهازا مستقلا. تدارس المقاربة الجديدة ويخلص الوزير الى أن تركيز مساراللامركزية والحوكمة المحلية مسار متأن قوامه وضع الاستراتيجيات والانصراف عن الحلول الظرفية والمؤقتة والسياسات المستعجلة مشيرا الى أن اليوم الوطني للجماعات المحلية الذي ينتظم اليوم يعد فرصة للتشاور حول الإصلاحات في مجال التسيير البلدي والحوكمة المحلية وتحسيس العموم بالمقاربات الجديدة ولتقييم أداء البلديات ومنح جوائز للمتفوقين علاوة على جعله لقاء مفتوحا بين البلديات للتشبيك بين البلديات والممولين. ونوه الوزير الى وجود طاقات مهمة لتوفيركل التمويلات الضرورية لاسيما أن الممولين الدوليين مهتمون باستكمال الانتقال الديمقراطي في تونس لافتا النظر الى أن كل تجارب إرساء اللامركزية في العالم مرت بصعوبات عديدة غير أن التخطيط الاستراتيجي واتباع مبدإ التدرج يعمل ضرورة على تلافيها وتجاوزها وذلك بمعية دور الإعلام كسلطة رابعة تعاضد البلديات ودور المجتمع المدني الشريك الفعلي في وضع البرامج وضمان الشفافية والتشاركية. وختم الوزير بأن مسار اللامركزية والحوكمة المحلية هو مسار طويل يتطلب اتباع مبدإ التدرج والتشاركية و تكاتف الجهود بين مختلف الأطراف المتداخلة من دولة وإعلام ومجتمع مدني بما يمكن من تأهيل الجماعات المحلية أن تكون قاطرة التنمية الجهوية.