معارك المثقفين العرب قضية قديمة ترجع الى العمق وجذور الثقافة العربية، ومن معاركهم على مدار قرون مضت استمددنا زادنا الثقافي، وزادت خصوبة وثراءمخزوننا الذي مازلنا نعيش عليه حتى الآن، وتطورت المعارك حتى وصلت بنا هذه الأيام الى معارك وصراعات شخصية، وإن لم يكن يحاول البعض أن يضفي هذه الصبغة عليها، وتثار حاليا هذه الاشكالية على الساحة العربية التي فجرتها شجون المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، ووصلت الى ذروتها مع التصريحات «الصريحة» التي أدلى بها الروائي المغربي الكبير الطاهر بنجلون الى صحيفة «دي تسايت» الألمانية بداية الشهر الحالي، والتي قال رأيه فيها بصراحة يمكن تلخيصها في أن الأدباء العرب المشاركين في ذلك المعرض بأنهم شعراء بلاط وذيول سلطة. ودون أن نريق دماء من اتهمهم «بنجلون» أو أن نأخذ موقفا «مؤيدا» لآرائه حتى لو كانت وجيهة في منطلقاتها تحاول «الشروق» مناقشة القضية الأكبر.. وهي المعارك الشخصية على الساحة الثقافية العربية.. لماذا بدأت.. كيف ظهرت.. ومدى تأثيرها على واقعنا الثقافي غير الجميل..! ومن جانبه يستشعر الدكتور أحمد أبوزيد أستاذ علم الاجتماع المخضرم بوادر الخطر على الثقافة العربية من الصراعات المذهبية، ويرى أنها تشعل الخصومات الفردية والسياسية بين أبناء الجيل الواحد، كما يشير في نفس الوقت الى التأثيرات الناجمة عن الثقافة الأجنبية، وما قد تؤ دي اليه من تغيير في الملامح الأساسية للتوجهات والتيارات تحت دعاوى ايديولوجية ومسميات براقة تسير عكس التاريخ والتراث واللغة وما يؤدي إليه من اعاقة لحركة التقدم والتطور. أما الناقد الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة في مصر فيرى أن الصراع بين التيارات والأفكار أمر طبيعي ومستجد لما يسفر عنه من حوار طويل مبدع وخلاق وعكس ذلك سيؤدي الى عنف فكري ولفظي، وغير ذلك من الألعاب اللغوية التي يحتكرها ويجيدها المثقفون العرب، ويشير الى أن الصراع الفكري محمود في حين أن غيابه يؤكد لنا أن الحياة الثقافية جامدة، كما يؤكد أن صراع المصالح ليس له علاقة بالثقافة ولا يجب أن نطلق عليه صراع ثقافي أو صراع مثقفين، ولكنني أراه ظاهرة مرضية، كما حدث في مصر حاليا بين رجال الدين والأزهر وبين المبدعين، وكما حدث قديما في الستينيات من القرن الماضي بين لويس عوض ومحمد مندور ضد رشاد رشدي ومن ينتمي إليه. ويرى الناقد الدكتور صلاح السروري أن الصراع هو ظاهرة مجتمعية طبيعية، ولا يخلو أي مجتمع منها، والمثقفون ليسوا كتلة صماء، ولأنهم مختلفون ولا يوجد مثقف مثل زميله أو مجتمع مثل آخر يظهر الصراع، ولا يجب أن ننظر على أنه ظاهرة سلبية لأنه ليس بالضرورة أن يكون ذلك الصراع عدائي مشيرا الى أننا في القديم عرفنا المعارك الثقافية ودرسناها ولم تكن معلما «سلبيا» ولكن دليلا على وعي الأمة وحيوية المجتمع، ويستدرك بقوله «ولكننا لما فقدنا قيمة الروائي والشاعر الفذ والكبير، وغاب عن المشروع والهدف القومي لم يعد بيننا جليل بعد أن برزت الصغائر وتراجع المدّ الثقافي». ويلقي الشاعر محمد آدم بالاتهام على عامل السياسة، ويؤكد انها هي المسؤولة عن انحراف الصراع الثقافي عن اطاره المعروف والذي عهدناه لفترات طويلة، ويقول ان آلية الازاحة والرفض سلوك سياسي في حين أن الصراع الثقافي الحقيقي يقوم على الاداء المعرفي والتناقضات الاجتماعية وليس قتالا بين مجموعات تمّ تشكيلها وفق التقسيم القبلي للثقافة في حين أن الابداع ليس سوى مشروع فردي لا يعترف بالجماعة إلا إذا كان لديها أفكار فلسفية وجمالية متقدمة كما يحدث في جيل 1998 في اسبانيا ومجموعة السيرياليين الفرنسيين.