في عام 2017، أعلن محافظ البنك المركزي أن دخل السياحة من العملة الصعبة قارب ألفي مليار دينار. فلم يصل منه إلى خزائن البنك إلا ٪2. في عامنا هذا، بلغ عدد السياح ستة ملايين. وارتفع الدخل إلى مليارين و800 مليون دينار. وقضى أيضا الآلاف من مهاجرينا الصيف بيننا، بما حملوا من عملة صعبة. نما العدد والدخل. ولكن الرصيد من العملة تهاوى بعدما كان قبل نكبة الفوضى يؤمّن توريد ستة أشهر. وأصبح لا يكفي تسعة وستين يوما أو ما دونها. لا يبدو الأمر غريبا في تونس بلاد العجائب، التي تسودها قوانين بعقوبات صارمة يقل مثيلها في العالم حول تداول العملة مسكا وتوريدا وتصديرا. ولكن للأورو والدولار أسواق للبيع والشراء في وضح النهار، أمام أنظار الجميع. فالملايين على حدودنا الجنوبية والغربية، مكدّسة علنا على المناضد، وفي دكاكين الصرف، وفي نهج الجزيرة وباب البحر. وما حولهما ينادي المنادون بكل حرية «صرف صرف». تجارة العملة علنا، محمية من العتاة الذين استضعفوا الدولة. واستترفوا ثرواتها، ولولاهم لفاضت خزائنها بالمليارات، ولما تهاوى الدينار إلى حضيض العملات. أخيرا قدرت المنظمة الدولية «فانيشال النغريي» عشرين مليار دولار، مهربة من تونس بين عامي 2011 و2014. ولا أدري كم عشرات المليارات المهربة بعد ذلك وما يدور منها في التجارة الموازية التي تجاوزت نصف حجم كل تجارتنا. وهي من أوّل أسباب إفلاسنا. كل المسؤولين في الدولة عالمون بهذه الحقائق المفزعة. وهم جميعا يقاومون الفساد، إلا الفساد الكبير، لأنه أقوى وأعتى من كل مقاوم ويبقى تدفّق السياح، وعودة المهاجرين لا طائل من ورائهما، لأننا ننفق عليهم من فقرنا. ولا تجني البلاد من أموالهم الطائلة التي أنفقوها ما يذكر.