تحدث بشير الطرابلسي مدير عام إدارة الاحتياطات والأسواق بالبنك المركزي عن مبررات منطقية لتراجع قيمة الدينار مقدما الحلول الممكنة لتفادي مزيدا من الانزلاق في قيمته في الحوار التالي: الى اين وصل سعر صرف الدينار بتاريخ اليوم؟ تجاوز 2.7 بالنسبة للدولار و3.2 بالنسبة للاورو. بماذا تفسرون انتم هنا في البنك المركزي هذا الانهيار في قيمة الدينار؟ دعيني اغير صيغة السؤال: لماذا تشهد أسعار الأورو والدولار غلاء في سوق الصرف التونسية ؟ الإجابة هي لانّ كمياتهما نقصت بشكل كبير ولماذا هذا النقص؟ الإجابة هي زيادة في مصاريفنا وتراجع في قيمة عائداتنا من هذه العملات. دققي معي في هذه الأرقام عائداتنا من القطاع السياحي تراجعت عن سنة 2010 ب1.5 مليار دولار كما خسرنا 1 مليار دولار من عائدات الفسفاط و500 مليون دينار من عائدات الاستثمارات الخارجية المباشرة. هذه مقارنة بين عائدات سنتي 2010 و2017 ونحن هنا لا نتحدث عن حصيلة خسائر سبع سنوات بل خسائر في الفرق بين عائدات السنتين هناك 3 مليارات دينار مهدورة وفي المقابل أسهمت الزيادات في الأجور في 2011 في ارتفاع القدرة الشرائية وبالتالي زيادة حجم الاستهلاك أي زيادة في نفقاتنا. كما ان المحروقات تستنزف مخزوننا من العملة الصعبة فهي تمثل ثلث وارداتنا. دققي معي في هذه الأرقام بلغت مصاريفنا لتوريد النفط والغاز خلال الثمانية اشهر الأولى ل2016 حوالي 1.75 مليار دولار أي 23 بالمئة من مخزوننا من العملة الصعبة وخلال نفس الفترة من العام التالي بلغت ذات المصاريف 2.3 مليار دولار أي 37 بالمئة من المخزون وخلال نفس الفترة من العام الجاري بلغت 3 مليار دولار أي 75 بالمئة من المخزون لقد دفعنا 1 مليار دولار كخسائر ناجمة عن اعتصام الكامور. ما هو حجم مخزوننا اليوم من العملة الصعبة ؟ كان في حدود 7.4 مليار دولار في بداية 2016 ثم 6.2 مليار دولار في بداية 2017 وهو اليوم في حدود 4 مليار دولار. وبماذا ينذر هذا الهبوط؟ دعيني أقول أولا ان المعطيات بدأت تتحسن خلال 2018 وذلك من خلال عائدات السياحة وعائدات زيت الزيتون وتحويلات التونسيين بالخارج فخلال الستة اشهر الأولى بلغ حجم هذه المداخيل 600 مليون دولار لكن بالعودة الى نفس الفترة من 2017 نجد اننا دفعنا فوترة إضافية لتغطية حاجياتنا من المحروقات ب400 مليون دولار وان مصاريفنا خلال الستة اشهر الأولى ل2018 بلغت 700 مليون دولار لتغطية حاجياتنا من المحروقات ومن المواد الأساسية (الدواء والقمح والسكر والمواد الأولية) بالإضافة الى تغطية 1.2 مليار دولار من الديون العمومية. مجمل هذه المؤشرات وصل بنا الى 70 يوما فقط في مخزوننا من العملة الصعبة. انزلاق الدينار بدا يتسارع خلال السنوات الأخيرة لماذا؟ وصلنا الى هذا المستوى بسبب عدة مؤشرات وبالتالي اصبحنا نعيش ضغطا في سوق الصرف. والتضخم بصدد تغذية هذه الازمة. والعجز الخارجي هو من اوكد الأولويات التي يجب تلافيها واذا نحن لم نستطع السيطرة على العجز الخارجي أي استنزفنا مخزوننا فهذا مؤشر افلاس. كما لا بد من السيطرة على الواردات الأخرى العشوائية ويتوجب على السياسيين ان يكونوا من الناحية الاقتصادية ناضجين فلا يتم اقحام الاقتصاد في المعارك السياسية وبالتالي تحييد الاقتصاد عن هذه المعارك. نحن نتعامل مع وضعنا الحالي في المخزون بحذر وندعو ان تكون ميزانية 2019 ميزانية دفع للاستثمار العمومي بامتياز باعتباره القاطرة لعودة الاستثمار فالضغط على الميزانية العمومية يعني بالضرورة الضغط على الاستثمار العمومي وهذا امر خطير. هل يكفي هذا الاجراء لوقف نزيف هذا الانزلاق في قيمة الدينار؟ هناك مشروع قانون يتعلق بالصرف مودع لدى البرلمان منذ حوالي سنة ولم يتم النظر فيه هذا المشروع القانوني يهم تنظيم الصرف غير المنظم وفسح المجال لاصحاب تلك الأموال بايداعها لدى البنوك وبالتالي إعطاء الفرصة لغير المنظم ليتنظّم كما ان البنك المركزي اصدر مؤخرا منشورا يخص فتح مكاتب صرف. كما ننتظر دخول حقل الغاز نوارة (بتطاوين) حيز النشاط وبالتالي سيساهم في تخفيض حوالي 30 بالمئة من وارداتنا من الغاز. كما انه لابد من التركيز على الطاقات البديلة مثل الطاقة الشمسية للتصدي لنزيف استيراد المحروقات. وإقليميا هناك نقاش متقدم بين الجانبين التونسي والليبي لتوقيع اتفاقية المقاصصة وتعني المحروقات مقابل المواد الغذائية. كما لابد من النقاش مع الجزائر لوضع إجراءات تخص التعامل بالعملتين الوطنيتين بين البلدين. ولابد من عودة النشاط لقطاع الفسفاط فهو قطاع امني استراتيجي والخسائر التي نتكبدها بسبب اضطراب هذا القطاع تقدر ب1 مليار دولار وهو احتياطي ما ناخذه من الأسواق العالمية وكان يمكن الا نلتجئ للتداين الخارجي. نحن نحتاج فعلا لعودة قوية للاستثمار العمومي وكذلك لتحسين مناخ الاعمال حتى يكون مطمئنا ومحفزا وهذا لا يكون سوى بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ونحتاج أيضا الى ديبلوماسية اقتصادية قوية للدعوة للدعم المالي لتونس واقل مساعدة نحتاجها تصل الى 7 مليار دولار وذلك في شكل تمويلات للاستثمارات المتمركزة في تونس واستقطاب استثمارات جديدة ونحتاج لتحسين الإنتاج والإنتاج لا يتحسن سوى بالعمل. وبهذا الشكل ستتحقق نسبة نمو في الاقتصاد الوطني بحلول العام 2021 بحوالي 4 بالمئة ويتعافى الاقتصاد وبالتالي سيتحقق الاستقرار الهيكلي للدينار.