لن تُدير النهضة ظهرها للسبسي ولن تتخلى عن الشاهد. هذا ما قرره مجلس شوراها أول أمس، ولكن كيف يمكنها أن تكون في آن واحد مع الخصم وخصيمه؟، وما الذي يمنعها من الانحياز لأحدهما على حساب الآخر؟. تونس (الشروق) «تثبيت التوافق والتشارك خيارا استراتيجيا» هذا ما قرره مجلس شورى النهضة حسب ما جاء في بيانه الذي أصدره أول أمس في ختام دورته العادية الثانية والعشرين التي انعقدت يومي السبت والأحد في الحمامات. لهذا الخيار مبررات ظاهرية فمجلس الشورى «يدعو إلى الحفاظ على علاقة إيجابية مع رئيس الدولة» على حد ما جاء في البيان استجابة للفريق النهضوي الذي عاب على رئيس الحركة راشد الغنوشي الانقلاب على التوافق وفق ما جاء في رسالة الامتعاض التي وجهها له قبل أيام. كما إن المجلس قرر مواصلة «التعاون (المشروط والمحايد) مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد» حسب ما أشار إليه رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني لاحقا في تصريح إعلامي لأن في هذا ضمانا للاستقرار الحكومي والسياسي الذي تنشده الحركة. حبلان متوازيان لم يكن هذا الخيار الاستراتيجي ليثير الحيرة ولا حتى الانتباه لو تبنته حركة النهضة أو مجلس شوراها قبل أشهر ففي السابق كانت ملتزمة بالتوافق مع حزب نداء تونس ومؤسسه الباجي قايد السبسي وهذا التوافق أملى التشارك في الحكومة التي يشكلها النداء دستوريا لكنّ بونا شاسعا بين الأمس واليوم. فالحكومة لم تعد مدعومة من حزبها الذي شكّلها، ورئيسها يوسف الشاهد مر من قيادي في الحزب إلى خصم لدود لمديره التنفيذي حافظ قايد السبسي ومن تابع لرئيس الجمهورية الذي رشحه دون غيره إلى خصم عنيد، ما يعني في النهاية أن التشارك مع يوسف بات مضادا للتوافق مع الباجي. هناك اليوم خطان متوازيان لا يلتقيان يمثّل أحدهما الشاهد ويجمع ثانيهما بين الباجي وابنه ومن والاه في ما تبقى من النداء وعليه تبدو النهضة كمن يسير على حبلين متوازيين قد يختل توازنها في أي لحظة فيكون سقوطها مدويا فهل كانت مجبرة على هذه المغامرة «الاستراتيجية»؟. حياد سلبي لا يمكن الحديث عن منفعة وطنية من خلال خيار النهضة الاستراتيجي وإذا افترضنا جدلا وجود منفعة فإن الضرر أكبر. فنحن إزاء أزمة سياسية وطنية خانقة ناتجة عن خلافات داخل حزب النداء، وقد اختارت النهضة «ألا تكون طرفا فيه» على حد تعبير الهاروني. لكن الثابت أن هذه الأزمة لن تجد الحل إلا إذا تنازل أحد طرفيها للآخر، أو وجد أحدهما من يغلّب كفته على الآخر وبإمكان النهضة أن تلعب الدور الثاني فتغلب كفة الشاهد عبر قطع علاقة التوافق نهائيا مع حزب النداء ومؤسسه أو تغلب كفة الباجي عبر الاستجابة لرغبة النداء في سحب الثقة من الشاهد وحكومته. النهضة سارت سابقا عبر رئيسها ومؤيديه في الخيار الأول عندما مالت كل الميل إلى صف الشاهد على حساب النداء ومؤسسه لكن الشق الثاني لم يرض بالانقلاب على الباجي لاعتبارات معقولة أهمها أن الحركة ستثبّت الادعاءات بأنها تضحي بحلفائها وشركائها في سبيل مصلحتها. تحسبا لالتقاء المتخاصمين لا نشك أن مجلس الشورى قد تدارس عواقب الانحياز لطرف دون الآخر فالميل إلى الشاهد يبدو معقولا بالنظر إلى تمادي قوته وتحوّزه على احتياطي نيابي بات يحتل المرتبة الثانية عدديا خلف كتلة النهضة (نعني كتلة الائتلاف الوطني المحسوبة مبدئيا على الشاهد) وبالنظر أيضا إلى تلاشي قوة الباجي وحزبه. هذا يعني أن مصلحة النهضة ومستقبلها في التوافق مع الشاهد وحزبه المفترض لكن الشاهد لم يقطع قط علاقته بحزبه نداء تونس ولم يلتزم بعدم الترشح للاستحقاق الرئاسي القادم ومن غير المستحيل أن يجمع الندائيين والمقربين منهم من خصوم النهضة في «نداء» جديد قد يقضي على طموح الحركة في الفوز أو في إيجاد شريك حكومي إذا ما فازت. النهضة بين خيارين قد تنقلب حلاوة كل واحد منهما إلى مرارة لهذا اختارت الجمع بين النقيضين في ما يشبه الازدواجية حتى لا تخسر طائر الفينيق العجوز وتأمن شر طائر العنقاء الشاب. الاثنان مهمان ولعل الثاني خير لها وأبقى لكن في السياسة قد يلتقي الخطان المتوازيان في اللحظة الحاسمة، لا تنسوا أن النداء والنهضة كانا حتى صيف 2013 خطين متوازيين يستحيل التقاؤهما. قالوا عن التوافق والتشارك «الهدف الاساسي من التوافق هو اعلاء مصلحة البلاد… ليس من المعقول ان تخطو البلاد هذه الخطوة المهمة في تمرير القوانين من خلال الشراكة ومن ثم نقول انه توافق مغشوش…». (القيادية النهضوية فريدة العبيدى من مداخلة لها على قناة حنبعل نهاية الأسبوع الماضي). «التوافق (بين النداء والنهضة) مغشوش وقد اثبت فشله... على الاطراف السياسية التونسية الاتفاق حول خطوط دنيا لحل مشاكل البلاد وليس اقتسام السلطة في ما بينها… الباب لايزال مفتوحا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ولابد من إعادة ترتيب الأولويات، حيث ستتحاور الحركة (حركة مشروع تونس) مع كل مكونات النداء خاصة وأن يوسف الشاهد لم يقدم استقالته رغم أنه مجمد». (رئيس حركة المشروع محسن مرزوق مما قاله في الندوة التي عقدتها حركته يوم 30 سبتمبر الماضي في العاصمة). «منذ الأسبوع الفارط قررنا الانقطاع بطلب من النهضة ... هي تريد التوافق مع الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد... العلاقات بين الباجي قائد السبسي والنهضة انقطعت… لم يعد هناك توافق للتواصل بين الباجي والنهضة، بسعي منهم ... النهضة نفضت يدها من الباجي واختارت طريقا آخر، إن شاء الله يكون موفقا، ولكن لا أظن ذلك...». (رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي من حوار بثّته قناة الحوار التونسي ليلة 24 سبتمبر الماضي). رأي خبير خطر العزلة السياسية «حركة النهضة قد تجد نفسها في عزلة سياسية، رغم هيمنتها على أكبر كتلة برلمانية، فلا تتعلق المسألة بالكتل أو بعدد الأعضاء في البرلمان، وإنما تتعلق بمناخ سياسي تحدده الأجواء الداخلية والخارجية.. لذا تسعى حركة النهضة لرفع أي التباس حول علاقتها برئيس الجمهورية وتؤكد على استمرار التوافق، وهو ما يدل على تخوفات داخل حركة النهضة من التحاق رئيس الجمهورية بأطراف معادية للحركة، مما قد يشكل اختلالا في موازين القوى وينعكس على الأجواء العامة للبلاد، إضافة إلى أن الكتلة الجديدة في البرلمان التي كوّنها الشاهد ليست مطمئنة للحركة، إنما ستضطر للتعامل معها مؤقتا». (المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي مما نقله عنه موقع «ميم» يوم 26 سبتمبر الماضي).