لا شكّ أن حرية التعبير تظل من أهمّ المكاسب التي تحققت للشعب التونسي منذ 14 جانفي 2011 وهو ما يستدعي بكل تأكيد الحفاظ على هذا المكسب ودعمه وتطويره... ولا تكفي التشريعات لوحدها لتحقيق ذلك لأن الأمر بحاجة إلى التمسّك بأخلاقيات معينة وإلى الوعي بأن سوء توظيف هذا المكسب في ظل حالة الضعف التي يشهدها قد يكون له مفعول عكسي. ولسوء الحظ فإن بعض وسائل الإعلام تتناسى هذه الاعتبارات وتختار السقوط في ممارسات تطرح أكثر من سؤال وتحتاج إلى أكثر من وقفة تأمّل. وإن كانت هذه الظاهرة ليست جديدة والأمثلة عليها عديدة إلا أن ما أتته قناة الحوار التونسي يوم السبت الماضي من استهداف مباشر ومتعمّد لرئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي ولنجله حافظ قائد السبسي تحت عنوان «فكرة سامي الفهري» قد تجاوز كل الضوابط والحدود. لقد كانت اللقطات التي بثتها القناة صادمة ومقرفة في آن واحد ورغم أنها حاولت إلباسها قالبا هزليا إلاّ أنها جسّدت في واقع الأمر نموذجا حقيقيا ل «تلفزة القمامة» التي لطالما حذّر منظرو الإعلام والاتصال من خطورتها... ذلك أن هذا الصنف من الإعلام يستعمل لغة هابطة لا تخلو من تحريض ومن عدم احترام للذات الإنسانية ولمؤسسات الدولة. وحين تقدم وسيلة إعلام هذا الخليط من عدم الاحترام فإنها تساهم في تغذية الانفلات وفي النفخ في نار الانقسامات السياسية والجهوية.. وتلعب بالتالي دورا عكسيا يغيب فيه الإعلام الحقيقي وتحلّ محله الفوضى. إن ما نشير إليه لا يمثل استهدافا لوسيلة إعلام بعينها ولا اصطفافا وراء هذه الجهة أو تلك بل هو بالأساس انتصار للقيم التي يجب أن يتمسك بها الإعلام والتي تتضَمن بكل تأكيد العمل على رفع المستوى المعرفي والأخلاقي. ولا شكّ أن الهياكل التعديلية مدعوة في اعتقادنا اليوم إلى أن تدرك خطورة ما يحدث في القطاع وأن تتصدى لكل أشكال الرداءة والابتذال حفاظا على الذوق العام من جهة وتأكيدا على أن الإعلام هو من جهة ثانية سلطة محايدة وموضوعية وهو أيضا سلطة لها أخلاقياتها ونواميسها التي لا يجوز بأي حال من الأحوال انتهاكها. إن الإعلام المرئي بشكل عام قد تحول في بلادنا من موقع السلطة إلى موقع التابع لاستطلاعات الرأي والباحث عن نسب المشاهدة و«الخبطة» الصحفية التي غالبا ما تقوم على سقطة أخلاقية أو على اصطفاف في اختيار الموضوع. إنّنا بقدر ما نؤمن بقدسية حرية التعبير، بقدر ما نعتقد أنه قد آن الأوان لوضع آليات تقييم ومراقبة أكثر موضوعية وصرامة لأن الاختلاف مع رجال السياسة يجب ألا يبيح بأي حال من الأحوال المس من كرامتهم واستهداف تاريخهم لا يعني هذا أنه ليست هناك أي شخصية سياسية في تونس فوق النقد ولكن لا يجب السماح في نفس الوقت باستهداف أي تونسي في كرامته وإنسانيته فما بالك حين يتعلق الأمر برئيس الجمهورية وبمؤسسة رئاسة الجمهورية وبالباجي قائد السبسي وهو الذي يجب ألا تنسينا الاحترازات والانتقادات التي نبديها حول سياساته، الدور السياسي الذي قام بها خاصة في الانتقال الديمقراطي وفي تجنيب البلاد عدة هزات.