مرّة أخرى يُؤكد الواقع أنّ الكرة التونسية بَعيدة عن عالم «الاحتراف» بُعد الأرض عن الشّمس وإلاّ ما معنى أن تَمتهن الجمعيات المُنتمية إلى الرابطة الأولى «التَسوّل» رغم مرور حوالي ربع قرن على ارتدائها لجبّة «الاحتراف» الذي بان بالكَاشف بأنّه «مُزيّف» ومُجرّد «كِذبة». ولاشكّ في أنّ «الكَوارجي» والمسؤول السّابق رؤوف النّجار يَضرب كفّا بكفّ على «المَشروع» الذي وضع لَبنته الأولى واستبسل في الدّفاع عنه ليشتدّ عوده ويُساهم في الانتقال بالأندية من عَالم الهِواية والتخلّف والعُنف إلى دنيا «الاحتراف» والتَقدّم والانضباط. وبعد أكثر من عشرين عاما على وِلادة «المشروع» تَجد الكرة التونسية نفسها على شفا الإفلاس بكلّ أشكاله المالية والفنية والتنظيمية وحتّى الأخلاقية ولكم في حادثة «نقر» الحكام على يد خماخم أبلغ حجّة وأقوى دليل على الحالة «الكارثية» للجلد المنفوخ في بلد «ديوة» والشتالي و»عتّوقة» والعقربي وطارق ذياب الذي تقلّد - مثل رؤوف النجّار - منصب الوزير وحاول عبثا النّهوض باللّعبة وتخليصها «الميزيريا» ومن «ألاعيب» الجريء. مطالب شرعية وتصرّفات «صِبيانية» اليوم وبعد وعشرين عاما من كِذبة «الاحتراف» تَجتمع الأندية مع وديع لإعلام الجمهور بقرار خَطير وغريب وهو إيقاف قطار البطولة عن السّير ما لم تستجب الوزيرة لمَطالبها وهي كثيرة وعجيبة. الأندية التي تدّعي زورا وبُهتانا أنها «مُحترفة» تضع سلطة الإشراف بين خَيارين لا ثالث لهما فإمّا التمويل أوالتعطيل في سيناريو مُشابه إلى حدّ ما لما يقوم به «الصّبيان» في «البطاحي» عندما يفرض صاحب الكرة شروطه وإن عارضه البعض فإنه يأخذ كُرته ويُفسد اللّعبة بِرّمّتها. وهذا يحدث طبعا عندما يتعلّق الأمر بمجرّد «لعبة» لكن الحَال لا يَستقيم ونحن إزاء «رياضة مُحترفة» ومسابقة مُرتبطة بقاعدة جماهيرية عريضة وبعقود اشهارية وبتلفزات مَحلية وأجنبية وبطولة تَضمّ في صفوفها أندية مُشاركة في المسابقات الدولية ولاعبين يَنتمون للمنتخبات الوطنية. ويعرف القاصَي والداني أنّ أنديتنا «المُحترفة» منها والهَاوية غَارقة في الدّيون خاصّة في ظلّ تَراجع المُساعدات العُمومية للوزارة والولايات والبلديات مُقارنة بفترة ما قبل «الثّورة» التي «أهدتنا» أيضا «الويكلو» المُساهم بدوره في إفراغ المَلاعب والجُيوب. ولا يوجد أدنى شك في أن الوَضعية المالية لأنديتنا «كَارثية» لكن الحلّ يَكمن في البحث عن السُّبل الكفيلة بتجاوز «الأزمة» لا بالقيام بعملية «براكاج» لقطار البطولة و»سَلب» حُقوق اللاّعبين والمحبين في العَمل والفُرجة بعد حَجب المُباريات في القنوات والدخول في «إضراب عام» اقتفاءً لأثر العَديد من القِطاعات الأخرى في البلاد. لعبة الحسابات طَالما أنّ الجمعيات المُدرجة ظُلما في خَانة «الاحتراف» مازالت تَعيش تحت وِصاية الدّولة فإنّه من حقّها الوقوف صباحا ومساءً على عتبة الوزيرة لنيل نَصيبها من المَال العام المُخصّص للرياضة. لكن هذا الحَقّ لا يُبيح لها تَعطيل البطولة والتَطاول على الهياكل العُليا بدعم من رئيس الجامعة الذي استغلّ «أزمة» الأندية ل»مُحاربة» الوزارة. وَتَعكس لهجة الخِطاب الوَارد في بلاغ الجامعة والذي جاء على لسان ناطقها الرسمي حامد المغربي نَبرة «التَمرّد» على سلطة الإشراف ويُوحي نصّ البلاغ للعَارفين بالكواليس أنّ قِصّة التَمويلات لا تهدف إلى الحصول على الدّعم فحسب بل أنّ هذا التحرّك «مُريب» وخَاضع لحِسابات أخرى بَعيدة وهي تَوجيه «صَفعة» قوية للوزارة المُتخاصمة مع وديع والمسؤولة إلى حدّ ما عن «مُعاناة» الأندية لأنّها لم تَضع سياسات مالية جيّدة ولم تُغيّر التشريعات القانونية لتنهض بالميدان بالتنسيق مع مؤسسات الدولة والكلام طبعا ليس عن ماجدولين الشارني فحسب بل أنّ «أسلافها» يتحمّلون بدورهم المسؤولية خاصّة بعد أن أغرقوا رياضتنا بالوعود الوَهمية والمشاريع الخَيالية على غرار «أضحوكة» «الشّركات الرياضية» المُنبثقة عن الجمعيات والتي من المفروض أن تُخلّص الأندية من «التَسوّل» على طريقة الآلاف من «المُحترفين» في هذا المَجال. أطماع يَفضح البلاغ الصّادر عن الجامعة والمُذيّل بتَوقيع 12 مسؤولا من جملة 14 ينشطون في الرابطة الأولى «مُخطّط» الأندية للعيش على المال العام والتعامل مع الوضع بمنطق «التَواكل» لا الاجتهاد ل»تَقليع الفرنك». ذلك أنّ المُجتمعين برئاسة الجريء لم يُطالبوا الوزيرة بصرف المنح بصفة فورية فحسب بل أنهم ذهبوا بعيدا وأكدوا بكلّ «وَقاحة» أن سلطة الإشراف أمام حَتمية تمكينهم من 50 بالمائة من عائدات «البروموسبور» وهو الدّجاجة التي كانت إلى أجل قريب تَبيض ذهبا قبل أن يَغدر بها الزّمن وتعصف بها المُراهنات الالكترونية والسياسات الارتجالية للوزارة. ولا يُمكن إلاّ أن يصيبنا «الضّحك والبُكاء» ونحن نستمع للناطق الرسمي للجامعة حامد المغربي وهو يتكلّم عن مليارات «البروموسبور» ويَعدّ المَرابيح القياسية التي يمكن أن تَغنمها الأندية من التَنمية الرياضية التي كان من المفروض أن تُوجّه جُلّ مداخيلها للنّهوض بالرياضات الفردية والنِسائية والجمعيات «المَنسية» في المناطق الداخلية والأحياء الشّعبية. فوق القانون الخَطير في مطالب الأندية و»مُؤطّرها» في «حركة التمرّد» أن يبلغ بها الأمر حدّ الإعلان عن رغبتها في التمتّع ب»العَفو الجبائي»: أي أنّها تريد خَرق القوانين والتَنصّل من «واجبها الوطني» برعاية من الجامعة التي من الواضح أنها قطعت أشواطا عريضة في مشروع بناء «الدّولة داخل الدولة». فهي تستقبل السفراء والنقابيين وتمنح «العَفو الرياضي» للاعبين والمدربين وقد تُمكّن الأندية مستقبلا من العمل دون دفع الأداءات عَلاوة على بَعث «شركة» قائمة الذّات (بروموفوت) هذا إذا استحال الانتفاع بمال «البروموسبور» التي تَعتبر الجامعة أن أنديتها هي الأوْلَى بعائداتها (وهي حسب البعض على حقّ بحجّة أن «الشّبكة» قائمة على مُباريات الكرة).