تونس (الشروق) خديجة يحياوي «شر لا بد منه، وسيف مسلط على رقبة الأولياء...»هكذا تحدث عدد من المواطنين عن ظاهرة الدروس الخصوصية، التي تحولت خلال السنوات الاخيرة الى تعليم «مواز» يخضع لقاعدة العرض والطلب، رغم مجهودات وزارة التربية في إيجاد آليات قانونية لمكافحتها. بعض الأولياء يشتكون في العلن، وفي الخفاء ينفقون الكثير من أموالهم في سبيل ضمان نجاح أطفالهم.وتستفحل هذه الظاهرة مع اقتراب المناظرات الوطنية (الباكالوريا، والنوفيام والسيزيام) أو خلال فترة الامتحانات. فماهي أسبابها؟ وهل تحولت الدروس الخصوصية الى تعليم مواز في تونس؟ عائدات مالية طائلة بلغة الأرقام، و حسب دراسة أطلقها معهد الإحصاء في السنة الماضية، فإن قيمة المعاملات المالية للدروس الخصوصية، تصل الى ألف مليار. وإن العائلة التونسية تقدم مصاريف الدروس الخصوصية على الصحة والترفيه. وهذه المعاملات تمثل تقريبا، 30 بالمائة من رواتب أساتذة وزارة التربية، خاصة أن حوالي 400 ألف تلميذ يتلقون دروس دعم، حسب بعض الدراسات التي قامت بها جمعيات مختصة في متابعة جودة التعليم في تونس. وحسب المراقبين، فإن العائلة التونسية تنفق شهريا، معدل 200 دينار، في الدروس الخصوصية، وتنفق سنويا بين ألفي دينار فما أكثر. لافتات ... تغزو الشوارع بالقرب من محطات الحافلات والميترو الخفيف، وأمام المحلات التجارية وبائعي المواد الغذائية، توجد لافتات بها، أرقام هواتف جوالة، لأساتذة ومعلمين قصد الاتصال بهم من قبل التلاميذ، حتى يقدموا لهم دروس دعم وتدارك، في بعض المواد. وهذه اللافتات تغزو الشوارع، بصفة تؤكد انتشار آفة الدروس الخصوصية، رغم سعي سلطة الاشراف الى منعها. وقد أكد في هذا الصدد مصدر مطلع بوزارة التربية في تصريح ل»الشروق»، أن سلطة الاشراف ساعية الى تنقيح القانون المنظم لدروس الدعم وتقنينه، مضيفا أن القانون الجديد يسمح للمتفقدين الإداريين والماليين التابعين لها، بالقيام بعملية المراقبة وإثبات هذه الجرائم، عبر ممارسة نشاطهم خارج مكاتبهم، أي أنه ستتم مراقبة كل ذي شبهة من المدرسين، واتخاذ الاجراءات القانونية في شأنه، اذا ثبت عدم تطبيقه القانون. تلاميذ... مجبورون على ذلك وخلال حديثنا الى مجموعة من التلاميذ، التقيناهم، بالقرب من إحدى المدارس الاعدادية، بالعاصمة، قالوا: «رغم أن لدينا حرية اختيار الالتحاق بهذه الدروس من عدمه، الا أننا مجبورون على ذلك». وبمزيد استفسارنا، إذا ما كان الأمر يتعلق بمزيد تطوير مهاراتهم في بعض المواد، تراوحت إجاباتهم، بين من اضطر الى أخذ دروس دعم في مادة الفرنسية، لأن أستاذ هذه المادة متغيب عن المدرسة الاعدادية منذ ما يزيد على شهر، والبعض الآخر منهم اضطر الى أخذ دروس دعم في مادة العربية لأنهم يعتبرون أستاذتهم «شحيحة» حسب وصفهم في إسناد الأعداد خلال الفروض. وتكون «رحيمة» معهم عندما يتلقون هذه الدروس. وبمزيد استفسارنا للتلاميذ عن المواد التي يتلقون فيها دروس دعم، أكدوا أن من ضمنها مادة الرياضيات والفيزياء واللغات الأجنبية. ويضطرون الى أخذ دروس دعم في مواد أخرى مثل العربية وعلوم الارض. وهنا ضحكت إحدى التلميذات. وقالت إن شقيقتها اضطرت الى أن تتلقى دروسا خصوصية في مادة التربية البدنية في مرحلة الباكالوريا، لأن أستاذها كان شديد التغيب... روايات التلاميذ غريبة ومثيرة للقلق، حول قصصهم مع دروس الدعم. فحسب ما أكدوا فإنهم اضطروا في السنة الماضية، الى أخذ دروس دعم لدى أستاذ متميز في مادة الرياضيات، باعتبار أن الأستاذ الذي يدرسهم بالمعهد غير قادر على ايصال المعلومة، وإكسابهم مهارات في هذه المادة التي تحدد مستقبلهم الدراسي. وبخصوص الأماكن التي تلقى فيها هذه النوعية من الدروس، أكدوا أنها في الغالب تكون بمنازل الأساتذة، أو بمستودعات وشقق يتم تسوغها من قبل مجموعة من الأساتذة.والبعض الآخر يقدم دروسا بغرف بأسطح بعض العمارات.وهناك أساتذة يقدمون دروسا بالمعاهد. وتكون كلفتها مقبولة. حيث تتراوح بين 25 و30 دينارا لأربع حصص في الشهر. رئيس الجمعية التونسية للأولياء ل«الشروق» مكافحة الظاهرة تتطلّب إصلاحا معمّقا وشاملا للتعليم في تونس أكد رضا الزهروني رئيس منظمة الأولياء أن مصاريف الدروس الخصوصية تتصدر المرتبة الأولى لدى العائلة التونسية على حساب الصحة والمواد الغذائية، مضيفا أن عائدات هذه الدروس تمثل ثلث أجور الإطار التربوي ببلادنا. هل تعتبرون أن الدروس الخصوصية أصبحت ذات أولوية لدى العائلة التونسية؟ في البداية، أريد أن أؤكد أن الدروس الخصوصية، انطلقت منذ شهر أوت الماضي، لأن بعض الأولياء يستثمرون في تعليم أبنائهم، وعدم تمكن المدرسة العمومية من تبليغ المعطيات العلمية للتلميذ خلال الفصل، من بين الأسباب التي أدت الى تفاقم الظاهرة، لأن المنظومة التربوية اليوم غير قادرة على تبليغ الزاد المعرفي المطلوب. وهذا أمر واقعي يكتشف من خلال نسبة النجاح في المناظرات الوطنية. هل تعتقدون أن الدروس الخصوصية ناجعة في مزيد إكساب التلميذ مهارات علمية؟ لا أعتقد ذلك. فهذه الدروس لا تحسن من المستوى المعرفي للتلميذ، لأنه يقع تدريبه على الامتحانات في أغلب الأحيان وأغلب التلاميذ يتحصلون على حصص دعم من نفس أساتذتهم الذين يدرسونهم في الفصل. كيف يمكن مقاومة هذه الظاهرة؟ أعتقد أن القضاء على آفة الدروس الخصوصية، يتطلب في البداية البحث عن الجودة المطلوبة للمدرسة حتى تصبح قادرة على تبليغ الزاد المعرفي. فشروط الارتقاء غير محترمة الآن، وسن قوانين تمنع اعطاء الدروس الخصوصية خارج المدرسة، لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع، لأنها جريمة يصعب كشفها وإثباتها. واعتقد ان الحل يتمثل في اصلاح المنظومة التربوية والبيداغوجية، برمتها. وهناك العديد من العائلات التي لم تعد تستطيع مجابهة مصاريف الدروس الخصوصية، مما يهدد مستقبل أبنائهم الذين قد ينقطعون عن الدراسة. وهناك اليوم 160 ألف تلميذ خارج المسار الدراسي. ماذا تقترحون؟ شخصيا، أرى أنه يجب تكوين الاطارات التربوية من جديد، وصناعة جيل جديد من المربين يكونون من المتميزين في دراستهم، خاصة أن من يتوجه اليوم الى شعبة الاستاذية أغلبهم غير متميزين. ومن يكون متميزا في الدراسة فإنه يختار شعب الطب والهندسة...