تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاناة أم موضة... اختيار أم اضطرار؟
الدروس الخصوصية:
نشر في الصباح يوم 15 - 03 - 2009

لست أدري إن كانت مسألة التربية والتعليم والتكوين بتفاصيلها وجزئياتها تثير اهتمامي وتحرّك سواكني وأحاسيسي بحكم كوني أستاذا ومربيا أم بحكم معاشرتي للتلاميذ واحتكاكي بالأولياء لسنين طوال،
وفي هذا الإطار أودّ أن ألفت الانتباه إلى ظواهر سلوكيّة سيّئة لم تكن موجودة في سلوك جيلي والأجيال السابقة التي تلقّت تربية وتعليما وتكوينا بطرق أكثر انضباطا وإحساسا بالمسؤولية، فهل يقتضي الأمر اليوم التفكير في تذكير الأولياء والمربّين بالثوابت الأخلاقية والمهنية والتعليمية التي تقتضيها تنشئة الأجيال، تلك الثوابت التي لا يمكن أن يغيّرها الزمن مهما طال وتغيّر فهي جرّبت فصحّت إذ أثبتت الدراسات البيداغوجية والتربوية أن الشعوب التي تخلّت عنها في أيامنا ندمت وأدركت سلبياتها وهي اليوم تريد التراجع لكنها لا تستطيع الرجوع إلى الوراء لأن الداء استفحل والمرض انتشر.
بالفعل لقد انتشر طاعون الدروس الخصوصية التي أصبحت شبه إجبارية كما يدّعي بعضهم ففي زماننا كان القليل من التلاميذ الموسرين يتابعون دروسا خصوصية وبصفة تكاد تكون سريّة خيفة أن ينعتهم زملاؤهم بالفاشلين وغير القادرين على استيعاب الدروس داخل القسم ويعتبرونهم أقل ذكاء وأقل مقدرة ذهنية من غيرهم، أما الآن فهذه الدروس يتابعها الجميع دون استثناء فهل هي اختيار أم اضطرار؟
ويدّعي الكثير من الأولياء أن الدروس الخصوصية هي بمثابة سيف مسلول ترفعه فئة من المعلّمين والأساتذة في وجه التلاميذ والأولياء لجعلهم يلهثون وراء هذه الدروس ويعتبرونها بمثابة صكّ النجاح خوفا من الفشل الذريع آخر السنة الدراسية وقت الحساب والعقاب وتصفية الحسابات ولعلّ الغريب في الأمر أن بعض المدرّسين يبدأون في ضبط القائمات وتكوين مجموعات اسميّة منذ العطلة الصيفيّة أي قبل أن ينطلق العام الدراسيّ أما الموسم فيبدأ مبكّرا ومنذ شهر أكتوبر ويشرعون في حملتهم لإعطاء هذه الدروس والضغط على بعض التلاميذ مستعملين سياسة الترغيب والترهيب وتبدأ المسرحيّة بإجراء فرض متحجّر، فإسناد أعداد متدنّية ثم استدعاء الوليّ وإشعاره بضرورة دعم مكتسبات منظوره.
وما هي إلاّ مهلة قصيرة حتى يتحوّل معظم تلاميذ القسم إلى فرق في شكل قطعان بشريّة تتعاطى دروسا خصوصيّة لدى الأستاذ في منزله أو في مكان آخر أجّره للغرض، وهنا نسأل: ماذا درس التلاميذ بالقسم خلال أسبوع أو اثنين حتى يتداركوا ما فاتهم من دروس؟
ويتزاحموا على احتجاز أماكن لدى أساتذة تحوّلوا فعلا إلى نجوم ومشاهير ذاع صيتهم بين التلاميذ والأولياء. كما أن البعض من التلاميذ يقبلون على هذه النوعيّة من الدروس لإرضاء الأستاذ واستجداء المزيد من الأعداد لأنه حسب اعتقادهم ما يقدّم في القسم أصبح غير كاف واعتبار هذه الدروس الخصوصية من المكمّلات الضروريّة والأساسية.
هذه الدروس أصبحت هاجس الجميع للتلميذ المتقاعس وحتى للمتميّز فتفرض على الوليّ البحث عن أستاذ مهما كان الثمن سواء بصفة فرديّة أو في مجموعة لمتابعة هذه الدروس "الموضة".
وهذه الدروس أصبحت لا تقتصر على الموادّ المميّزة كالرياضيات والعلوم والفيزياء بل تجاوزتها وشملت حتى الموادّ الأدبية كالعربية والفرنسية والإنقليزية ولا تستغربوا إن قلت حتى التربية البدنية لتلاميذ الباكالوريا أثناء الثلاثي الثالث. هذه الدروس "الجنونيّة" أو الخصوصية لا تشمل تلاميذ الأقسام النهائية فقط وإنما تعدّتها إلى مختلف المراحل التعليمية الأخرى حتى التعليم الابتدائي والمرحلة الثانية من التعليم الأساسي والمهمّ هو تحسين المردود رغم أنه لو تعقّل الأولياء وتريّثوا لعلموا أن ما يقدّم داخل قاعات الدرس يكفي وزيادة شريطة انضباط وانتباه وتركيز التلميذ داخل القسم. إننا نعجب وبكل أسى وحسرة الكيفية الغريبة التي يأتيها الأولياء من شحن لدماغ الطفل بساعات إضافية على حساب وقت فراغه ولعبه حتى وإن كان التلميذ لا يحتاجها أو لا يرغب فيها أصلا وهذا السلوك ربّما ينجرّ عنه عزوف هذا الطفل عن الدراسة لما يصيبه من ملل وكلل وإعادة لنفس الدروس خلال نفس اليوم أو نفس الأسبوع في حين يتوهّم والده أنه يساعد المدرسة على صنع النجاح والتألّق. فهل حقا أن هذه الدروس الخصوصية قادرة على تحقيق هذا الحلم المنشود؟
ومن المضحكات المبكيات أننا نسمع من بعض الأولياء الذين يؤكّدون هذه الأيام بداية فصل " ازدهار هذه السوق "أن أستاذا يجمع مجموعة من التلاميذ في غرفة منزوية بحديقة منزله كامل اليوم لمراجعة كامل البرنامج لمادّة علميّة واحدة مقابل 150 دينار!"
إننا نتوجّه بالسؤال الصريح والواضح للأستاذ الفاضل والوليّ والتلميذ على حدّ السواء: هل أن يوما واحدا كفيل بمراجعة برنامج كامل بطوله وعرضه، هذا البرنامج الذي وضعه مختصّون وخبراء من وزارة التربية والتكوين على مدى 9 أشهر؟ وهل أن التلميذ حقّق الكفايات خلال هذا اليوم الدراسي المنزليّ!!! أمر يدعونا حقيقة إلى الاستغراب والتعجّب!!!
والمؤلم حقا هو اعتبار هؤلاء التلاميذ سواسية أمام المدرّس عند دفع الفاتورة فلا فرق بين فقير وغنيّ ولا ضعيف ونجيب ولا متقاعس أو مجتهد...
فالأسرة أصبحت تخصّص جزءا من دخلها الشهريّ لإعطائه للأستاذ وهي تحلم أن يصنع من ابنها تلميذا عبقريّا فذّا متفوّقا على كل زملاء قسمه، فيتداين الوليّ لتمكين ابنه من متابعة هذه الدروس "اللّعينة" والتي غالبا ما تدفع مسبقا وعلى حساب قوت أفراد العائلة وعلمنا من مصادر موثوق بها اكتوت بنيران هذه الدروس أن المعاليم تختلف من أستاذ إلى آخر حسب صيته وشهرته وسمعته وكذلك حسب مرحلة وأخرى واختصاص وآخر كما لا ننسى الهدايا التي تقدّم أحيانا في المناسبات وغير المناسبات، فماذا عساه أن يفعل وليّ لثلاثة أو أربعة تلاميذ بالتعليم الثانوي والإعدادي وربّما بالجامعة وكلّ هؤلاء الأبناء يطالبون وبإلحاح بمتابعة دروس خصوصيّة ويتذرّعون بها كأسباب حقيقيّة في عدم نجاحهم أو فشلهم الدراسي؟
في هذه الوضعيّة تجد الأسرة نفسها مجبرة على تخصيص ميزانية لا يستهان بها تفوق أحيانا الميزانيّة المخصّصة للمصاريف الشهريّة لكافّة أفراد الأسرة لهذه الدروس الخصوصية لا تمثّل نهبا لجيوب التلاميذ وأوليائهم بل تعدّى مداها ليدنّس قيمة التعليم والتربية وشرف هذه المهنة النبيلة بينما يرى مجموعة من الأساتذة أن المسؤوليّة يجب أن تلقى كاملة على التلميذ والوليّ.
فالوليّ هو الذي يلاحق الأستاذ ويلحّ عليه تدريس ابنه أو ابنته في المنزل ويلاحقه حتى بفضاء المدرسة وهو الذي يحددّ مبلغا مقابل ذلك، وان رفض المدرّس ذلك يلتجئ الوليّ إلى معارف الأستاذ للتأثير عليه وقبول عرضه.
كما تنفي هذه المجموعة من الأساتذة الاتهامات الموجّهة إليهم : كالضغط على التلميذ وإرهابه لمتابعة هذه الدروس واستغلال الظروف أثناء فترات الامتحانات المحليّة أو الوطنيّة وعبّرت ب: "أنّ الدنيا مازالت بخير" وأن حقلنا التربوي لا يزال نظيفا وشفافا وبمنأى عن كل الممارسات اللاّأخلاقية واللاإنسانيّة وأنهم يحترمون كل التراتيب القانونية والتربويّة الواردة عليهم من سلطة الإشراف لكن كثرة الادعاءات الباطلة وتواتر الأخبار الزائفة حول عمل المدرّسين أساءت إليهم وحوّلتهم إلى تجّار عِلْم ومعرفة وغول يبتزّ وينهب الأسر دون رحمة.
فلماذا لا يلتفت الوليّ إلى نوعيّة عمل المحامي والمهندس والطبيب وغيرهم من الذين يجمعون أموالا طائلة في اليوم الواحد رغم أن ما يقدّمه الأستاذ أو المعلّم لرفع الجهل والضلالة عن ناشئتنا يعدّ من أشقّ المهن وأضناها على الإطلاق، ومن الأساتذة من اعترف بوجود بعض التجاوزات لكنّه قال بأنّ الشاذّ يحفظ ولا يقاس عليه وأنّ الإدارة له بالمرصاد.
وما يزيد في غليان دمي وغضبي عندما اسمع وليا يتذمّر من جشع بعض الأساتذة أو المعلمين وغلاء التعريفة وآكتظاظ مجموعاتهم وضيق الفضاءات المخصّصة لتلقّي هذه الدروس، فأتساءل وقتها: من المسؤول عن هذه السلوكات هل هي الأسرة أم التلميذ أم الأستاذ؟ أعتقد جازما أن هذه الأطراف الثلاثة مسؤولة ولا أبرّئ طرفا دون آخر فالتكالب واللّهفة وراء هذه الدروس الخصوصيّة صنعها الوليّ والتلميذ وربّما استغلّها الأستاذ ولكلّ طرف مصلحته الذاتيّة في ذلك وبالتالي أصبحت الدروس الخصوصيّة داء تفشّى في كيان المنظومة التربويّة يصعب استئصاله ولو تدخّل أمهر الأطبّاء والجرّاحين.
ورغم المناشير والأوامر والمذكرات العديدة التي صدرت عن وزارة التربية والتكوين:
* كالأمر ع677دد لسنة : 1988 والمؤرّخ في 25/03/ 1988
* والمنشور ع101دد لسنة : 1988 والمؤرّخ في 01/09/1988
* والمذكرة ع3539دد صادرة بتاريخ: 09/12/1992
* والمنشور ع83/5-6/95دد مؤرّخ في: 22/11/1995
والتي كان الهدف منها كلها تحديد شروط تنظيم الدروس الخصوصيّة من حيث عدد الأفواج وعدد التلاميذ بكل فوج وعدم انتمائهم إلى أقسام المدرّس والفضاءات المعدّة للغرض التي يجب أن تكون لائقة وتتوفّر على الظروف الضروريّة لحفظ صحة التلميذ والاتساع والتهوئة والإنارة والتجهيزات اللازمة فلا يكون مثلا المحلّ ضيّقا في شكل" قراج" سيارة وبالتالي يجبر التلاميذ على الجلوس أرضا...
والكتابة على ركبهم زيادة على اكتظاظهم وتزاحمهم بالمناكب عند الكتابة كما كان يحدث بالكتاتيب أيّام زمان.
فسلطة الإشراف حريصة كل الحرص على أن يتلقّى التلميذ درسه في أحسن حال كما يجب على المدرّس الحصول على ترخيص مسبق من إدارة مؤسسته مشفوعا بموافقة السيد المدير الجهوي للتعليم ومراعاة الأهداف التربويّة لهذه الدروس وتجنّب الممارسات اللامهنية واللاّأخلاقية التي تمسّ من سمعة الأستاذ والمنظومة التربويّة.
فهل نحن بهذه الطريقة "البدائية" نلقّن أطفالنا ونضمن الأهداف التربويّة البحتة لهذه الدروس المتمثّلة أساسا في مساعدة التلميذ على تعزيز قدراته وتمكينه من تدارك نقائصه في المكتسبات وتجويد تكوينه وإمكانياته العلميّة ؟ وهل أنّ الأستاذ فعلا يحافظ على كرامته وكرامة بقيّة زملائه ومكانتهم الإجتماعية والمهنيّة وهل هو بعد هذا بمنأى عن كل الشبهات وعديد التشكّيات الصادرة عن الوليّ والتلميذ على حدّ السواء والتي تتعلّق بمخالفة الأستاذ للتراتيب المنظّمة لهذه الدروس الخصوصيّة وما تفرزه من ممارسات منافية للأخلاق والمهنة ومبدأ الأمانة التربوية التي اعتبرها جيلنا السابق أصدق رسالة وأشرف مهمّة ويكفي أن أذكر بقول الشاعر :" كاد المعلّم أن يكون رسولا " ورغم أنّي أستاذ أقول وأؤكّد أن من بيننا من نسي أو تناسى مهنته وأصبح تاجرا محترفا لا تهمّه مصلحة التلميذ بقدر ما يهمّه جمع المال.
والمعلوم لدى الجميع أن سلطة الإشراف لا تعتبر هذا الموضوع التربوي والاجتماعي الشائك من المواضيع المسكوت عنها بل بالعكس إنها اتخذت الكثير من التدابير والإجراءات الصارمة للحدّ من هذه الظاهرة لكن عدم تعاون الوليّ لمقاطعتها وتشبّث التلميذ بها وعدم والاكتفاء بما يقدّم في القسم أزّم المشكلة وصعّب الحلول وفتح الباب على مصراعيه أمام تجاوزات بعض المعلّمين والأساتذة وهذه التجاوزات قطعا لن تطول في الاستمرار أمام حزم وصرامة إجراءات وزارة التربية والتكوين.
وإننا نقترح بعض الحلول الممكنة لهذا الموضوع الذي أصبح موضوع الساعة واهتمام الرأي العام ومختلف وسائل الإعلام والتي أصبحت جميعها ترمي بسهامها نحو المدرّس:
1) ضرورة مزيد تفعيل الأمر ع679دد لسنة 1988 المؤرّخ في 25/03/1988 والمتعلّق بضبط شروط تنظيم الدروس الخصوصيّة وخاصّة ما ورد في فصوله الثلاثة : السابع والثامن والتاسع
2) ضرورة المراقبة البيداغوجيّة لهذه الدروس الخصوصيّة من طرف متفقّدي الموادّ الراجعين بالنظر إلى وزارة التربية والتكوين.
3) المتابعة الإدارية من طرف متفقدين إداريين لهذه الدروس الخصوصية وتطبيق التتبعات الجزائية والإدارية للمخالفين منهم.
4) منح رخصة لصلاحية المحلّ المعدّ لهذه الدروس ومراقبته بصفة دوريّة.
5) محاسبة الأستاذ على مدى ونسبة نتائج هذه الدروس.
6) ضرورة إجراء الأستاذ لفروض تقييميّة لهؤلاء التلاميذ المقبلين على هذه الدروس منذ البداية للوقوف على مدى نقائصهم ومهاراتهم وتكوين مجموعات متقاربة حسب المستوى كلّ على حدة .
7) تحديد سقف تعريفة معيّنة لهذه الدروس حسب المادّة والمستوى التعليمي للتلميذ والشهادات العلميّة للأستاذ وسنوات خبرته في الميدان.
8) توعية الوليّ للحدّ من لهفته وراء هذه الدروس وتعويضها بدروس التدارك التابعة لفرع منظمة التربية والأسرة داخل المؤسسة والتي يعطيها نفس أستاذ القسم الذي يعرف نقاط ضعف وقوّة تلميذه وبأسعار مضبوطة ومدروسة لا ترهق الجيوب.
9) حثّ الوليّ لمنظوره على مزيد الانضباط والانتباه والجدّ والاجتهاد داخل القسم وإزالة فكرة التعويل على الدروس الخصوصية فكم من تلميذ يتقاعس أو يتغيّب عمدا عن الحصص بالمدرسة بتعلّة أنه سيتدارك أمره بالدروس الخصوصيّة، وكم من وليّ يتّصل بإدارة المؤسسة ويطلب بكل جرأة الاستئذان لمنظوره أن يتغيّب عن حصّة مادّة معيّنة لأن له درسا خصوصيّا لدى أستاذ آخر خارج المدرسة في نفس ذلك الوقت فوا الله هذا لعجب عجاب!!!
10) الحدّ من كثرة الدخلاء على هذه المهنة وعدم السماح لهم بممارستها، فكم من طالب أو موظّف يفتقر لأبسط تكوين بيداغوجي أو علميّ في مادّة غير اختصاصه يتعاطى التدريس الخصوصي.
11) تكوين المتخرّجين من الجامعات والعاطلين عن العمل والذين لم يتمكّنوا من النجاح في امتحان "الكاباس" تكوينا بيداغوجيّا ومنحهم ترخيصا مؤقتا لتدريس هذه الدروس الخصوصية مع ضرورة متابعتهم وتأطيرهم تأطيرا بيداغوجيا لمساعدتهم على العمل مع منحهم قروضا خاصّة لتوفير محلّ لائق وتجهيزات ضروريّة مناسبة .
12) توعية التلميذ وتحسيسه بتحمّل مسؤوليّته كاملة وتعويده على عدم التواكل وبصفة مطلقة على الدروس الخصوصيّة وأن يضع في اعتباره أن النجاح مسؤوليّته وحده تجاه ذاته وتجاه عائلته.
13) ولعلّ الأنسب والأفضل لكل هذه الأطراف هو أن يكون الأستاذ محايدا حتى يتمكّن من أداء رسالته على أحسن وجه وبذلك يضمن حقّه وحقّ غيره دون حسابات مسبقة.
14) تحديد مواعيد بداية إعطاء هذه الدروس الخصوصية والتي من المحبّذ أن تكون في أواخر الثلاثي الأول من السنة الدراسية حتى تكون فعلا مراجعة مثمرة ومفيدة ودعما لما قدّم بالقسم.
وفي الختام نقول أن بلادنا التي راهنت وتراهن على الذكاء أن التعليم لن ولم يكن يوما تجارة رخيصة مهما كانت نسبة العرض والطلب، فالعمليّة التربويّة في مضمونها تكتسي جوانب عديدة أهمّها الجوانب الإنسانيّة والاجتماعية والأخلاقيّة، فالمدرّس من حقّه البحث عن مداخيل إضافيّة تساعده على مجابهة متطلّبات الحياة شريطة احترام التراتيب التربويّة والمهنيّة والوليّ كذلك من حقّه أن يدعم معلومات ابنه وينمّي مكتسباته ويراهن على الجودة والتميّز فالنجاح مطلب مشروع وتحقيق النجاح الدراسي من أولويّات الأهداف لدى الجميع، لكن ذلك لا بدّ أن يكون وفق منظومة تربويّة متوازنة وعادلة تراعي حقوق كل الأطراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.