إسناد العلامة التونسية المميزة للجودة لإنتاج مصبر الهريسة    الرابعة على التوالي: الدفاعات الجوية الإيرانية تدمر مقاتلة إسرائيلية من طراز إف 35    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    اتحاد الشغل يدعو النقابيين الليبيين الى التدخل لإطلاق سراح أفراد قافلة "الصمود"    نتنياهو: "إغتيال خامنئي سيُنهي الصراع".. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير الخارجية يتلقّى إتّصالا من نظيره المصري    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    حالة الطقس هذه الليلة    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    تظاهرة يوم الابواب المفتوحة بمعهد التكوين في مهن السياحة بجربة .. فرصة للتعريف ببرنامج التكوين للسنة التكوينية المقبلة وبمجالات التشغيل    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    من هو الهولندي داني ماكيلي حكم مباراة الترجي وفلامينغو في كأس العالم للأندية؟    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    صاروخ إيراني يصيب مبنى السفارة الأمريكية في تل أبيب..    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    "صباح الخير يا تل أبيب"!.. الإعلام الإيراني يهلل لمشاهد الدمار بإسرائيل    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    المؤشرات السياحية بطبرقة عين دراهم تسجل تطورا هاما    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معاناة أم موضة... اختيار أم اضطرار؟
الدروس الخصوصية:
نشر في الصباح يوم 15 - 03 - 2009

لست أدري إن كانت مسألة التربية والتعليم والتكوين بتفاصيلها وجزئياتها تثير اهتمامي وتحرّك سواكني وأحاسيسي بحكم كوني أستاذا ومربيا أم بحكم معاشرتي للتلاميذ واحتكاكي بالأولياء لسنين طوال،
وفي هذا الإطار أودّ أن ألفت الانتباه إلى ظواهر سلوكيّة سيّئة لم تكن موجودة في سلوك جيلي والأجيال السابقة التي تلقّت تربية وتعليما وتكوينا بطرق أكثر انضباطا وإحساسا بالمسؤولية، فهل يقتضي الأمر اليوم التفكير في تذكير الأولياء والمربّين بالثوابت الأخلاقية والمهنية والتعليمية التي تقتضيها تنشئة الأجيال، تلك الثوابت التي لا يمكن أن يغيّرها الزمن مهما طال وتغيّر فهي جرّبت فصحّت إذ أثبتت الدراسات البيداغوجية والتربوية أن الشعوب التي تخلّت عنها في أيامنا ندمت وأدركت سلبياتها وهي اليوم تريد التراجع لكنها لا تستطيع الرجوع إلى الوراء لأن الداء استفحل والمرض انتشر.
بالفعل لقد انتشر طاعون الدروس الخصوصية التي أصبحت شبه إجبارية كما يدّعي بعضهم ففي زماننا كان القليل من التلاميذ الموسرين يتابعون دروسا خصوصية وبصفة تكاد تكون سريّة خيفة أن ينعتهم زملاؤهم بالفاشلين وغير القادرين على استيعاب الدروس داخل القسم ويعتبرونهم أقل ذكاء وأقل مقدرة ذهنية من غيرهم، أما الآن فهذه الدروس يتابعها الجميع دون استثناء فهل هي اختيار أم اضطرار؟
ويدّعي الكثير من الأولياء أن الدروس الخصوصية هي بمثابة سيف مسلول ترفعه فئة من المعلّمين والأساتذة في وجه التلاميذ والأولياء لجعلهم يلهثون وراء هذه الدروس ويعتبرونها بمثابة صكّ النجاح خوفا من الفشل الذريع آخر السنة الدراسية وقت الحساب والعقاب وتصفية الحسابات ولعلّ الغريب في الأمر أن بعض المدرّسين يبدأون في ضبط القائمات وتكوين مجموعات اسميّة منذ العطلة الصيفيّة أي قبل أن ينطلق العام الدراسيّ أما الموسم فيبدأ مبكّرا ومنذ شهر أكتوبر ويشرعون في حملتهم لإعطاء هذه الدروس والضغط على بعض التلاميذ مستعملين سياسة الترغيب والترهيب وتبدأ المسرحيّة بإجراء فرض متحجّر، فإسناد أعداد متدنّية ثم استدعاء الوليّ وإشعاره بضرورة دعم مكتسبات منظوره.
وما هي إلاّ مهلة قصيرة حتى يتحوّل معظم تلاميذ القسم إلى فرق في شكل قطعان بشريّة تتعاطى دروسا خصوصيّة لدى الأستاذ في منزله أو في مكان آخر أجّره للغرض، وهنا نسأل: ماذا درس التلاميذ بالقسم خلال أسبوع أو اثنين حتى يتداركوا ما فاتهم من دروس؟
ويتزاحموا على احتجاز أماكن لدى أساتذة تحوّلوا فعلا إلى نجوم ومشاهير ذاع صيتهم بين التلاميذ والأولياء. كما أن البعض من التلاميذ يقبلون على هذه النوعيّة من الدروس لإرضاء الأستاذ واستجداء المزيد من الأعداد لأنه حسب اعتقادهم ما يقدّم في القسم أصبح غير كاف واعتبار هذه الدروس الخصوصية من المكمّلات الضروريّة والأساسية.
هذه الدروس أصبحت هاجس الجميع للتلميذ المتقاعس وحتى للمتميّز فتفرض على الوليّ البحث عن أستاذ مهما كان الثمن سواء بصفة فرديّة أو في مجموعة لمتابعة هذه الدروس "الموضة".
وهذه الدروس أصبحت لا تقتصر على الموادّ المميّزة كالرياضيات والعلوم والفيزياء بل تجاوزتها وشملت حتى الموادّ الأدبية كالعربية والفرنسية والإنقليزية ولا تستغربوا إن قلت حتى التربية البدنية لتلاميذ الباكالوريا أثناء الثلاثي الثالث. هذه الدروس "الجنونيّة" أو الخصوصية لا تشمل تلاميذ الأقسام النهائية فقط وإنما تعدّتها إلى مختلف المراحل التعليمية الأخرى حتى التعليم الابتدائي والمرحلة الثانية من التعليم الأساسي والمهمّ هو تحسين المردود رغم أنه لو تعقّل الأولياء وتريّثوا لعلموا أن ما يقدّم داخل قاعات الدرس يكفي وزيادة شريطة انضباط وانتباه وتركيز التلميذ داخل القسم. إننا نعجب وبكل أسى وحسرة الكيفية الغريبة التي يأتيها الأولياء من شحن لدماغ الطفل بساعات إضافية على حساب وقت فراغه ولعبه حتى وإن كان التلميذ لا يحتاجها أو لا يرغب فيها أصلا وهذا السلوك ربّما ينجرّ عنه عزوف هذا الطفل عن الدراسة لما يصيبه من ملل وكلل وإعادة لنفس الدروس خلال نفس اليوم أو نفس الأسبوع في حين يتوهّم والده أنه يساعد المدرسة على صنع النجاح والتألّق. فهل حقا أن هذه الدروس الخصوصية قادرة على تحقيق هذا الحلم المنشود؟
ومن المضحكات المبكيات أننا نسمع من بعض الأولياء الذين يؤكّدون هذه الأيام بداية فصل " ازدهار هذه السوق "أن أستاذا يجمع مجموعة من التلاميذ في غرفة منزوية بحديقة منزله كامل اليوم لمراجعة كامل البرنامج لمادّة علميّة واحدة مقابل 150 دينار!"
إننا نتوجّه بالسؤال الصريح والواضح للأستاذ الفاضل والوليّ والتلميذ على حدّ السواء: هل أن يوما واحدا كفيل بمراجعة برنامج كامل بطوله وعرضه، هذا البرنامج الذي وضعه مختصّون وخبراء من وزارة التربية والتكوين على مدى 9 أشهر؟ وهل أن التلميذ حقّق الكفايات خلال هذا اليوم الدراسي المنزليّ!!! أمر يدعونا حقيقة إلى الاستغراب والتعجّب!!!
والمؤلم حقا هو اعتبار هؤلاء التلاميذ سواسية أمام المدرّس عند دفع الفاتورة فلا فرق بين فقير وغنيّ ولا ضعيف ونجيب ولا متقاعس أو مجتهد...
فالأسرة أصبحت تخصّص جزءا من دخلها الشهريّ لإعطائه للأستاذ وهي تحلم أن يصنع من ابنها تلميذا عبقريّا فذّا متفوّقا على كل زملاء قسمه، فيتداين الوليّ لتمكين ابنه من متابعة هذه الدروس "اللّعينة" والتي غالبا ما تدفع مسبقا وعلى حساب قوت أفراد العائلة وعلمنا من مصادر موثوق بها اكتوت بنيران هذه الدروس أن المعاليم تختلف من أستاذ إلى آخر حسب صيته وشهرته وسمعته وكذلك حسب مرحلة وأخرى واختصاص وآخر كما لا ننسى الهدايا التي تقدّم أحيانا في المناسبات وغير المناسبات، فماذا عساه أن يفعل وليّ لثلاثة أو أربعة تلاميذ بالتعليم الثانوي والإعدادي وربّما بالجامعة وكلّ هؤلاء الأبناء يطالبون وبإلحاح بمتابعة دروس خصوصيّة ويتذرّعون بها كأسباب حقيقيّة في عدم نجاحهم أو فشلهم الدراسي؟
في هذه الوضعيّة تجد الأسرة نفسها مجبرة على تخصيص ميزانية لا يستهان بها تفوق أحيانا الميزانيّة المخصّصة للمصاريف الشهريّة لكافّة أفراد الأسرة لهذه الدروس الخصوصية لا تمثّل نهبا لجيوب التلاميذ وأوليائهم بل تعدّى مداها ليدنّس قيمة التعليم والتربية وشرف هذه المهنة النبيلة بينما يرى مجموعة من الأساتذة أن المسؤوليّة يجب أن تلقى كاملة على التلميذ والوليّ.
فالوليّ هو الذي يلاحق الأستاذ ويلحّ عليه تدريس ابنه أو ابنته في المنزل ويلاحقه حتى بفضاء المدرسة وهو الذي يحددّ مبلغا مقابل ذلك، وان رفض المدرّس ذلك يلتجئ الوليّ إلى معارف الأستاذ للتأثير عليه وقبول عرضه.
كما تنفي هذه المجموعة من الأساتذة الاتهامات الموجّهة إليهم : كالضغط على التلميذ وإرهابه لمتابعة هذه الدروس واستغلال الظروف أثناء فترات الامتحانات المحليّة أو الوطنيّة وعبّرت ب: "أنّ الدنيا مازالت بخير" وأن حقلنا التربوي لا يزال نظيفا وشفافا وبمنأى عن كل الممارسات اللاّأخلاقية واللاإنسانيّة وأنهم يحترمون كل التراتيب القانونية والتربويّة الواردة عليهم من سلطة الإشراف لكن كثرة الادعاءات الباطلة وتواتر الأخبار الزائفة حول عمل المدرّسين أساءت إليهم وحوّلتهم إلى تجّار عِلْم ومعرفة وغول يبتزّ وينهب الأسر دون رحمة.
فلماذا لا يلتفت الوليّ إلى نوعيّة عمل المحامي والمهندس والطبيب وغيرهم من الذين يجمعون أموالا طائلة في اليوم الواحد رغم أن ما يقدّمه الأستاذ أو المعلّم لرفع الجهل والضلالة عن ناشئتنا يعدّ من أشقّ المهن وأضناها على الإطلاق، ومن الأساتذة من اعترف بوجود بعض التجاوزات لكنّه قال بأنّ الشاذّ يحفظ ولا يقاس عليه وأنّ الإدارة له بالمرصاد.
وما يزيد في غليان دمي وغضبي عندما اسمع وليا يتذمّر من جشع بعض الأساتذة أو المعلمين وغلاء التعريفة وآكتظاظ مجموعاتهم وضيق الفضاءات المخصّصة لتلقّي هذه الدروس، فأتساءل وقتها: من المسؤول عن هذه السلوكات هل هي الأسرة أم التلميذ أم الأستاذ؟ أعتقد جازما أن هذه الأطراف الثلاثة مسؤولة ولا أبرّئ طرفا دون آخر فالتكالب واللّهفة وراء هذه الدروس الخصوصيّة صنعها الوليّ والتلميذ وربّما استغلّها الأستاذ ولكلّ طرف مصلحته الذاتيّة في ذلك وبالتالي أصبحت الدروس الخصوصيّة داء تفشّى في كيان المنظومة التربويّة يصعب استئصاله ولو تدخّل أمهر الأطبّاء والجرّاحين.
ورغم المناشير والأوامر والمذكرات العديدة التي صدرت عن وزارة التربية والتكوين:
* كالأمر ع677دد لسنة : 1988 والمؤرّخ في 25/03/ 1988
* والمنشور ع101دد لسنة : 1988 والمؤرّخ في 01/09/1988
* والمذكرة ع3539دد صادرة بتاريخ: 09/12/1992
* والمنشور ع83/5-6/95دد مؤرّخ في: 22/11/1995
والتي كان الهدف منها كلها تحديد شروط تنظيم الدروس الخصوصيّة من حيث عدد الأفواج وعدد التلاميذ بكل فوج وعدم انتمائهم إلى أقسام المدرّس والفضاءات المعدّة للغرض التي يجب أن تكون لائقة وتتوفّر على الظروف الضروريّة لحفظ صحة التلميذ والاتساع والتهوئة والإنارة والتجهيزات اللازمة فلا يكون مثلا المحلّ ضيّقا في شكل" قراج" سيارة وبالتالي يجبر التلاميذ على الجلوس أرضا...
والكتابة على ركبهم زيادة على اكتظاظهم وتزاحمهم بالمناكب عند الكتابة كما كان يحدث بالكتاتيب أيّام زمان.
فسلطة الإشراف حريصة كل الحرص على أن يتلقّى التلميذ درسه في أحسن حال كما يجب على المدرّس الحصول على ترخيص مسبق من إدارة مؤسسته مشفوعا بموافقة السيد المدير الجهوي للتعليم ومراعاة الأهداف التربويّة لهذه الدروس وتجنّب الممارسات اللامهنية واللاّأخلاقية التي تمسّ من سمعة الأستاذ والمنظومة التربويّة.
فهل نحن بهذه الطريقة "البدائية" نلقّن أطفالنا ونضمن الأهداف التربويّة البحتة لهذه الدروس المتمثّلة أساسا في مساعدة التلميذ على تعزيز قدراته وتمكينه من تدارك نقائصه في المكتسبات وتجويد تكوينه وإمكانياته العلميّة ؟ وهل أنّ الأستاذ فعلا يحافظ على كرامته وكرامة بقيّة زملائه ومكانتهم الإجتماعية والمهنيّة وهل هو بعد هذا بمنأى عن كل الشبهات وعديد التشكّيات الصادرة عن الوليّ والتلميذ على حدّ السواء والتي تتعلّق بمخالفة الأستاذ للتراتيب المنظّمة لهذه الدروس الخصوصيّة وما تفرزه من ممارسات منافية للأخلاق والمهنة ومبدأ الأمانة التربوية التي اعتبرها جيلنا السابق أصدق رسالة وأشرف مهمّة ويكفي أن أذكر بقول الشاعر :" كاد المعلّم أن يكون رسولا " ورغم أنّي أستاذ أقول وأؤكّد أن من بيننا من نسي أو تناسى مهنته وأصبح تاجرا محترفا لا تهمّه مصلحة التلميذ بقدر ما يهمّه جمع المال.
والمعلوم لدى الجميع أن سلطة الإشراف لا تعتبر هذا الموضوع التربوي والاجتماعي الشائك من المواضيع المسكوت عنها بل بالعكس إنها اتخذت الكثير من التدابير والإجراءات الصارمة للحدّ من هذه الظاهرة لكن عدم تعاون الوليّ لمقاطعتها وتشبّث التلميذ بها وعدم والاكتفاء بما يقدّم في القسم أزّم المشكلة وصعّب الحلول وفتح الباب على مصراعيه أمام تجاوزات بعض المعلّمين والأساتذة وهذه التجاوزات قطعا لن تطول في الاستمرار أمام حزم وصرامة إجراءات وزارة التربية والتكوين.
وإننا نقترح بعض الحلول الممكنة لهذا الموضوع الذي أصبح موضوع الساعة واهتمام الرأي العام ومختلف وسائل الإعلام والتي أصبحت جميعها ترمي بسهامها نحو المدرّس:
1) ضرورة مزيد تفعيل الأمر ع679دد لسنة 1988 المؤرّخ في 25/03/1988 والمتعلّق بضبط شروط تنظيم الدروس الخصوصيّة وخاصّة ما ورد في فصوله الثلاثة : السابع والثامن والتاسع
2) ضرورة المراقبة البيداغوجيّة لهذه الدروس الخصوصيّة من طرف متفقّدي الموادّ الراجعين بالنظر إلى وزارة التربية والتكوين.
3) المتابعة الإدارية من طرف متفقدين إداريين لهذه الدروس الخصوصية وتطبيق التتبعات الجزائية والإدارية للمخالفين منهم.
4) منح رخصة لصلاحية المحلّ المعدّ لهذه الدروس ومراقبته بصفة دوريّة.
5) محاسبة الأستاذ على مدى ونسبة نتائج هذه الدروس.
6) ضرورة إجراء الأستاذ لفروض تقييميّة لهؤلاء التلاميذ المقبلين على هذه الدروس منذ البداية للوقوف على مدى نقائصهم ومهاراتهم وتكوين مجموعات متقاربة حسب المستوى كلّ على حدة .
7) تحديد سقف تعريفة معيّنة لهذه الدروس حسب المادّة والمستوى التعليمي للتلميذ والشهادات العلميّة للأستاذ وسنوات خبرته في الميدان.
8) توعية الوليّ للحدّ من لهفته وراء هذه الدروس وتعويضها بدروس التدارك التابعة لفرع منظمة التربية والأسرة داخل المؤسسة والتي يعطيها نفس أستاذ القسم الذي يعرف نقاط ضعف وقوّة تلميذه وبأسعار مضبوطة ومدروسة لا ترهق الجيوب.
9) حثّ الوليّ لمنظوره على مزيد الانضباط والانتباه والجدّ والاجتهاد داخل القسم وإزالة فكرة التعويل على الدروس الخصوصية فكم من تلميذ يتقاعس أو يتغيّب عمدا عن الحصص بالمدرسة بتعلّة أنه سيتدارك أمره بالدروس الخصوصيّة، وكم من وليّ يتّصل بإدارة المؤسسة ويطلب بكل جرأة الاستئذان لمنظوره أن يتغيّب عن حصّة مادّة معيّنة لأن له درسا خصوصيّا لدى أستاذ آخر خارج المدرسة في نفس ذلك الوقت فوا الله هذا لعجب عجاب!!!
10) الحدّ من كثرة الدخلاء على هذه المهنة وعدم السماح لهم بممارستها، فكم من طالب أو موظّف يفتقر لأبسط تكوين بيداغوجي أو علميّ في مادّة غير اختصاصه يتعاطى التدريس الخصوصي.
11) تكوين المتخرّجين من الجامعات والعاطلين عن العمل والذين لم يتمكّنوا من النجاح في امتحان "الكاباس" تكوينا بيداغوجيّا ومنحهم ترخيصا مؤقتا لتدريس هذه الدروس الخصوصية مع ضرورة متابعتهم وتأطيرهم تأطيرا بيداغوجيا لمساعدتهم على العمل مع منحهم قروضا خاصّة لتوفير محلّ لائق وتجهيزات ضروريّة مناسبة .
12) توعية التلميذ وتحسيسه بتحمّل مسؤوليّته كاملة وتعويده على عدم التواكل وبصفة مطلقة على الدروس الخصوصيّة وأن يضع في اعتباره أن النجاح مسؤوليّته وحده تجاه ذاته وتجاه عائلته.
13) ولعلّ الأنسب والأفضل لكل هذه الأطراف هو أن يكون الأستاذ محايدا حتى يتمكّن من أداء رسالته على أحسن وجه وبذلك يضمن حقّه وحقّ غيره دون حسابات مسبقة.
14) تحديد مواعيد بداية إعطاء هذه الدروس الخصوصية والتي من المحبّذ أن تكون في أواخر الثلاثي الأول من السنة الدراسية حتى تكون فعلا مراجعة مثمرة ومفيدة ودعما لما قدّم بالقسم.
وفي الختام نقول أن بلادنا التي راهنت وتراهن على الذكاء أن التعليم لن ولم يكن يوما تجارة رخيصة مهما كانت نسبة العرض والطلب، فالعمليّة التربويّة في مضمونها تكتسي جوانب عديدة أهمّها الجوانب الإنسانيّة والاجتماعية والأخلاقيّة، فالمدرّس من حقّه البحث عن مداخيل إضافيّة تساعده على مجابهة متطلّبات الحياة شريطة احترام التراتيب التربويّة والمهنيّة والوليّ كذلك من حقّه أن يدعم معلومات ابنه وينمّي مكتسباته ويراهن على الجودة والتميّز فالنجاح مطلب مشروع وتحقيق النجاح الدراسي من أولويّات الأهداف لدى الجميع، لكن ذلك لا بدّ أن يكون وفق منظومة تربويّة متوازنة وعادلة تراعي حقوق كل الأطراف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.