مساء السبت الماضي كان موعدا استثنائيا في رحاب مدينة الثقافة.. كان موعدا مع الدورة التأسيسية الأولى لأيام قرطاج الثقافية للابداع المهجري بكل خصوصياتها المتفردة. تونس الشروق: قدموا من وراء الحدود... من جبال الثلوج.. من الخليج العربي ليعانقوا من خلال الدورة التأسيسية الأولى لأيام قرطاج للابداع المهجري ارض الوطن... ويعلنوا من خلال هذه البادرة الاستثنائية التشبث بالجذور والاعتزاز بالهوية وإن ركبوا قطار الهجرة بفعل الزمن وضرورة الحياة... احتضنتهم مدينة الثقافة بكل حب وشوق ودعتهم الى حيث الصفاء ليبثوا الوطن أشواقهم وحنينهم وينثروا على أرضه الطيبة ثمار ابداعاتهم المنحوتة من رحم الشوق والمعاناة والحنين. كتّاب رواة وشعراء رسامون وسينمائيون وممثلون... جاؤوا الى تونس لاستنشاق نسائمها بشوق ورغبة جامحة في التحليق حيث الأفق الرحب تحت شمس الوطن الجميل. آمال المثلوثي حمامة السلام والثورة سهرة افتتاح الدورة التأسيسية الأولى لأيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري حضرها جمهور غفير استثنائي أتقن فن الانصات وهو يتابع بنخوة ونشوة حمامة السلام والثورة آمال المثلوثي من خلال عرض موسيقى امتد على أكثر من 90 دقيقة حلقت بصوتها القوي والصافي في عوالم إبداعية استثنائية.. أطلت آمال المثلوثي على الركح كحمامة سلام بلباسها الأبيض بمقطع «الليل زاهي» وكأني بها تعدّ الجمهور الذي غص به فضاء مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الى سفر.. رحلة استثنائية عابقة بأريج التحدي وإرادة الانسان الحرّ... على الركح لم تكن آمال المثلوثي جامدة بل كانت تجسّد بحركاتها مضامين أغانيها المفعمة بالتحدي والثورة والانتصار على الضيم وقهر اليأس في الانسان. في أغانيها توقفت آمال المثلوثي بصوتها القوي الصافي عند أمهات القضايا في تونس والوطن العربي... غنت لسوريا «قداش» وسمعنا صوت القنابل وشدت ب «ليبرتا».. وغيرها من الاغاني ذات المعاني العميقة... معاني رفض الاستسلام والاستكانة.. موسيقاها كانت ملازمة لصرخات الحشود في الوطن العربي الرافضة للاستبداد والمنتصرة للحرية ولمعاني الجمال في الوجود. آمال المثلوثي كانت نجمة فوق السحاب وهي تشدو بواحدة من روائعها الخالدة «كلمتي حرّة» في اختتام عرض استثنائي سيحفظه الشارع الفني ويخلّده على مرّ العصور... ولا غرابة ان يقف الجمهور مصفقا معبّرا عن اعتزازه بهذا الصوت الاستثنائي الذي مسح عنّا ادرانا علقت بنا على امتداد سنوات خلت... ولا غرابة أن يتوجها نجمة استثنائية ويكرمها على طريقته. من داخل الأيام علاوة على الجمهور الغفير، تابع سهرة الافتتاح عدد من الوزراء فإلى جانب السيدين محمد الطرابلسي وزير الشؤون الاجتماعية ومحمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية سجلنا حضور السادة المبروك كورشيد وزير أملاك الدولة وعمر الباهي وزير التجارة وسمير الطيب وزير الفلاحة وكمال الحاج ساسي المستشار في رئاسة الحكومة. شدّ معرض تاريخ البحرية التونسية الذي يحتضنه بهو مدينة الثقافة اهتمام الجمهور وأهل السياسة على حد السواء اعتبارا لقيمته التاريخية وما يحتويه من وثائق وأدوات عمل وبواخر تؤرخ للبحرية التونسية في عيد ميلادها الستين. تزامن افتتاح الدورة التأسيسية الأولى لأيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري مع مقابلة تونس والنجير في كرة القدم لم يمنع الجمهور من الحضور بكثافة في سهرة الافتتاح. جرى حوار جانبي مطوّل جمع الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية بالمخرج السينمائي الكبير الناصر القطاري محوره الأساسي مشاريعه السينمائية التي مازالت لم تنجز. مكّنت لجنة التنظيم كل الحضور من وثائق تشمل مختلف تفاصيل برنامج الدورة. حرص الدكتور محمد أحمد القابسي مدير الأيام بالتنسيق مع الأستاذ محمد الهادي الجويني المدير العام للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات على كل تفاصيل سهرة الافتتاح. كان الكاتبان الروائيان أبو بكر العيادي ومحمد الحبيب السالمي متلازمين في كل تحركاتهما في يوم افتتاح الأيام. حيا الجمهور بحرارة ووقف مصفقا لآمال المثلوثي إثر نهاية العرض الموسيقي. طالب الجمهور آمال المثلوثي بتقديم أغنيتها «كلمتي الحرة» عندما كانت تستعد لمغادرة الركح بعد النهاية .آمال المثلوثي لبت الطلب. وجه الرسام أحمد الحجري وهو يتحدث إلى الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية تحية خاصة إلى الكاتب علي اللواتي على اعتبار ما قدمه للفن التشكيلي من آراء ومواقف وقراءات خالدة. لم يخف الإذاعي القدير الحبيب جغام إعجابه بصوت آمال المثلوثي ومضامين أغانيها موجها في ذات الوقت انتقادات إلى صوفية صادق وأمينة فاخت وقال تمنيت لو حضرتا للاستماع إلى الإبداع الحقيقي المنطلق من الأعماق بكل صفاء وصدق لا علاقة له بالتقليد أو إعادة أغاني الغير. كان الأديب حسونة المصباحي محل حفاوة كبيرة. حيا الدكتور الشاعر محمد أحمد القابسي مدير الأيام الحضور بقصيد شعري استحضر فيه روادا كتبوا التاريخ وساهموا في بناء الحضارة الإنسانية انطلاقا من تونس. قالوا عن الأيام الرسام أحمد الحجري (مقيم في باريس) هي بادرة جديرة بالتقدير... تمكن المبدع الذي يعيش بعيدا عن الوطن من الكشف عن إبداعه لأهل بلده... مشاركتي مفاجأة سعدت بها كثيرا وما أرجوه وأتمناه أن يتم بعث سوق في تونس بالمبدعين المهاجرين للتعريف بكل ما ينجزوه في كل المجالات الإبداعية. الممثل أحمد الحفيان (مقيم في روما) أرى في هذه التظاهرة مكسبا لكل المبدعين داخل الوطن وخارجه على حد السواء.. تظاهرة هي رجع الصدى للإبداع التونسي في الخارج وتقدم حجم الذكاء الذي عليه المبدعون بعيدا عن أرض الوطن. الرسّام زياد بن سلامة (مقيم في باريس) مبادرة أولى لا بدّ من الترحيب بها ومباركتها على اعتبار أنها تمكن المبدع المقيم في الخارج من التعريف بإنتاجه... لوحاتي التشكيلية تحمل الحنين إلى الوطن وتؤكد عمق الجذور والهوية التونسية الأصيلة. الكاتب الروائي أبو بكر العيادي (مقيم في باريس) أرى في البداية التأكيد على أن هذه البادرة ليست وليدة اليوم فقد سبق أن بعثت صحبة عدد من الأصدقاء تظاهرة «أسبوع المبدعين في الخارج»... لكن لعديد الأسباب تم إجهاض هذا المشروع ولا غرابة أن يبادر الصديق محمد أحمد القابسي بإحياء هذا المشروع الريادي وأرى من الضروري التفكير في ديمومته وتواصله على كامل السنة من خلال تنظيم لقاءات ومعارض ولقاءات دورية مع المبدعين التونسيين في الخارج واستقدامهم للتعريف بكل إنتاجاتهم الجديدة والعمل على توزيعها على المكتبات داخل البلاد.