مازالت حادثة هدم الحنايا اوجزء منها في جهة المحمدية من قبل مواطنين رأوا فيها احد اسباب تسرب المياه الى منازلهم بعد الفيضانات الاخيرة بالجهة، محل استهجان واستنكار الرأي العام الوطني الذي لم يستوعب بعد هذه الحادثة واصفا إياها بالجريمة الكبرى في حق تاريخ البلاد والإنسانية عموما . وهذه ليست المرة الاولى التي يقع فيها الاعتداء على المعالم التاريخية والاثرية في البلاد نتيجة غياب الوعي لدى عديد المواطنين والهمجية التي طبعت سلوك غالبية الشارع التونسي، وخصوصا في ظل الفوضى والانفلات اللذين عقبا احداث 14 جانفي 2011 . ويكفي ان نعود الى قائمة المعالم الاثرية التي تعرضت للهدم والحرق والنهب بعيد 14 جانفي 2011 للوقوف على حجم الكارثة التي تتعرض اليها البلاد . وتعود هذه الكارثة في الحقيقة، الى جانب همجية بعض المواطنين وغياب الوعي لديهم، الى غياب الدولة، اوعجزها على الأقل عن التصدي لمثل هذه الجرائم ومحاسبة مقترفيها، دون ان نغفل بطبيعة الحال استقالة النخب الفكرية والثقافية وعدم قيامها بدورها الرئيسي في توعية المواطنين وحماية التراث الوطني . ولنا ان نتساءل مثلا بخصوص هذه الكارثة، عن موقف المؤسسات والمنظمات والجمعيات الثقافية التي تعد بالعشرات وربما اكثر، اذ باستثناء وزارة الشؤون الثقافية التي أصدرت بيانا في الغرض تستنكر فيه هذه الجريمة وتطالب بمحاسبة مقترفيها، لا نكاد نعثر على إشارة اوأثر يذكر لتحرك هذه المؤسسات والجمعيات اوحتى حضورها على الأقل كما نتساءل عما اذا كان مقترفوهذه الجريمة مدركين اوعارفين بخطورة وحجم الجريمة التي اقدموا عليها . ان ادراك ومعرفة قيمة المعالم الاثرية والتراث الوطني عموما لدى المواطن يبدأ من العائلة والمدرسة بدرجة اكبر، لان دور المدرسة، الى جانب تعليم الرياضيات والعلوم، هوتعليم الناشئة تاريخ البلاد وحضاراتها وتراثها الإنساني . ويكاد هذا الدور كما هوجلي في النظام التعليمي الحالي يكون مهمشا اوغير ذي قيمة، ولا ادل على ذلك القيمة المتدنية، اوالضارب بلغة المربين، الذي تحضى به مادة التاريخ وغيرها من المواد الاخرى الكثيرة التي لا يعنيها المجتمع اهتماما يذكر مثل الموسيقى والرسم والمسرح … وهنا تتحمل العائلة، الى جانب المدرسة بطبيعة الحال، مسؤولية جهل الناشئة بتاريخ البلاد وتراثها وعدم إيلاء المعالم الاثرية قيمتها الإنسانية . فماذا ننتظر من جيل اقدم أولياؤه على هدم الحنايا مثلا كما حدث مؤخرا في جهة المحمدية، بل لماذا نستغرب من الشباب الذي سافر اوتم تسفيره الى سوريا والعراق لمحاربة « الكفار « وهدم المعالم الاثرية والحضارية هناك في تدمر والبترا على أساس انها اصنام وشرك بالله، في الوقت الذي يأتي أولياؤهم نفس الجريمة اوالسلوك بهدمهم معالم اثرية في تونس مثل الحنايا . اما عن الموقف السلبي للمؤسسات والجمعيات والمنظمات الثقافية من جريمة الحنايا، فهوفي الحقيقة موقف طبيعي اوحتمي من حوانيت ظرفية يقف وراءها انتهازيون لا ينشطون الا بالإملاءات اوكلما توفر الدعم المالي سواء من الداخل اومن الخارج، ولا ادل على ذلك توقف نشاط غالبيتها بسبب شح الحنفيات التي كانت تزودها وعجز الدولة عن مراقبتها ومحاسبة أصحابها، بل ان هناك جمعيات كانت تحرض على افعال وجرائم اخطر واشنع من هدم المعالم الاثرية، ولوعاد التاريخ سنوات قليلة لهدمت هذه الجمعيات كامل شبكة الحنايا وكل ما شيده الرومان.