شريط ساحلي وغابات منتهكة،معالم أثرية وإرث ثقافي في اندثار نتاج اهمال وتسيب واستهتار كانت هذه أبرز الإرساليات التي تمخضت عنها الندوة المدرجة ضمن تظاهرة ثقافية عنوانها ب «تراثنا الطبيعي والثقافي في خطر: دور المواطن في صيانة تراثه الحضري».
هذه الندوة كانت من تنظيم جمعيتا «منتدى المواطنة والحكامة» و«منتدى» بالتعاون مع جمعية البحوث والدراسات في ذاكرة سوسة وجمعية» صيانة مدينة سوسة» . وتميزت مداخلة الاستاذ أحمد بوجرّة بطابعها الأكاديمي فإنها لم تخلو من شحنة استياء تجاه التجاوزات التي وصفها بالجرائم المقترفة في حق التراث الطبيعي من شواطئ وغابات مستدلا ببعض الأمثلة كغابة الغضابنة و خليج تونس وشاطئ سوسة الذي تآكل نصفه إضافة الى حالة الخطر التي تشهدها العديد من المناطق التونسية المهددة بالإنجراف مما خلف واقعا وإن يستحيل تداركه في جزء كبير منه فإن ما تبقي يتطلب تدخلا عاجلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على حد تأكيد الأستاذ أحمد. وفي ظل عدم تفعيل القوانين لحماية الشريط الساحلي الذي يمتد على قرابة 300 كلم فإن مظاهر التسيب والإنفلات سواء الخاصة بالتأثيرات الطبيعية أو البشرية جعلت من مميزات هذا الشريط تتقلص بصفة ملفتة للإنتباه وعمقت تراجعها انتهاكات اصحاب النفوذ في العهد السابق والذين تمتعوا باستغلال الملك العمومي البحري سواء لتشييد منازلهم الخاصة أو لتوسيع نزلهم وإقامة مشاريعهم الإقتصادية في ظل تعتيم كامل من طرف السلط المسؤولة. وحمّلت الأستاذة يسرى دعلول عاتي وهي محامية و رئيسة «منتدى المواطنة والحكامة» مسؤولية الأضرار التي لحقت الشريط الساحلي إلى عدة أطراف أولها النصوص القانونية حيث طالبت بمراجعتها وبتطويرها بتفعيل اللاّمركزية مؤكدة على ضرورة تشريك مختلف الأطراف من السلط العمومية ومكونات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة المختصة في هذا المجال إضافة إلى المواطن في سن التشاريع ومختلف الإجراءات والضرب بقوة على كل من تسول له نفسه بالعبث بالتراث الطبيعي واستغلاله وفق مصالح ضيقة مع التوظيف الناجع والحقيقي للمعاهدات الدولية الممضاة كاتفاقية «ريو دجنيرو» و«اتفاقية برشلونة» وإرساء مبادئ الحكامة من شفافية وموضوعية وغيرة على ثروات الوطن التي هي جزء من الهوية على حد تعبيرها . تحت عنوان « قفا نبكي على ذاكرة وآثارنا وتراثنا: من يرحم تراث المسكينة اليتيمة (سوسة) «قدم السيد حمادي الملولي رئيس جمعية «البحوث والدراسات في ذاكرة سوسة» وأحد الوجوه الثقافية. ويعتبر بمثابة ذاكرة مدينة سوسة حيث عاش مختلف المحطات التاريخية بالجهة ويملك العديد من الوثائق النادرة في هذا الشأن حيث عاين بحكم مسؤوليته البلدية السابقة العديد من التجاوزات وفسح له المجال في هذه الندوة لكشف المستور والذي لخّصه في معلّقة كبرى شبّهها بالمرثية عنونها ب «المآسي العشرين لمدينة سوسة» واصفا هذه المدينة ب اليتيمة التي تحنّ على الجميع ولكن لا أحد حنّ عليها من قبل المسؤولين بمختلف مناصبهم بل ساهموا في تشتيت ثرواتها وترسيخ الإبتزاز والإستغلال المشروع وفق مصالح ضيقة إضافة إلى فداحة التعتيم» على حدّ تصريحه في لقاء جمعه ب «الشروق» فسّر فيه بالأدلة والبراهين هذه المآسي العشرين والتي قد نأتي عليها بالتفصيل لاحقا وتتمحور أبرزها حول الآثار التي وجدت تحت الثكنات العسكرية والتي وقع هدمها على أن يقع بناء مختلف الإدارات العمومية ولكن وقع التفريط في تلك الأرض للخواص وأمر أحد الولاة السابقين بردم العديد من الآثار التي تمّ العثور عليها حتى لا تشكّل حجر عثرة أمام المشروع السكني التجاري المخطط بناؤه والذي بني جزء كبير منه حاليا!، ومن النقاط الهامة أيضا التي وقع الإشارة إليها في هذه المعلقة المتعلقة بسوء التصرف في العديد من الأماكن الأثرية وكانت سببا في الكثير من المخلّفات السلبية التي لا زال يعاني منها المواطن في سوسة مثل المائدة المائية بحفرة الحبس والتي تسبّب في تلوّث مستمرّ للبحر إلى جانب مشروع المترو ومشاريع أخرى تراوحت بين التمويه والإستغلال وختم السيد حمادي هذه النقاط العشرين بالنداء التالي «يا محبي هذا الموطن استيقظوا لإنقاذ موطنكم المحمي».
ودعمت الاستاذة وداد مجدوب من خلال مداخلتها المتعلقة بحوكمة التصرف في التراث الثقافي كذلك شخص حافظ مدينة سوسة السيد رياض حاج سعيد حالة التراث الثقافي بالمدينة العتيقة حيث قدّم شريطا مصوّرا شاهدا على مختلف الإنتهاكات الحاصلة في هذه المدينة في ظل ما وصفه بحالة التعتيم المستمر ومساهمة السلط الجهوية وعلى رأسها البلدية في هذه الإنتهاكات المتمثلة في حالات الهدم والبناء بدون رخص تواصلت ما بعد الثورة و تركيز أجهزة التقاط من طرف وكالات الإتصال للهواتف الجوالة على المباني والتي قارب عددها الثماني ومن الطرائف المذكورة وجود بناية غير قانونية بنتها البلدية ذاتها وساهمت في الفوضى التي تعترض كل زائر وهو خارج من متحف سوسة كما تم الكشف عن منطقة أثرية مهملة بالجهة تعددت آثارها على الأرضية وهي عرضة للسلب والنهب كونها بدون رقابة مما يثير العديد من الإستفسارات أولها فيما كانت توظف صفة ومسؤولية المحافظة على التراث التي كانت تتبع مسؤولية المندوب الجهوي للثقافة وبقية الأطراف الذين لهم علاقة بالتراث الثقافي؟ والاستفسارات نفسها تنطبق على السلط المسؤولة على التراث الطبيعي مما يعكس فعلا حالة «اليتم» على حد وصف السيد حمادي الملولي التي انطبعت على ولاية سوسة والتي تتطلب تدخلا عاجلا في حقيقة الأمر يعتبر حقا لتدارك ما يجب تداركه وخاصة لمحاسبة كل من أذنب في حقها.