التزمت الحكومة التونسية بعدم بيع أي منشأة عمومية وبالترفيع في الأجور بعد ضغط من اتحاد الشغل الذي لوح بإضراب عام. ووافقت الحكومة على رفع الأجور وعدم بيع الشركات العامة في اتفاق قد يخفف التوتر الاجتماعي، لكنه يربك التوازنات المالية. فما هي الحلول الاقتصادية البديلة أمام صعوبات التمويل ومديونية عدد من المؤسسات العمومية ؟ «الشروق» اتصلت بالدكتور في الاقتصاد علي عبد الله لمعرفة تداعيات الاتفاق الاقتصادية والبدائل الممكنة. كان الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي قد صرح أنه قد تقرر إلغاء إضراب 24 أكتوبر بعد التوصل لاتفاق مع الحكومة لزيادة عامة على ثلاث سنوات في أجور القطاع العام «الشركات العامة» والتوصل لاتفاق على إصلاح المؤسسات. كما أشار إلى التزام الحكومة بعدم بيع أي شركة عامة. واعتبر علي عبد الله الخبير في الاقتصاد أنه لا يجب الوقوف عند الشعارات المرفوعة من الاتحاد أو الحكومة. فاتفاق الطرفين يتطلب التزامات كبرى وعملا كبيرا، لا سيما وأن الحكومة تعيش ضغوطات آنية تتعلق بالعمل على ميزانية 2019، ومعالجة عدد من المسائل المطروحة، منها المتعلقة بالقروض مع البنك الدولي وارتفاع المديونية وتضخم كتلة الأجور. وقال إنه من المهم مواجهة الرأي العام وتقديم البدائل، ومواجهة التحديات بصورة جدية وجديدة. وفسر ذلك بأن الاقتصاد التونسي يواجه تركة ثقيلة لأزمات متعاقبة عاشتها المؤسسات العمومية دون الحسم فيها وقراءتها جديا من ذلك أزمة التعاضد في السبعينات وأزمة الثمانينات، وأزمة الانفتاح على السوق العالمية دون الاستعداد الفعلي. وهي أزمات تعاقبت دون أي حل جذري وخلفت آثارا. لذا « لا بد من إصلاح القديم حتى يستقيم الجديد». وقد انعكس عن تتابع الأزمات الاقتصادية معاناة الشركات العمومية من الإهمال ومن غياب الحوكمة الدقيقة، ومن ارتفاع نسب المديونية والتي تقارب ما بين 3 او 4 مليار دينار. ودعا إلى ضرورة إعادة النظر في مفهوم المؤسسة العمومية حيث يمكن أن يدخل الخواص بنسب ضعيفة وأن تكون الدولة هي المسير الأول والابتعاد عن النظرة التقليدية التي تنظر للمؤسسة إما عمومية أو خاصة، وهو ما عبر عنه ب»النظرة الابوية القديمة». فمن المهم تقديم إدارة جديدة للشركات المهملة والتي تعاني من غياب حوكمة رشيدة. ويتطلب هذا النوع من الاقتصاد الجديد عدم الانسياق وراء التموقع الايديولوجي في تمثل المؤسسات العمومية. كما لا يجب بيعها بثمن بخس بتعلة خسارتها، حيث من المهم العمل على دعمها وتحسين أدائها وإنتاجيتها. وذكر بسياسة ساركوزي مع إحدى المؤسسات المفلسة والتي كانت رمزا للصناعة الفرنسية، والتي دعمتها الحكومة حتى استعادت عافيتها. وهذا دور الحكومة. من جهة أخرى تحدث الخبير الاقتصادي عن ضرورة العمل على دعم الإنتاج التونسي والصناعة التونسية التي تعاني من إشكاليات عديدة. فأكبر مشاكل الاقتصاد الوطني هو عدم القدرة على تنفيذ سياسة صناعية تونسية. وهو ما يستدعي المراجعة. أما النقطة السلبية الأخرى فتتعلق بصرف أكثر من 70 بالمائة من الميزانية في الأجور دون أن يكون للدولة مداخيل كافية. وقال :»اليوم لا بد من اصلاح كبير في المؤسسات العمومية. لكن الإصلاحات تتطلب إمكانيات. علينا التخلص من النظرة القديمة للمؤسسات إما عمومية وإما خاص و بالتالي يجب التعامل بذكاء في هذه المرحلة، التي تتطلب دعم الإنتاجية، وهو ما يتطلب رفع الأجور.» ومن المهم أيضا القيام بنظرة شاملة في حاجيات المؤسسات من العمال وتوزيعهم. فمن غير الممكن العمل في مؤسسات بكثافة مرتفعة زائدة وأخرى ناقصة، وحل النقص بالانتداب عوضا عن إعادة توزيع الحاجيات. كما تقترن المشاكل بغياب الاستشراف وغياب حسن التوظيف والهيكلة والرسكلة، ومعالجة مشاكل التوظيف وإيقاف الانتدابات لفترة. وهو ما يستدعي العمل على رفع الإنتاجية فعلى اتحاد الشغل وغيره من الهياكل طرح البدائل. ولا بد من دراسات استشرافية ونظرة اقتصادية جدية. وخلص الى القول : «عقدة المنشار هي الإنتاج.»