عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات الإرهاب على الاقتصاد التونسي في عيون الخبراء : «الحرب على الارهاب» ستتمّ على حساب قطاعات حسّاسة
نشر في الخبير يوم 10 - 12 - 2015

إنّ التنمية الحقيقية لا يمكن أن تتوفر إلّا من خلال نظام آمن، يجمع علماء الاقتصاد بصفة عامة والاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة على أن الإرهاب يؤدى إلى الخوف والفزع والقلق والخلل في آليات المعاملات الاقتصادية وهذا يقود إلى التخلف والحياة الضنك.
فعلى سبيل المثال : إن الإنسان سواء كان عاملاً أو صاحب عمل وهو لا يؤمن حياته وحريته وعقله ، يعمل في قلق وهذا يقود إلى ضعف الإنتاجية وقلة الإنتاج.
ورأس المال المهدد بواسطة الإرهاب الذي بطبيعته جبان وأشد خوفاً وقلقاً من العامل، نجده يهرب إلى أماكن ومواطن وبلاد حيث الأمان والطمأنينة وهذا ما نشاهده بعد كل عملية إرهابية حيث نجد خللاً في أسواق النقد والمال والبورصات وارتفاع الأسعار وظهور السوق السوداء وهروب الاستثمار إلى الخارج وهذه الآثار جميعاً تقود إلى خلل في آلية المعاملات الاقتصادية ومن ثم إلى إعاقة التنمية والتخريب في البنية الأساسية والتي تعتبر من مقومات التنمية بسبب العمليات الإرهابية يعتبر تدميراً للاقتصاد وتتطلب أموالاً باهظة لإعادة بنائها وتعميرها وهذا كله على حساب الاستثمارات التنموية.
كما أن التصدي للإرهاب ومحاربته يحتاج إلى نفقات وتكاليف باهظة كان من الممكن أن توجه إلى مشروعات تنموية فيما لو كانت الحياة آمنة مستقرة وكما أن انتشار الخوف والرعب والحذر واليقظة بين الناس بسبب توقع حدوث عمليات إرهابية يقلل من الإنتاج ويضعف الإنتاجية.
وعلى مدار أربع سنوات عانت تونس من الهجمات الإرهابية والتي كانت تتم عن طريق سيارات مفخخة، وتستهدف القيام بعمليات اغتيال سياسي وكذلك اعتماد الحزام الناسف، وفي سياق تزايد الهجمات الإرهابية فإن عملية التعافي الاقتصادي تظل في خطر دائم، خاصة مع استمرار ضعف الطلب على الصادرات التونسية في أوروبا، وتردد الحكومة في تنفيذ إصلاحات بنيوية، بالإضافة إلى فاتورة الأجور والدعم العالية حيث يظل الاقتصاد يعاني من عدم وجود اتجاه قوي للنمو.
وفي هذا السياق بادرت «الخبير» بالخوض في غمار هذا الموضوع المتعلّق بتكلفة الإرهاب على الاقتصاد التونسي وتداعياته توجهنا تبعا لذلك إلى بعض الخبراء والمحلّلين والمسؤولين الذين تفضّلوا بالإجابة والتحليل فيما يلي:
سامي العوادي (خبير اقتصادي وأستاذ جامعي ورئيس مخبر الاستشراف والإستراتيجية والتنمية المستدامة)
القطاع الخاص في بلادنا تكبّد 225 مليون دينار خسائر جرّاء الإرهاب
تكلفة الإرهاب على الاقتصاد التونسي ثقيلة وباهظة وتداعياتها ذات أبعاد اقتصادية ومالية واجتماعية وتمس الدولة والخواص بشكل مباشر، هذه التكلفة وهذه التداعيات تمرّ عبر ثلاث قنوات رئيسية كالآتي:
1- مناخ الأعمال يتضرر كثيرا ممّا يسببه الإرهاب من إرباك وانتظارية للاستثمار المحلي الخاص، وهو انكماش يقلص من حجم التشغيل وبالتالي ترتفع نسبة البطالة. كما يتأثر مناخ الأعمال من الإرهاب بما يسببه من تشويه لسمعة تونس فتتراجع مرتبة تونس في التصنيفات الدولية لتصبح وجهة غير آمنة وغير مستقرة وقد تتأثر بذلك وكالات التنقيط الدولي فتصبح شروط نفاذ بلادنا إلى الأسواق المالية عسيرة من حيث نسبة فائدة أكبر ومدة تسديد أقصر.
2- وللإرهاب انعكاسات مباشرة ومؤثرة على المالية العمومية من حيث إعادة هيكلة المصاريف على حساب مصاريف التنمية والتحويلات الاجتماعية، ذلك أن الإرهاب يضطر الدولة إلى تخصيص جزء من إعتمادات الميزانية إلى مصاريف تسلح وجزء آخر إلى مصاريف أجور بعنوان انتدابات جديدة صلب القوات المسلحة. ولا تملك الدولة التونسية بحكم إكراهاتها المالية حلولا كثيرة لتمويل مصاريف مقاومة الإرهاب، فهي تلتجئ إلى تقليص جزء من الإعتمادات المرصودة سابقا للتنمية وجزءا من مصاريف التحويلات الاجتماعية أو الضغط على الانتدابات مثلها كما هو الحال بالنسبة للسنة القادمة 2016.
3- وفي كل الحالات، فإن توازنات المالية العمومية تزيد انخراما بحكم اللجوء إلى التداين ويكون لذلك تداعيات اجتماعية سيئة من حيث انكماش الانتدابات العمومية والضغط على بقية المصاريف الاجتماعية.
إلا أن القناة التي تمر منها التداعيات الاقتصادية للإرهاب تتمثل في الضربة الموجعة والقاصمة التي تلقّاها قطاع السياحة، ولنا في عملية سوسة الإرهابية عبر ودروس، وتتمثل تداعيات الإرهاب على قطاع السياحة في إلغاء الحجوزات الجارية والمبرمجة، وفي انخفاض عدد الليالي المقضاة ورقم أعمال النزل والمطاعم ومداخيل الدولة من العملة الصعبة. ولا شكّ أن ذلك ينعكس مباشرة على التشغيل بسبب اضطرار النزل إلى تسريح عدد من العمال. بل أن تداعيات الإرهاب على السياحة تتجاوز القطاع السياحي إلى قطاعات أخرى، ذلك أن تقلص النشاط السياحي تتأثر منه عدة قطاعات في علاقات تبادل مع السياحة مثل النقل الجوّي والبرّي والبحري والتغذية والمطاعم والأنشطة الترفيهية. وللتذكير فإن خلق موطن شغل واحد مباشر في قطاع السياحة يتسبب في خلق 1،4 موطن شغل غير مباشر في القطاعات الأخرى.
وإن لا يمكن ضبط تكلفة الإرهاب كميا بصفة دقيقة فإنه يمكن الإشارة إلى بعض المعطيات، مثل دراسة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات التي تقدر أن القطاع الخاص في بلادنا تكبّد 225 مليون دينار خسائر جرّاء الإرهاب كما يمكن الإشارة حسب نفس المصدر إلى أن التكلفة الجملية تبلغ 1125 مليون دينار أو 8،1٪ من الناتج الداخلي الإجمالي، وهنالك تقديرات أخرى مثل تقديرات مركز دراسات الأمن الشامل التي تحدد التكلفة المالية للإرهاب بألف مليون دينار سنويا، وإذا كان هذا الرقم دقيقا فهو يمثل تقريبا خمس ميزانية التنمية.
وعلى أي حال فإن تفحص مشروع ميزانية الدولة لسنة 2016 ينبؤ بأكثر من دلالة على الحجم الثقيل لتكلفة الإرهاب حيث وقعت برمجة ارتفاع في ميزانية الدفاع ب11٪ وفي ميزانية الداخلية ب14،5٪ على حساب وزارات أخرى مثل التنمية والتشغيل والفلاحة.
إلاّ أنه لا يجوز تهويل المسألة، فمقولة مرور الاقتصاد التونسي إلى اقتصاد الحرب أو اقتصاد الإرهاب لا تستقيم، فهناك دول شبيهة ومنافسة لنا مثل المغرب تتحمل مصاريف حرب ثقيلة منذ سنوات ضد البوليساريو ولم يتحدث مفكروها عن اقتصاد الحرب.
المطلوب اليوم من كل الأطراف تحمل مسؤولياتها في مقاومة الإرهاب. فتسليح الأمن والجيش وتأهيلهما وتعزيزهما مسألة ضرورية وإستراتيجية، والدولة مطالبة بتخصيص الإعتمادات اللازمة لذلك، ولكن لا يجب أن يتم ذلك على حساب ميزانية التنمية فتتضرر خاصة مشاريع البنية التحتية في الجهات الداخلية ولا على حساب ميزانية التصرف فيتضرر من ذلك الإجراء وطالبي الشغل أي الشباب الجامعي الذي بدأ يتململ اليوم على خلفية حجب الانتدابات في الوظيفة العمومية.
وتوجد حلولا لذلك إذا تحمل كل طرف مسؤولياته تتمثل رئيسيا في دعم الموارد الجبائية للدولة عن طريق ترفيع محسوس في نسبة استخلاص الجباية أوّلا، وفي مقاومة التهرب الضريبي ثانيا، واستخلاص المتخلدات الجبائية والخطايا وأصحابها معروفين ثالثا، وإدماج قطاعات متفصية بطريقة غير قانونية من الواجب الجبائي مثل التصدير والفلاحة والقطاع الموازي رابعا.
جنات بن عبد الله (أستاذة جامعية ومحللة اقتصادية)
«الاحتماء وراء تكلفة الإرهاب للترفيع في الضرائب»
إن طرح هذا السؤال بخصوص تكلفة الإرهاب على الاقتصاد التونسي لا يمكن الإجابة عليه بطريقة مباشرة ولكن يمكننا طرحه بطريقة أخرى وهي من سيدفع فاتورة الإرهاب في تونس، هل هي الدولة من خلال ميزانية الدولة؟
الجواب أنّ من سيدفع فاتورة الإرهاب ليست الدولة ولكن ميزانية الدولة التي يمولها المواطن التونسي من خلال الاداءات والضرائب وتسديد الدين وخدمة الدين.
إن الاحتماء اليوم وراء تكلفة الإرهاب للترفيع في الضرائب هي السياسة الجديدة التي ستتبعها حكومة الائتلاف لمزيد تفقير الشعب التونسي وتركيعه لترك المجال مفتوحا أمام الشركات النفطية العالمية لنهب ثروتنا البترولية.
فاتورة الإرهاب ستقتلع من ميزانيات التربية والتعليم والبحث العلمي والثقافة والصحة والنقل.
بعبارة أخرى لا يكفي ما يعانيه اليوم المرفق العمومي من تهرئة حيث نلاحظ ذلك في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا التي فرض عليها إرهاب الدولة من خلال تخليها عن رصد الاعتمادات اللازمة لحفظها وحمايتها لتترك المجال واسعا أمام القطاع الخاص ليمتص ميزانية العائلة ويدخلها في دوامة «الروج» والقروض البنكية.
كما نلاحظه في القطاع الصحي الذي بقي يختنق تحت وطأة شح الميزانية لتتحول المستشفيات في كامل تراب الجمهورية إلى فضاءات مهجورة إلا من المرضى الذين استسلموا أمام سياسة التهميش والإقصاء ويتحولوا إلى مخزون انتخابي للأحزاب السياسية في الانتخابات.
ستدفعه أيضا منظومة البحث العلمي التي بقيت في انتظار الترفيع في اعتمادات ميزانية الدولة لتتحول إلى ميزانيتي الداخلية والدفاع لانتداب أعوان الأمن لتكرس الحكومة منطق الأمن عوض منطق العلم في مقاومة الإرهاب.
كما أنّ الإجراءات التي جاءت في مشروع قانون المالية لسنة 2016 لم تترجم الوضعية المتأزمة التي يمر بها اقتصادنا الوطني بل واصلت التعاطي معه من منظور اقتصاد يمر بصعوبات ظرفية والحال أننا في مستنقع أزمة مالية خانقة وأزمة اجتماعية زادت الوضع هشاشة وأزمة اقتصادية تؤكده كل يوم المؤشرات الاقتصادية وآخرها ما صدر عن المعهد الوطني للإحصاء بخصوص نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي للثلاثي الثالث لهذه السنة والذي سجل انخفاضا بنسبة 0.1 بالمائة بحساب الانزلاق السنوي، أي مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، وارتفاعا بنسبة 0,1 بالمائة مقارنة بالثلاثي الثاني من السنة الحالية إلى جانب الأزمة الأمنية والتهديدات الإرهابية. إن الحديث اليوم عن أننا بصدد مناقشة ميزانية حرب هي مغالطة للشعب لأن ميزانية الحرب تتطلب رصد اعتمادات ضخمة للتسلح وتوفير المعدات والتجهيزات الحربية اللازمة في إستراتيجية الدفاع والحال أن كل ما في الأمر أن وزارتي الداخلية والدفاع ستقومان بانتدابات إضافية بل أن الانتدابات في الوظيفة العمومية ستقتصر تقريبا على هذه الانتدابات الإضافية.
لطفي المرايحي (الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري)
«الإرهاب لا بد أن يدفعنا إلى اعتماد اقتصاد حرب يجعلنا نعول على قدراتنا الداخليّة»
إن الاقتصاد يستوجب مناخا عاما قوامه الاستقرار ووضوح الرؤيا حتى يزدهر وتتكثّف معاملاته وهي الشرط الأساسي للانتعاشة.
والاقتصاد التونسي كان يعاني فبل تنامي الظاهرة الإرهابيّة ركودا مرده إفلاس المنوال الليبرالي المنتهج والسراب الذي كان يدعو له النظام المطاح به وحكومات ما بعد الثورة من ضرورة فتح اقتصادنا على العالم. وهو ما يعبر عنه بإدراج تونس في المنظومة الاقتصادية العالميّة. وقد تبين بطلان هذه المزاعم بعد أن قادت إلى تفكيك النسيج الاقتصادي الوطني وخاصة الصناعي منه الذي لم يقو على مجابهة المنافسة الدوليّة.
وطبعا مثل تنامي الإرهاب عائقا جديا أمام استقرار الوضع الاقتصادي ولو على مستوى الركود الذّي كان يتخبط فيه. فاستهداف القطاع السياحي الذي هو الحلقة الأكثر هشاشة والأكثر تأثرا بالعوامل الخارجيّة حرم تونس من موارد لا بأس بها. فرغم تراجع هذا القطاع منذ السنوات الأخيرة لحكم بن علي وخلال سنوات ما بعد الثورة إلا أن العمليات الإرهابيّة التي سجلت قصد إضعافه رأسا وأصابته في مقتل. وموارد السياحيّة هامة جدا لأنها مقبوضة بالعملة الصعبة وتساهم بذلك في خلاص الدين الخارجي وفي تغطية عجز الميزان التجاري.
كما قطعت العمليات الإرهابية الأمل في الاستثمار الخارجي الذّي كان شحيحا أصلا قبلها. فمن ذا الذي سيقدم على المجازفة بأمواله في بلد يخوض حربا حقيقيّة ولم يعد أمام التونسيين من بد سوى التعويل على قدراتهم الذاتية. إلا أن هذا يتطلب مجموعة مراجعات للتوجهات والسياسات الاقتصادية السارية المفعول والتي بنيت على كلمة السر:»الاستثمار الخارجي».
إن ما يخلفه الإرهاب في النفوس من خوف من الحاضر وتوجس من القادم يجعلهم يخفضون من نسق الإنفاق والاستهلاك ويغلبون الإيثار والادخار توقيا لقادم الأيام وصعوباتها. وطبعا تراجع الاستهلاك ينجر عنه تراجعا في النمو الاقتصادي. كما يضيف باب الرزق أمام المهن الصغرى والحرّة ويضاعف من حدّة الاحتقان الاجتماعي.
إن الإرهاب فرصة ثمينة لتونس وللاقتصاد التونسي حتى نقدم على مراجعات لم نقدر على القيام بها في الأوقات العادية بدافع الكسل الفكري وضعف العزيمة السياسية والأفق الضيق والبسيط.
فالإرهاب لا بد أن يدفعنا إلى اعتماد اقتصاد حرب يجعلنا نعول على قدراتنا الداخليّة ونحد بشكل صارم في استيراد المواد الاستهلاكيّة. وبذلك نعدل ميزان الدفعات ونسد جانبا من عجزه. ويكون فرصة للانتعاش مؤسساتنا بتخلصها من المزاحمة الأجنبيّة التي لا تقدر على مجابهتها فيشتد عودها ويتحسن أداءها وتصبح لاحقا قادرة على المنافسة.
سمير التليلي (خبير محاسب)
«تداعيات الارهاب على الاقتصاد التونسي على جميع الأصعدة»
تكلفة الإرهاب على الاقتصاد التونسي :
1. على مستوى المالية العمومية :
– المساهمة في انخرام توازنات المالية العمومية بحكم تعبئة موارد إضافية ومستعجلة لمعالجة هذه الآفة.
– الحد من الاستثمارات التنموية بحكم تحويل وجهة الاعتمادات التي كان من المفروض صرفها على مشاريع إنمائية الدولة في اشد الحاجة إليها لمجابهة الفقر والخصاصة في الجهات المحرومة.
– المساهمة في تضخم الدين الخارجي في حالة اللجوء إلى الاقتراض الدولي لتعبئة الموارد الضرورية.
– تراجع رصيد البلاد من العملة الصعبة من جراء انعدام عائدات السياح الأجانب.
– تراجع في العائدات الجبائية للدولة من جراء تعطل نسبة النمو.
2. على مستوى الاستثمارات الخارجية :
– تقلص الاستثمارات الخارجية الوافدة على البلاد من جراء تدني ثقة المستثمرين في قدرة الدولة على تأمين الأمن الداخلي.
– تدني تصنيف البلاد في السوق المصرفية العالمية وما ينجر عنه من تكلفة إضافية في حالة إلى اللجوء إلى الاقتراض الدولي.
3. على مستوى الاقتصاد الداخلي :
– تدني العائدات المتأتية من النشاط السياحي من جراء عزوف السياح على زيارة البلاد و تأثيرها على كل القطاعات ذات الصلة المباشرة والغير مباشرة.
– تزايد عدد العاطلين على العمل من جراء إحالة جزء كبير من العاملين في قطاع السياحة على البطالة.
– تدهور مناخ الأعمال الداخلي وما ينجر عنه من عزوف المستثمرين على القيام باستثمارات جديدة من شأنها أن تساهم في نسبة النمو الداخلي.
– تدني نسبة الاستهلاك الداخلي من جراء عزوف المستهلك على التنقل بين الفضاءات التجارية لتخوفه من إمكانية حدوث عمليات إرهابية أخرى تطيل هذه الفضاءات.
– المساهمة في تقوية نسبة التضخم في بعض القطاعات المرجعية من جراء لجوء رؤوس الأموال إلى الاستثمار في القطاعات الآمنة وخاصة منها العقارية بحكم تدني ثقة أصحاب رؤوس الأموال في الأوراق النقدية.
تدني نسبة المنتوجات الفلاحية من جراء عزوف الفلاحين الناشطين في المساحات المحاذية للمناطق التي تنشط فيها المجموعات الإرهابية على استغلال أراضيهم خوفا من مصادرة إنتاجهم من طرف هذه المجموعات.
هشام عجبوني (خبير محاسب و عضو المكتب السياسي للتيار الديمقراطي)
«لابدّ من محاربة الفساد الذي ينخر البلاد ويمثّل وجها من أوجه الإرهاب»
يمثل الاستقرار الأمني عاملا مهما جدا و مؤثرا في تطور الاقتصاد وازدهاره، ودون أمن لا يمكن لرجال الأعمال تحمّل المخاطر والقيام باستثمارات يمكن أن تساهم في استيعاب جزء من العاطلين عن العمل وفي تحريك الدورة الاقتصادية.
وللأسف الشديد، تمثل ظاهرة الإرهاب إشكالا كبيرا يجب على الدولة معالجته بصفة جذرية ومستعجلة، إذ أنّ العمليات الإرهابية التي شهدتها بلادنا كانت سببا أساسيا في الانكماش الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية التي تعيشها تونس، خاصة في غياب سياسة تواصليّة ناجعة للحكومة قادرة على التقليل من آثارها على المستوى الدولي والوطني.
كما أنّ غياب إستراتيجية واضحة المعالم لمحاربة هذه الظاهرة العابرة للقارات ساهم في هروب العديد من المستثمرين إلى بلدان أخرى، خاصة في غياب ضمانات أمنيّة لرجال الأعمال للاستثمار في بلادنا وفي غياب حماية لمؤسساتهم الاقتصادية.
وبالتالي كانت كلفة الإرهاب عالية وآثاره سلبية جدا على الاقتصاد التونسي الذي ستناهز نسبة نموّه الصفر مع نهاية سنة 2015 وعلى الحكومة التحرّك بسرعة وبنجاعة للتقليل قدر الإمكان من هذه الكلفة ووضع قانون ماليّة لسنة 2016 يأخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل والشروع في الإصلاحات الكبرى التي ستمثل عاملا إيجابيا للدفع بعجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي، كإصلاح المنظومة الجبائية والبنكية والقضائية والإدارية ووضع منوال تنمية جديد يتماهى مع خصائص البلاد ومع مقتضيات الاقتصاد العالمي.
بطبيعة الحال، الاستقرار الأمني غير قادر لوحده في دفع عجلة الاقتصاد بل نحتاج إلى رؤية وتصوّر وبرامج واستقرار وضمانات تشريعية ومناخ استثمار نظيف وإلى القطع مع البيروقراطية وتطوير الإدارة وتبسيط الإجراءات وتحقيق سلم اجتماعية وإعلاء قيمة العمل لدى التونسيين ومحاربة الفساد الذي ينخر البلاد والذي يمثّل وجها من أوجه «الإرهاب».
آرام بالحاج (خبير اقتصادي ودكتور جامعي)
«لابدّ من ترسيخ قيم العمل وتفعيل تنمية جهويّة متوازنة وتثمين الرّأسمال البشري»
ما من شكّ أنّ أيّ حرب تنتج عنها تداعيات متعدّدة الأبعاد: مالية واقتصادية واجتماعية وسياسيّة…في تونس، الحرب على الإرهاب هي حرب قديمة جديدة وهي غير تقليديّة وسيكون لها انعكاسات متنوّعة. فهي حرب طويلة المدى وجب تخصيص إمكانيّات مادية وبشريّة هامة لكسبها.
الحرب على الإرهاب تفرض على الفاعلين على السّاحة الوطنيّة (أوّلهم الدّولة) معادلات صعبة أهمّها تخصيص إعتمادات ماليّة هامة للجانب الأمني والوقائي على حساب الجانب الاقتصادي. في تونس، من أهمّ التّداعيات المباشرة كانت التّرفيع في الميزانيّة المخصّصة لوزارتي الدّاخلية والدّفاع وذلك لتعزيز القدرات الأمنيّة والعسكريّة لمجابهة هذه الظّاهرة
على سبيل المثال، في قانون الماليّة لسنة 2016، وقع تخصيص ثلث الميزانيّة لهاتين الوزارتين. هذه النّفقات، وإن كانت ضروريّة، فهي ستكون حتمًا على حساب مجالات أخرى (استثمار، بنية تحتيّة، تعليم…) من شأنها دفع عجلة الاقتصاد
تجدر الإشارة في نفس السّياق إلى أنّ ظاهرة الإرهاب تفرض واقعا جديدا وتدفع نحو إعادة النّظر في الخيارات والأولويّات. هذا التمشّي أصبح واضحا وجليّا في تونس، خاصة وأنّ أولويّة الأولويّات أوكلت للقضاء على الإرهاب (على الأقل نظريًّا). أمّا الهاجس الاقتصادي، ولئن كان موجودًا، فهو في مرتبة متأخّرة من حيث الأهميّة والأولويّة بالمقارنة مع الهاجس الأمني
ولكن، ما يلفت الانتباه في إعادة ترتيبب الأولويّات وتخصيص إعتمادات هامة للجانب الأمني هوّ غياب المنحى الإصلاحي للمنظومة الأمنيّة والعسكريّة. فالجانب المالي، على أهميّته، غير كافي في ظلّ غياب أهداف تهمّ الجانب الهيكلي. هذا التّغييب يدفع إلى طرح عديد التّساؤلات حول جديّة التّعامل مع ملف الإرهاب في البلاد
إنّ الظروف الصّعبة التي تشهدها بلادنا لا يجب أن تُحبط العزائم. بل على العكس، وجب المضيّ قُدُما في تفعيل الإصلاحات الاقتصادية والأمنية المرجوّة. اقتصاديا، وجب العمل على تركيز وإدارة «اقتصاد حرب» بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى بما أنّ البلاد تعيش على وقع حرب على الإرهاب. هذا النّوع من الاقتصاد يتطلّب وجود إرادة سياسيّة وطنيّة قويّة تُؤمن بالإصلاح. كما يتطلّب عقليّة تقوم على تقديم التّضحيات من كافة شرائح المجتمع ومن طرف كلّ الفاعلين الاقتصاديين وذلك لمجابهة الهزّات التي يخلّفها الإرهاب
المطلوب إذن قبل كلّ شيء هوّ ترسيخ قيم العمل والتّركيز على الإنتاجيّة وخلق الثّروة. المطلوب أيضا هوّ تفعيل تنمية جهويّة متوازنة والحدّ من الفوارق الاجتماعية. المطلوب أخيرًا (وليس آخرًا) هوّ تثمين الرّأسمال البشري عبر تدعيم الاستثمارات في الصحّة والتّعليم والتّكوين والثّقافة لخلق أجيال تُؤمن بالحياة والوطن وتدحر ثقافة الموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.