مثل التحوير الوزاري هاجس الساحة السياسية منذ أشهر خاصة مع الشغورات في بعض الوزارات وتعطل وزارات أخرى رغم أهميتها ما جعله مسالة ملحة لتواصل الحكومة عملها حتى الانتخابات المقبلة. تونس «الشروق» أعلن رئيس الحكومة مساء الاثنين عن فحوى التحوير الوزاري الذي أجراه وقد شمل 18 حقيبة وزارية بين وزراء تم تعويضهم وحقائب وزارية جديدة أو خطط تمت إعادتها بعد التخلي عنها في وقت سابق مثل وزارة الوظيفة العمومية التي اسندت لكمال مرجان. لا شك في ان المواقف من هذا التحوير تباينت بين داعم ورافض لكن ما هو التقييم الموضوعي الذي يمكن ان نسنده حقيقة للتركيبة الجديدة التي قررها رئيس الحكومة؟ وهل ان ايجابيتها اكثر من سلبياتها او العكس؟. الإيجابيات مثل التحوير الوزاري محطة مهمة في مسار الازمة السياسية في تونس حيث انها وفرت فرصة مناسبة لاعادة ترتيب المشهد السياسي وفق علاقته بالحكومة الجديدة والابتعاد عن الغموض الذي اكتنف المرحلة السابقة ليكون هناك فرز حقيقي وعملي. وفي هذا السياق فان التحوير الوزاري وبالكيفية التي تم بها فقد وفر فرصة للاطراف السياسية والاجتماعية او وفر لها نقطة ارتكاز حقيقية في مواقفها فوجدنا ان المواقف السياسية دفعت الى الوضوح اكثر فمن هو مع هذا التحوير فهو مع الحكومة ومن ضده فهو معارض لها وان كان من احزاب السلطة. ومن بين ايجابيات هذا التحوير سد الشغور في حقائب مهمة منها وزارة السياحة حيث كانت وزيرة السياحة سلمى اللومي قد استقالت مطلع الشهر الجاري لتلتحق بمنصبها الجديد في رئاسة الجمهورية وتم تعويضها بشخصية أجمع المتدخلون في القطاع على اهليتها لتقدم الاضافة الى السياحة التونسية وهو روني الطرابلسي. كما تم سد الشغور في وزارة العلاقة مع الهيآت الدستورية وحقوق الانسان التي ظلت كانها غير موجودة منذ اقالة المهدي بن غربية اضافة الى اعادة وزارة الوظيفة العمومية والاصلاح الاداري والتي تم أيضا التخلي عنها منذ استقالة عبيد البريكي بالرغم من اهمية تلك الوزارة خاصة في الظرف الراهن كما تم اختيار شخصية ذات كفاءة في هذا القطاع وهو كمال مرجان رئيس حزب المبادرة الذي كانت له تجربة في هذا الاختصاص مع الاممالمتحدة الى جانب تجربته السابقة مع حكومات بن علي. وحمل هذا التحوير معطى آخر لا يقل اهمية عن المعطيات السابقة وهو ابعاد اغلب الوزراء غير المتحزبين والذين التحقوا بالحكومة السابقة عن طريق احزابهم ليفسح المجال امام شخصيات اخرى متحزبة او احزاب جديدة مثل حزب المبادرة وحزب المشروع اللذين اصبح كل منهما ممثلا بشكل جدي وعلني في الحكومة. كما تحسب لهذا التحوير عملية تعيين احد اهم اهل الاختصاص في قطاع الصحة على رأس الوزارة وهو الدكتور عبد الرؤوف الشريف المعترف له بالكفاءة والنضال في قطاعه والدراية بما يمر به قطاع الصحة في بلادنا خاصة المشاكل التي أرهقته خلال السنة الماضية مثل نقص الأدوية. ولعل ما حصل في وزارة الشؤون المحلية والبيئة يستحق التنويه أيضا حيث وقع اختيار شخصية لها تجربة كبيرة في ادارة الشؤون المحلية وهو مختار الهمامي الذي قضى عشرات السنين في ذلك الاختصاص ويعد اكثر الشخصيات اهلية لادارة تلك الوزارة بشكل عملي. السلبيات ربما لا يمكن لرئيس الحكومة او الاطراف المتحالفة معه تفادي وجود سلبيات في التحوير الوزاري فالوضع السياسي المتازم يجعل تلك السلبيات امرا لا مناص منه خاصة مع الشكل المتسرع الذي تم به التحوير وكان ابرز سلبياه تعميق الهوة بين الفرقاء السياسيين. وفي هذا الاطار فقد ساهم هذا التحوير الوزاري في القطيعة بين الحزب الاغلبي سنة 2014 حركة نداء تونس ورئيس الحكومة وحكومته ككل حيث دعا النداء أعضاء الحكومة المنتمين اليه الى الاستقالة من الحكومة او من الحزب في اشارة على انتهاء علاقتهم بالحكم زمن الشاهد. وفي السياق ذاته فقد ساهم التحوير في تعميق الأزمة بين مؤسسات السلطة التنفيذية حيث عزز القطيعة بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية اضافة الى تعميق الازمة بين رئاسة الحكومة واكبر منظمة وطنية وهي الاتحاد العام التونسي للشغل الى جانب منظمة الأعراف التي أكدت عدم استشارتها أيضا. وعلى المستوى السياسي كذلك جعل هذا التحوير من بعض الأحزاب مشاركة في الحكومة غضبا منها مثل حزب حركة نداء تونس وحزب المسار فكل منهما تبرأ من ممثليه في الحكومة الذين رفضوا بدورهم الانصياع لقرارات احزابهم فنجد ان ممثلي نداء تونس وممثل حزب المسار وزير الفلاحة رفضوا الاستقالة من الحكومة. وعلى مستوى نجاعة التحوير خاصة وان رئيس الحكومة قال انه يهدف الى تحسين الوضع الاقتصادي فان اغلب القراءات السياسية خاصة ترى ان ذلك مجانب للصواب فاغلب الوزارات الاقتصادية ظلت كما هي فباستثناء تغيير كاتب دولة في وزارة التجارة وبعث وزارة للاقتصاد التضامني والاجتماعي. وفي السياق ذاته لم يقدم رئيس الحكومة التقييم الذي أجراه لأعضاء حكومته والذي تم بمقتضاه تحديد المواقع التي يجب ان تشهد تغييرا كما لم يقدم البرنامج الذي سيطبقه الوزراء الجدد ما جعله تحويرا فقط من اجل التحوير او تحويرا سياسيا بامتياز اي ان اهدافه سياسية وليست اقتصادية. حقائب جديدة أو تمت إعادتها - كمال مرجان وزيرا للوظيفة العمومية وتحديث الإدارة والسياسات العمومية - رضوان عيارة وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالهجرة والتونسيين بالخارج - محمد فاضل محفوظ وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالعلاقة مع الهيآت الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان - شكري بن حسن وزيرا لدى رئيس الحكومة مكلفا بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني