رَغم فوائدها المَعروفة في البِناء والتَعمير ورَمزيتها المشهورة في مُقاومة المُستعمر البَغيض فإنّ الحِجارة قد تُستخدم كذلك لإزهاق نَفس بشرية لا ذَنب لها غَير عِشقها المَجنون لكرة القدم أومُطاردة «الخُبزة» عبر الجلد المَنفوخ كما حَصل مع ابن الكامرون «إيبوسي» الذي جاء إلى الجزائر ليلعب ويُمتع النَّاس بأهدافه ورَقصاته الافريقية المُميّزة دون أن يَخطر على بَاله بأنّه سيموت بحجارة طَائشة ألقتها يد عَابثة وقد لا تَكفي جميع عقوبات الدنيا ليدفع صَاحبها ثمن جَريمته البَشعة. حَادثة مَقتل «إيبوسي» هزّت القلوب وأصبحت من المَراجع الأساسية للتَّذكير صَباحا مساءً بخطورة استعمال المُقذوفات في المُنافسات الرياضية لكن يبدو أن بعض العُقول الهَمجية في المَلاعب التونسية لا تَتّعظ من دُروس وتَجارب الآخرين وتُحرّرُ في لحظة طيش «نَفسها العُدوانية» لرشق اللاعبين والحكّام والإعلام بالقَوارير والألعاب النَارية قبل أن تَتمادى وتَستخدم في هُجوماتها المُخزية «حَجر الصوّان» وهو قَاتل ومُشعل للنيران دون الحَاجة إلى الكَبريت. «دوري الحِجارة» بَعد كان عبد الناظر قد نَعتها ب»العَار»، اكتسبت مُنافساتنا المحلية صِفة ثانية وهي «بُطولة الحِجارة» بكلّ أنواعها وأحجامها وهذه الخَاصية الجديدة أصبحت مَاركة تونسية مُسجلة ومُصادق عليها في البرلمان بعد أن وقع تَعميمها على كافة الميادين بداية بقابس والمنزه ورادس وُصولا إلى المنستير حيث كِدنا نَخسر حَكما شابا ومُواطنا غَاليا بسبب بطولة فَاسدة يُديرها الجريء ب»الكُوموند» من عيادته المَبنية بالحجر والمَحمية بالحرّاس الشخصيين والأسلاك الشائكة خَوفا من مَقذوفات الغَاضبين وهم في ارتفاع رغم أن المُسابقة مازالت في ثُلثها الأوّل. الجولة الأخيرة من البطولة كانت مُلطّخة بدماء الحكم المُساعد سليم الجبنياني وكانت مُلوّثة أيضا بالمقذوفات الحَادة والحَارقة وتَزداد الصّورة قَتامةً والأوضاع رداءةً في ظلّ انحراف الصّافرة التَحكيمية المُؤتمنة على حفظ حقوق الناس لا سَرقة «عَرقهم» وجُهدهم في واضحة النهار خدمة للعبة الكَواليس التي تُديرها «شبكة عَنكبوتية» رأسها في المنزه وبقيّة فروعها مُمتدة على طول البلاد. وسيقول البَعض طبعا إن الشّغب ظَاهرة عالمية تَنتشر من تونس إلى «بيونس آيرس» التي عَجز أهلها عن تَطويق الانفلاتات التي تُرافق «نهائي القَرن» بين «ريفر بلايت» و»بُوكا جُونيور» وسيؤكد هؤلاء أيضا أن «جَرائم» الحكّام قدر مَحتوم على كرة القدم في سائر أنحاء العالم المُتحضّر والمُتخلّف ومِثل هذه القراءات تُكرّس في الحقيقة ثقافة الانهزامية وتَقبّل الأمر الواقع الذي يُؤكد أن «غُول» العنف موجود فِعلا في جُلّ البطولات والقارات لكن حلم السيطرة عليه ليس بالمُستحيل شرط توفّر الإرادة الضّرورية ولكم في التجربة الأنقليزية في مُحاربة ل «الهُوليغَانيزم» أكبر دَليل. وهذه الإرادة تَأتي من الهَرم الأعلى في السلطة لتتبنّى مُختلف الهياكل الأمنية والقانونية والرياضية والإعلامية هذا «المَشروع الوطني» وتَسهر على تَنفيذه عبر الاجراءات الرّدعية والحَملات التَوعوية ويحتاج الأمر طبعا إلى قرارات مُؤلمة ومُوجعة تُجاه «المُتورّطين» لأن الأمر يتعلّق بسلامة الناس الذين يَقصدون المنشآت الرياضية بوصفها مَنبعا للفرجة والمُتعة لا مَصدرا للفتنة ومسرحا للقَتل كما حصل بالأمس القريب مع مُشجّع الافريقي عمر العبيدي. وقد كنّا نحسب أن الدولة التونسية لن يَنام لها جَفن قبل كشف الحقيقة وإعادة الأمور إلى نِصابها غير أن الأوضاع بقيت على حَالها بل أن رئيس الجامعة تَنصّل من «مسؤوليته الأخلاقية» إزاء هذه «الجَريمة الرياضية» التي كان وَقعا شَديدا. شكوك كَان من الطّبيعي أن تُفرز سياسة الإهمال واللاّمبالاة المَزيد من المآسي كتلك التي عِشناها على هامش الجولة الأخيرة وسط تَفرّج الجامعة التي اكتفت بتوزيع «السترات» على الرياضيين المَعنيين بالجلوس على بنك الاحتياط ظنّا منها أن هذه «العَلامة» سَتحميهم من «الشّرشور» المُتهاطل عليهم من المدرّجات وفيها العَاقل والمُتعصّب وحتّى المَخمور و»المزطّل» و»المُجرم» وهذا ملف آخر يُوضع على طاولة لجان التَّنظيم والأمنيين السّاهرين معا على «تفتيش» المُتوافدين والتثبّت من هُويات ووضعيات كافّة المُتفرجين. ومن المفروض أن تَتحمّل الجامعة مسؤولياتها وتَتعاون مع الجهات المَعنية لتوفير الأمان لكافّة الحَاضرين في الملاعب فَضلا عن «تَنظيف» التَحكيم بما أنّه من العَوامل الدافعة أيضا لإثارة الغَضب والشّغب في صُفوف فئة من المحبين وينسحب الأمر نفسه على الرابطة الوطنية لكرة القادم «المُحترفة» بما أن هذا الهيكل عَبث بمِصداقية المُسابقة وهو ما أنتج مَوجة من الاتّهامات بين الجمعيات المُتنافسة على هذه «الكَعكة» التي تَفوح منها رائحة الفَساد والدّم. ولو أنّنا نشك للأمانة في قدرة الجامعة على الانقاذ لأنّها جُزء من المُشكل مِثلها مثل رابطة محمّد العربي ولجنة التعيينات برئاسة هشام قيراط وكلّ الجمعيات والجِهات التَّابعة ل «المَنظومة» القائمة. الشك يَطال أيضا الوزيرة الجَديدة التي مازالت تحت تأثير الفرحة بالكرسي ونَخشى أن تُغادر المنصب كَسابقيها بصفر من المَكاسب وبالكثير من الدّموع والأوجاع بعد تَوزيع حُزمة من الوعود الوَهمية والمَشاريع الخَيالية لتطوير التشريعات وحَلّ مشاكل التَمويلات والنّهوض بالمنشآت من بنزرت التي يعيش فريقها «هِجرة قَسرية» إلى المتلوي الذي حَكم عليه السادة الوُلاة بالتجوّل بين المَيادين إلى حين إلقاء القَبض عن المُتسبّب في خَراب مَلعبه.