عودة جسور التواصل والحوار بين الحكومة والمنظمة الشغيلة على خلفية الأزمة الحادة التي يعرفها قطاع التعليم الثانوي تعد مطلبا أساسيا لحلحلة الأمور بين الطرفين وإيجاد أرضية تسوية يتفق عليها الطرفان... ذلك أن لغة التصعيد ولغة التراشق بالكلمات وبالتصريحات والبيانات لا تزيد إلا في توتير الأجواء وفي إيجاد أجواء من التنشّج والتصعيد التي لا غالب فيها... بل الكل مغلوب وفي طليعتهم التلميذ والولي والعملية التربوية التي تحوم حولها كل هذه التجاذبات... وقد جرّب أطراف العملية التربوية كل مرة توترت فيها الأجواء وتعطلت فيها لغة الحوار وتوصلوا إلى حقيقة مفادها أن طريق التصعيد والتهديد لا تؤدي إلا إلى تعميق الأزمة ومزيد شحن الأجواء بما يضيع وقتا ثمينا ويفوّت فرص إيجاد حلول توافقية ترضي الإطار التدريسي وتراعي إمكانيات الوزارة ومن خلفها إمكانات الحكومة والبلاد برمتها. ذلك أن المسألة في نهاية المطاف تعني الحكومة وتعني توجهات الحكومة التي يتحرك في إطارها كل وزير ومن ضمنهم وزير التربية بفعل أن الحكومة فريق واحد متضامن وليست مجموعة من الاقطاعيات التي يستأثر فيها كل وزير باقطاعيته ويسيرها وفق رغباته وأهوائه. ولأن مطالب أساتذة الثانوي التي عبروا عنها منذ السنة الفارطة وأدت وقتها إلى تصعيد كبير وخطير كاد يعصف بالامتحانات تتجاوز حدود إمكانات الوزارة فإن الأمر كان يقتضي منذ الصائفة وبدايات السنة الدراسية أن تنكب الحكومة والمنظمة الشغيلة على إيجاد حلول توافقية يقبل بها الطرفان وتمكن من تلافي أزمة عاصفة كانت نذرها قد تكدست منذ الصائفة وحتى قبل العودة المدرسية.. لأن التأخير في إيجاد الحلول وفي ترميم جسور الثقة بين الوزارة والأسرة التربوية لا يخدم مصلحة أحد... ولعل التلميذ والولي يجدان نفسيهما على رأس قائمة الضحايا بفعل أجواء اللخبطة وعدم الاستقرار التي تواكب هذه الأزمة وتدفع نحو إلغاء الامتحانات كما حدث مع فروض الأسبوع المغلق... ليقع التلاميذ والأولياء رهائن وليجدوا أنفسهم وقودا لمعارك لم يشعلوها وليسوا طرفا فيها. والآن وبعد كل هذا التصعيد والتشنّج فإننا لا يمكن إلا أن نبارك أيّة خطوة إيجابية في اتجاه البحث عن مخارج معقولة ومقبولة توقف وتيرة التصعيد التي بدأت تتدحرج لتدفع نحو نقطة اللاعودة وتهدد السنة الدراسية برمتها. والأكيد أنه بشيء من الرصانة والتعقّل سيكون بالإمكان التوصل إلى حلول وسط ترضي كل الأطراف وتفضي إلى ترميم جسور الثقة والتواصل بين الوزارة والمربي... وهي الجسور التي لا بديل عنها لإنجاح العملية التربوية برمتها والانكباب على الملفات الحارقة التي تؤرق الجميع وفي طليعتها ملف الإصلاح التربوي الذي يعد مسألة حياة أو موت لعلاقته العضوية بحاضر تونس ومستقبلها.