تونس/الشروق لماذا استعصى ملف الفسفاط على جميع الحكومات؟ وهل في ذلك فشل حكومي وعجز عن إدارة الازمات ام ان المسالة تتعلق بطبيعة هذا الملف الذي له ألف وجه ووجه؟ ما الذي يعطّل إنتاج الفسفاط ويعطّل من ورائه تعافي اقتصاد البلاد والذي يمثّل الفسفاط عموده الفقري والمتحكم الرئيسي في ميزانه التجاري الخارجي؟ ومن سمح باستمرار الهرسلة لأكبر شركاتنا الوطنية شركة فسفاط قفصة؟ أجواء 2008 تعود خيّمت أجواء 2008 على مناطق الإنتاج في الحوض المنجمي خلال منتصف شهر نوفمبر المنقضي حيث اندلعت الاحتجاجات وانتصبت خيام الاعتصامات وتواترت الاشكال الاحتجاجية بما في ذلك محاولات الانتحار والتهديد بالانتحار وعاش مبنى الولاية ذاته على وقع تجمّهر للمحتجين ومحاولات انتحار طلبا لمراجعة نتائج مناظرة الانتداب المعلنة مساء 17 نوفمبر 2018 وذلك بعد تأجيل مستمر لهذا الإعلان دام سنتين. وكانت الشركة قد فتحت، قبل عامين، مناظرة لسد شغور ب141 منصبا وظيفيا اثر تعطّل الإنتاج بسبب اعتصام طالبي شغل وتم الاتفاق مع المعتصمين على ان يكون الانتداب في هذه المناظرة على الملفات وكان من ضمن النقاط الأساسية التي تم الاتفاق حولها دراسة الحالة الاجتماعية للمترشحين حالة بحالة وذلك عن طريق اجراء لقاءات مباشرة معهم بالتعاون مع لجنة الشؤون الاجتماعية. وامام استمرار تعطّل الإنتاج تمّ الترفيع في حصة سد الشغورات ب150 منصبا وظيفيا جديدا ليصبح العدد في حدود 300 منصب وظيفي ترشّح له عشرات الالاف من المترشحين. وبعد تردد دام سنتين تم مساء 17 نوفمبر اعلان نتائج هذه المناظرة فكان الاحتقان الاجتماعي والاعتصامات واصابة مناطق الإنتاج بشلل شبه تام إذ بلغت نسبة تعطّل الإنتاج وفقا لتصريحات مسؤولي الشركة 60 بالمائة. ولئن عاد الإنتاج في وحدات المتلوي والتي تمثل 75 بالمائة من طاقة الإنتاج الجملية للفسفاط في الحوض المنجمي إلاّ ان النسبة المتبقيّة (25 بالمئة) والموزعة ما بين أم العرايس والمظيلة والرديف ما تزال في حالة شلل تام في انتظار ان تتم مراجعة نتائج هذه المناظرة او فتح باب انتداب جديد. يقول رابح بن عثمان، فرع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الحوض المنجمي، إنّ "الإنتاج متوقف في الرديف منذ 10 نوفمبر أي قبل حتى اعلان هذه النتائج" مضيفا "كانت هناك اعتصامات دامت سنتين ثم تمت التسوية بعودة الإنتاج مقابل فتح مناظرة في شركة فسفاط قفصة وفي شركة البيئة والغراسة ثم عادت "الكبّانية" لنشاطها وعاد الإنتاج وعاد التسويق وبعد اعلان نتيجة المناظرة عادت الاعتصامات وعاد الشلل التام". وأوضح بن عثمان ان اشراف مكاتب خاصة وتحت رقابة وزارة التشغيل على المناظرات اضفى نوعا من المصداقية والشفافية على نتائج المناظرات والتي كانت الشركة المتحكم الرئيسي فيها لكن يبدو ان ازمة الثقة عادت بين "الكبّانية" والمترشحين. كما قال إنه ليس هناك أي مساع من السلطات لحلحلة الازمة ولإعادة النشاط لوحدات الإنتاج "فالرديّف تعيش حالة اللاّدولة وسؤالنا للسلطة هو اين انت كسلطة وأين سيناريوهاتك واستعداداتك للازمة قبل اعلان نتائج المناظرة؟". تكرر السيناريو هذا المشهد تكرر في أكثر من مرة حيث يكون التردد سيد موقف السلطات الرسمية وإدارة الشركة في اعلان نتائج المناظرات ثم تكون ردة الفعل الاعتصام وتعطّل الإنتاج وبدأ جولة جديدة من المفاوضات تفضي الى مناظرة جديدة واحتقان جديد ومفاوضات جديدة. والحصيلة هي استمرار الهرسلة على الشركة وتضخّم عدد الانتدابات فيها وانهيار توازناتها المالية وتعطّل الإنتاج واستمرار خسارة البلاد لحوالي 1 مليار دولار كحجم خسائر خاصة بتعطّل الإنتاج في مقارنة بين حصيلة 2010 وحصيلة 2017 وفقا لأرقام البنك المركزي. كما تشير الأرقام الرسمية الى خسارة شركة فسفاط قفصة لحوالي 80 بالمئة من انتاجها بسبب احتقان الوضع الاجتماعي في محيطها. وتشغّل الشركة اليوم 6619 عونا (الى موفى 2015) وفقا لأرقام صادرة عن الشركة وهي التي كانت تشغّل في حدود 4700 عون في عام 2008 أي انها سجلت زيادة بحوالي الفي عون بالإضافة الى 12 الف انتداب في شركة البيئة والغراسات المحدثة بعد الثورة والتي تكلف الشركة حوالي 70 مليون دينار وفقا لمصدر مسؤول في شركة فسفاط قفصة. وقد كان الإنتاج في حدود 8.2 مليون طن خلال عام 2010 لتتدحرج إلى 2.6 مليون طن خلال التسعة أشهر الأولى من العام 2018 علما وان الهدف كان تحقيق 3.5 مليون طن خلال هذه المدة الزمنية وبلوغ 6 مليون طن كحصيلة انتاج سنوية ل2018. كما تشير الأرقام الى ان طاقة انتاج الفسفاط خلال الثماني سنوات الماضية لم تتجاوز حدود 40 بالمئة من انتاج عام 2010. وكانت تونس خامس منتج عالمي للفسفاط ويمثّل الفسفاط 10 بالمئة من قيمة صادراتها للخارج وهي تزود اسواق أوروبا واسيا وامريكا اللاتينية بالفسفاط إلاّ ان هذه النسبة تدحرجت إلى 3 بالمئة فقط خلال عام 2015 بعد ان تراجعت صادرات الفسفاط ب37.6 بالمئة وفقا لأرقام البنك المركزي. هذا التراجع حرم البلاد من عائدات قدرها 1 مليار دولار وفقا لما ذكره مدير عام إدارة الاحتياطات والأسواق في البنك المركزي ل"الشروق". الوجه الاخر للكبّانية في الوجه الاخر لازمة "الكبّانية" سؤال حول ثروة لم تجد طريقها للناس وشركة أصبحت هي رمز للدولة في المنطقة فالشكل الاحتجاجي الجماهيري والاقرب لقلوب الناس هو غلق محطات الإنتاج حتّى تكترث الدولة لمطالبهم وتُسْمع أصواتهم. فالكبّانية ليست مجرّد شركة في مناطق الحوض المنجمي بل هي الدولة وهي رمز السلطة ومسرح الاحتجاج فغضب المتقاعدين مثلا حين تعطّل صرف اجورهم قبل عيد الأضحى الماضي كان بتعطيل وحدة الإنتاج. يكفي ان تكتب شركة فسفاط قفصة في محرك البحث قوقل ستعثر خلال نصف ثانية على 784 الف نتيجة تتعلق اغلبها بالانتدابات وعروض الشغل. فهي الوجه الرسمي للدولة في المنطقة حيث تتضخم معدلات البطالة وتصل الى 27 بالمئة في منطقة الرديّف وحدها. الناس هناك لا يخفون تذمرهم من ثروة لم تلحق بهم سوى الضرر ففي شهادات كثيرة لاهالي الحوض المنجمي تشكيات من الاضرار الصحية لانتاج الفسفاط وتشكيات من فقدان مياه الشرب بعد ان استنزفت الشركة الموارد المائية في الجهة لغسل الفسفاط. اسنان الناس تحمل شوائب كما لا يخفي الأهالي هناك معاناتهم من هشاشة العظام وفي المقابل لم تتم أي دراسة رسمية لتبيّن هذه التداعيات الصحية على الناس في تخلّي واضح للشركة عن مسؤوليتها الاجتماعية وتخلّي السلطات الرسمية عن دورها في حماية سكان منقطة الثروات المنجمية. الناس هناك كرهوا هذه الثروة ويعتبرونها نقمة خاصة وان المطالبة بالحق في التشغيل والذي يضمنه الفصل 40 من دستور 2014 صوّرت شباب الحوض المنجمي كشباب متهور منتقم من الدولة وهذا ما يرفضه الشباب ويعتبرون الفسفاط نقمة جماعية حتّى ان احدهم قال ساخرا ان الطبيب البيطري الفرنسي طوماس فيليب اكتشف الفسفاط عام 1885 "اكتشف الفسفاط ثمّ ندم على ذلك". في المحصلة تعاني شركة فسفاط قفصة من ضغط كبير وهرسلة اثّرت على انتاجها وعلى قدرتها التنافسية العالمية واثّرت في توازناتها المالية وهي التي كانت سندا للتوازنات المالية للبلاد وحصنا للحد من العجز التجاري الخارجي. وفي المقابل يعاني محيطها من تداعيات انتاج هذه الثروة مقابل تعاطي سلبي للحكومات المتعاقبة مع هذه الازمة وسوء إدارة لها ليكون الحل الأمني أسرع حل في قبضة كل الحكومات بعيدا عن أي مصالحة حقيقية بين الشركة ومحيطها او فك الطوق عن الشركة بمشاريع تنموية حقيقية وليست وهمية على غرار شركة البيئة والغراسات. استُؤنِف انتاج الفسفاط في وحداث الإنتاج في المتلوي والتي تمثّل ما بين 70 و75 بالمائة من الإنتاج الجملي للفسفاط فيما ما تزال حوالي 25 بالمائة من نسبة الإنتاج متعطلة في وحدات ام العرائس والمظيلة والرديف. ٪80 هي نسبة التراجع الجملية لانتاج شركة فسفاط قفصة حيث بلغ انتاجها في 2010 حوالي 8.2 مليون طن وبلغ الإنتاج خلال التسعة اشهر الأولى ل2018 حوالي 2.6 مليون طن. 12 الفا هو العدد الجملي للانتدابات في شركة البيئة والغراسات وتقدر الكلفة الجملية لهذه المناصب ب70 مليون دينار بالنسبة للشركة دون ان تكون هذه الأجور مقابل شغل حقيقي منجز. 6619 هو العدد الجملي لأعوان شركة فسفاط قفصة الى موفى 2015 وهو الذي كان في حدود 4700 عون خلال 2010. 10 ٪ هي حصة صادرات المناجم والفسفاط ومشتقاته من الحجم الجملي للصادرات خلال العام 2010 والنسبة تدحرجت الى 3 بالمائة خلال عام 2015. 37 بالمائة هي نسبة نمو صادرات الفسفاط خلال عام 2015. 1 مليار دولار هو حجم خسائر تراجع صادرات الفسفاط خلال الثماني سنوات التي تلت الثورة.