من لي الذراع إلى المصارعة الحرة إلى استعراض في فنون القتال… المعركة بين اتحاد الشغل والحكومة تجازوت اليوم حدود الفن فما الذي يريده الاتحاد ؟. تونس (الشروق) الاتحاد يمر من التهديد إلى مباشرة إجراءات التنفيذ، ومن فرض الإضراب في الوظيفة العمومية (يوم 22 نوفمبر الماضي) إلى إقراره في القطاع العام والوظيفة العمومية معا (يوم 17 جانفي القادم)، فقد أصدر أول أمس الثلاثاء برقية تنبيه في الغرض وجهها إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وأعضائها. في هذا كله يمر الاتحاد من قبول اللعب في ملعبه ومناطقه إلى عكس الهجوم على الحكومة لكننا لسنا أمام هجوم معاكس خاطف بل أمام هجومات متتالية وشرسة لا يختلف الواحد منها عن سابقه إلا بالمزيد من الشدة والحدة. الاتحاد يحشر وينادي ويجمع منظوريه وأنصاره والمتعاطفين معه وحتى المحايدين لنصرته في حرب مدمرة ضد الحكومة فما الذي يريده منها؟ مبررات متنوعة للاتحاد مبررات واضحة في التصعيد منها النقابي ومنها الاجتماعي ومنها الوطني ومنها السياسي: فالمبرر النقابي نجده واضحا من خلال الإشارة في برقية الإضراب الأخيرة إلى «تعثر المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية رغم الاتفاق الحاصل مسبقا مع الحكومة بانهائها في أجل لا يتجاوز 15 سبتمبر 2018…». وأما المبرر الاجتماعي فنجد صداه في البيان الذي أصدره يوم 19 نوفمبر الماضي والذي اعتبر فيه «أن مراجعة الأجور تمثل أحد الاستحقاقات التي فرضتها عوامل عدة تتمثل في تفاقم التضخّم وانزلاق الدينار وارتفاع الأسعار وتزايد الأعباء الجبائية ونمو تكاليف العيش مع تدنّي الخدمات وتسارع التداين العائلي وتضخّم البطالة…». وأما المبرر الوطني فيتمثل وفق البيان ذاته في «الرد على السياسات الخاطئة... الذود عن السيادة الوطنية...». وأما الدور السياسي فيتجاوز «الرد على السياسات الخاطئة» إلى الانتقام من الحكومة: من الود إلى الصدام هو خلاف سياسي بين منظمة نقابية مدرعة بالواجب الاجتماعي والوطني والسياسي وبين حكومة فتية مازالت منتشية بأغلبية برلمانية في التصويت لتحويرها الوزاري الأخير. قبل هذا الخلاف كان حبل الود ممدودا بين الطرفين وكان الاتحاد ملاذ الحكومة في خلافاتها مع أحزابها فيما كانت الثانية تجتهد في إرضاء حاميها حتى كان الانقلاب في العلاقة بحركة بهلوانية أراد من خلالها الشاهد تجاوز خطوط الاتحاد الحمراء استجابة لضغوط الجهات الأجنبية المانحة. انقلاب الشاهد كان مدروسا سياسيا فهو لا يخاصم أحدا إلا بعد النجاح في استمالة طرف آخر أو أطراف أخرى. وهذا النجاح جعله يستعرض قوته أمام كل خصم من خصومه بمن فيهم الاتحاد الذي أسرها في نفسه استعدادا للوقت المناسب فلم يجد وقتا للتصعيد وعكس الهجوم أفضل من خريف الغضب الذي يسبق في العادة التونسية شتاء الاضطرابات. قوة شعبية ونقابية لا يمكن لأي حكومة أن تنجح إلا إذا هادنت الاتحاد كما فعلت جل الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد الثورة أو استمالته كما فعل نظام بن علي أو سعت إلى كسر شوكته بالقوة كما فعل النظام البورقيبي خلال عشرية السبعينات من القرن الماضي. حكومة الشاهد عاجزة عن استمالة الاتحاد وعن كسر شوكته ولا تملك غير مهادنته كما حدث بعد تشكيلها . هذه القوة ليست برلمانية بما أن الاتحاد ليس حزبا سياسيا ولا يملك تمثيلا برلمانيا بل هي بالأساس قوة شعبية ونقابية قادرة على استمالة كل متضرر من سياسة الشاهد وكل معارض لأحزاب حكومته. إسقاط الحكومة؟ لم يتفق خبراء الاقتصاد بدقة حول الخسائر المالية ليوم واحد من الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية ولكن هناك إجماع حول انعكاساته السيئة على الاستثمار وثقة الجهات المانحة ما يعني دق مسمار إضافي في نعش الاقتصاد. ضرر الإضراب العام لا ينحصر في الناحية الاقتصادية بل يتعداها إلى المستوى السياسي ذلك أنه يرد على قوة الحكومة البرلمانية بحقيقة مغايرة مفادها أن هذه الحكومة لا تجد التأييد الشعبي المطلق وأن التأييد البرلماني الذي تحظى به يدخل في دائرة الحسابات السياسية لا غير. أما الأخطر فيتمثل في الناحية الاجتماعية السياسية ذلك أن نجاح الاتحاد في إضرابه القادم على قدر نجاح إضرابه السابق في الوظيفة العمومية يفتح الباب على مصراعيه أمام الاحتجاجات الشعبية القادرة هذه المرة على إسقاط الحكومة. قالوا عن الإضراب العام ‹›من يحكم تونس… ‹الأزمة› الحالية أظهرت بالكاشف من هو الحاكم الفعلي لتونس (في إشارة لصندوق النقد الدولي)...الحكومة أصبحت عاجزة على اتخاذ قرارات سيادية وهذا مؤشر خطير على سيادة تونس واستقلالية قراراتها… الاتحاد العام التونسي للشغل سيواصل دفاعه عن استقلالية القرار الوطني» (أمين عام الاتحاد نور الدين الطبوبي من مداخلة له على قناة نسمة يوم 21 نوفمبر 2018). «اتحاد الشغل أحد أسباب خراب البلاد… المجموعة الوطنية ستدفع كلفة باهظة من توابع الإضراب العام» (الخبير الاقتصادي والوزير الأسبق حسين الديماسي من تصريحات إعلامية). «إقرار الإضراب العام في البلاد من شأنه أن يرسل رسائل سلبية للمستثمرين في الداخل والخارج، وللمؤسسات الدولية المالية المانحة لتونس وقدرتها على الإيفاء بتعهداتها المالية… وحكومة الشاهد مسؤولة عن الوضع الاقتصادي الراهن من خلال سياساته التنموية والإصلاحية الخاطئة، والتي أدت، حسب قوله، إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن لمعدلات قياسية مقارنة بسنة 2011. (الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي من تصريح ل»عربي21» قبل أيام). «الإضراب (يقصد الإضراب السابق في الوظيفة العمومية) خطوة تصعيدية من جانب الاتحاد بعد فشل المفاوضات، بسبب غياب سياسات عمومية إصلاحية ووطنية وضعف الحكومة الحالية التي لم تتوصل إلى التحكم في سعر العملة والتضخم المالي الذي وصل إل 8% مما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار بشكل جنوني…». (الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق إلياس الفخفاخ من تصريح لمجلة ميم نشرته يوم 21 نوفمبر الماضي).