تونس الشروق: لا شيء يسعد حياة عمّار في يومها الرتيب الذي تمضيه على كرسيها المتحرك عدا صوت طفلها نذير القادم عبر الهاتف سائلا عنها مطمئنّا. سألها نذير في ذلك الصباح "كم عدد الكلى لدى الانسان؟" فردّت حياة بابتسامة "اثنتان" حينها ردّ دون تردد "إذن لديّ اثنتان ساعطيك واحدة كي تتحسن صحتك وتصبحين بخير". سوء معاملة قبل عشر سنوات وتحديدا في مارس 2008 توجهت حياة الى احد مستشفيات صفاقس لتضع مولودها الثاني. كانت ما تزال في شهرها الثامن ولكن وعكة صحية مفاجئة جعلتها تضع مولودها قبل الأوان. "لم تكن لحظة ولادة بل أنا تعرضت للتعذيب" هكذا تقول حياة وهي تستذكر تلك اللحظات وذلك اليوم الذي دخلت فيه المستشفى تترجّل وخرجت منه متعثرة لتصبح مقعدة بعد أيام قليلة. تتذكر حياة ما حصل معها في تلك الليلة "حيث استقبلني مجموعة من الاطار شبه الطبي خلت معاملتهم لي من الإنسانية إذ كنت في تلك اللحظات اصرخ من شدة الألم وكانوا في المقابل يمارسون العنف اللفظي ضدّي وشتمي وقذفي باقذر النعوت ولا اعلم لماذا عاملوني هكذا؟". تصمت حياة وتتذكر لحظات ولادة عسيرة افقدتها المشي وافقدتها حياتها الزوجية وحرمتها من العيش برفقة ابنها وجعلتها عرضة لتصفية الدم مرتين في الأسبوع. "شعرت بالرعب في تلك الليلة ولم يكن الفريق المرافق لي لمساعدتي على الولادة رحيما بي بل كانوا جلادين لي في تلك اللحظات الصعبة لقد شتموني واهانوني لاني اصرخ من الم الولادة ولكنهم كانوا يطلبون مني الصمت وإحداهنّ جذبت لي ساقي بقوة فشعرت بالام شديدة غطّت على الام الولادة". فقدت حياة طفلها في تلك الليلة التي امضتها ملقاة على طاولة الولادة و"كانت هيكل طاولة وليست طاولة وقد امضيت فوقها مدة زمنية من الساعة الواحدة صباحا الى صباح اليوم التالي دون ان تتم تدفئتي او تقديم أي خدمة لي" على حد قول حياة. في صباح ذلك اليوم وكانت حياة تهم بمغادرة المستشفى تهاوت وهي تقف من فوق السرير وكانت تتوقع ان صعوبة الوضع وما رافقها من الام كان سببا لسقوطها ثمّ غادرت المستشفى دون ان تنتبه لوضعها الصحّي رغم انها غادرت وهي "تعكّز" بمساعدة زوجها وقريبتها. شلل نصفي استمرّ سقوط حياة المتتالي أياما أخرى عديدة قبل ان تفقد القدرة نهائيا على المشي فكان ان اختارت الطلاق بالتراضي وتمنح زوجها حضانة طفلها البكر نذير البالغ من العمر آنذاك سنة واحدة وتنتقل للعيش مع والدتها في مدينة قفصة حيث تمضي حياتها على كرسيها المتحرك في انتظار يوم اخر وصباح اخر قد لا يأتي. فحياة اكد لها طبيبها انها قادرة على المشي مجددا لو اجرت عملية جراحية على مستوى حوضها لكن انتظار اجراء هذه العملية طال لسنوات بسبب تردّي الخدمات الصحيّة في مستشفياتنا وهكذا تتعطّل حياة حياة وطموحاتها بالمشي مجددا وامنية طفلها بان يرى والدته بخير. وقد أصيبت حياة منذ سنوات بشلل في كليتيها لتباشر تصفيتهما مرتين في الأسبوع ولان وضعها الاجتماعي سيىء جدّا وهي المصنفة ضمن الحالات المعوزة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية وتعيش باجر شهري قدره 180 دينارا ساعدها مدير المستشفى الجهوي بالمدينة بمساعدتها على التنقل لاجراء عملية التصفية. ما كان كلّ هذا التعطّل ليحصل في حياة حياة عمّار لولا سوء المعاملة وعدم الحصول على الخدمات الصحية الجيدة قبل الوضع واثناء الوضع وما بعد هذه الولادة العسيرة. علما وان كبار المسؤولين في المجال الصحي اطلقوا في مناسبات عديدة صيحات فزع تنبيها لتراجع خدمات الصحة الإنجابية بسبب تراجع ميزانية الصحة العمومية ونقص الموارد البشرية. ليست وحدها بل هناك شهادات أخرى كثيرة تؤكد ان الحوامل يتعرضن لسوء معاملة في المستشفيات اثناء الوضع وانهنّ يتعرضن أحيانا للضرب وللاهانة في الوقت الذي تكون فيه الحامل في وضع صحّي حساس وتحتاج للمساعدة المعنوية. تجاوزات تقول مبروكة وهي ام لطفلتين وضعتهما في احد مستشفيات صفاقس انها بكت كثيرا يوم ولادة طفلتيها ليس بسبب الم الولادة بل من فرط ما راته من سوء معاملة واهانات يتعرض لها الحوامل في قسم الولادات وأضافت "كانت الممرضة تصرخ في وجوهنا وكادت تصفع امراة صغيرة السن كانت تصرخ بسبب الام الولادة صدمني المشهد وكدت اهرب من المستشفى والعودة الى المنزل لولا وضعي الصحي إذ انني لا استطيع الولادة بشكل طبيعي بسبب مشكل في حوضي وكان عليّ الخضوع لعملية جراحية لذلك التزمت الصمت وانتظرت دوري بقناعة ان "الصبر مفتاح الفرج" وصدقا انا اهرب من حمل ثالث خوفا من العودة الى لحظات مشابهة وقد طلبت من زوجي توفير مبلغ تامين ولادة في القطاع الخاص كي نضيف طفلا جديدا لا اريد العودة مجددا الى أجواء المستشفى". كما قالت شاهدة عيان إنها رات حاملا تتعرض للضرب يوم ولادتها في احد مستشفيات العاصمة. وضع لم يعد خافيا على احد وهو وضع غير قانوني في كل تفاصيله ويعرّض مرتكبيها الى عقوبات إدارية وتتبعات قضائية وانتشاره سببه الرئيسي صمت الضحايا تجاه ما يتعرضن له فالصمت تجاه التجاوزات يعني التشجيع على حصولها. وتثبت دراسات علمية عديدة حاجة الحامل الى المعاملة الحسنة سواء اثناء الحمل، وهذا شان اسري، او اثناء الوضع وهذا شان طبي بالأساس اذ ثبُت علميا ان نفسية الحامل تصل الى جنينها عبر رسائل عصبية وكيميائية وان الاعتداء على الحامل اثناء الولادة يعني مباشرة الاعتداء على الجنين. وقد حاولت "الشروق" التواصل مع مسؤولي وزارة الصحة لتوضيح حقيقة هذه الممارسات التي تتردد على افواه حوامل ارتدن المستشفيات العمومية ولاقين سوء المعاملة بشكليها المعنوي والمادي إلا اننا لم نحصل على إجابة وظلّ هاتف المكلف بالاعلام يرن دون رد. في المقابل تبدو قصة حياة اكثر من صعبة باعتبار صعوبة اثبات الخطأ الطبي الذي تعرضت له والذي جعلها تصاب بشلل نصفي ثم تصاب بشلل على مستوى الكلى وصعوبة وضعها الصحي والاجتماعي والنفسي. وفي انتظار امل ياتيها بصباح جديد اخر ومختلف نتمنى ان تكون 2019 سنة عودة الروح للمستشفيات العمومية وتحسّن خدماتها الموجهة للتونسيين. رأي القانون القانون ا لأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 اوت 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المراة: الفصل الأول: يهدف هذا القانون الى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل اشكال العنف ضد المراة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من اجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف اشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم. الفصل الثالث نص على ان المراة والطفل هم من يشملهم هذا القانون. الفصل 8: على الوزارة المكلفة بالصحة وضع برامج متكاملة قصد مقاومة العنف ضد المراة...كما تتولى توفير فضاءات خاصة باستقبال ضحايا العنف وتقديم الخدمات الصحية والنفسية لهم. الفصل 208 جديد: يعاقب بالسجن مدة 20 عاما مرتكب الضرب او الجرح الواقع عمدا دون قصد القتل والذي نتج عنه الموت ويكون العقاب بالسجن بقية العمر إذا كان الضحية طفلا. 67.5 ٪ هي نسبة الولادة في المستشفيات العمومية ما يعني ان هذه المؤسسات العمومية هي القبلة الأولى للحوامل لوضع مواليدهنّ. 67 ٪ من حالات وفيات النساء اثناء الولادة تسجل في ولايات الوسط الغربي أي سيدي بوزيد والقيروان والقصرين. 17.9 ٪ هو المعدل الوطني لوفيات الرضع في العام 2009 وهو في حدود 21 بالمئة في ولايات الجنوب و23.6 بالمئة في الوسط الشرقي. 19 هو عدد الولايات التي تشكو نقصا في عدد أطباء الاختصاص. 40 ٪ من الحوامل يلدن في المصحات الخاصة في إقليم العاصمة و30 بالمئة في ولايتي صفاقس ونابل وتصل هذه النسبة الى الصفر في ولاية تطاوين. 40 ٪ هي نسبة النساء اللاتي يلدن دون أية مساعدة طبية وذلك في زغوان والقصرين وتصل النسبة الى اقل من 1 بالمئة في إقليم العاصمة.