عندما نتطرق للحديث عن الدولة الوطنية لنخوض بعمق في مفهوم المواطنة لابدّ لنا من التذكير أولا بما قام به المجاهد الأكبر المرحوم الزعيم الحبيب بورقيبة حال حصول تونس على استقلالها اذ بادر بتوحيد صفوف كل التونسيين بمناهضته للتعصب القبلي (العروشية) الذي كان سائدا آنذاك في المجتمع التونسي (من فراشيش وهمامة وجلاصية الخ...). ليتم بذلك لمّ شمل كل المواطنين بصفة متساوية لا تفاضل فيها تحت راية واحدة مع الانضواء والانصياع لقوانين الدولة الوطنية الفتية التي تجمع ولا تفرّق في الحقوق والواجبات بين كافة أفراد المجتمع على حد السواء، ويضمن تلك الحقوق دستور البلاد. فبعد الاستقلال تبنّت تونس مشروع الدولة الوطنية الا ان هبوب عواصف ما سمي جزافا بالربيع العربي الذي داهمنا كشف عن نقائص عديدة وثغرات كثيرة لم يتم تداركها خلال العقود الأخيرة نتيجة الانغلاق السياسي واحتكار الممارسة السياسية واستفراد السلطة بها ما جعل من سائر الأفراد خارج مدارها مقصيين مهمشين سياسيا وثقافيا مما سهّل على الارهاب استقطاب الكثيرين من شبابنا وهذا في حدّ ذاته يعتبر اخفاقا لنموذج لم يعط مقوّمات النجاح لأنه لم يعتمد المشاركة في كافة نواحي الحياة اقتصاديا وتعليميا وثقافيا وصحيا وسياسيا كما يقتضي أن يكون الشأن في الدولة الوطنية .وما تلك التنظيمات الارهابية التي اكتسحت اوطاننا العربية ومنظمات «حقوق الانسان» المشبوهة والعابرة للقارات سوى أجهزة مطوّعة في يد الغرب للاطاحة بالسيادة الوطنية العربية وتفتيت وحدتها المجتمعية وبثّ سموم الفرقة بين افرادها وبالتحريض المستمرّ على السلطة والدعوة الدائمة للتمرد على القوانين وخرقها والتشكيك في نجاعتها بتعلة الدفاع عن حقوق الأقليات العرقية او الثقافية او الدينية او السياسية بينما الهدف الأساسي لتلك المنظمات المرتبطة جلّها بأجهزة مخابرات أجنبية، هو بالأساس إسقاط مفهوم الدولة وقد وجدت في الشباب المحبط والمهميش ضالتها المنشودة فسخّرته واستخدمته للنيل من الدولة. علينا إذن اليوم ان نتدارك كل تلك النقائص والاخلالات ليتسنى لنا اعادة تأسيس دولة وطنية قادرة على رفع التحديات ومجابهة الصعوبات التي فرضتها العولمة وذلك بتجذير الشعور بالمواطنة من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية التي لا استقرار ولا ازدهار من دونها... وعدم تغييب دور الأفراد وإتاحة الفرص أمام جميع مكوّنات المجتمع دون ميز او حيف للمشاركة والتفاعل في الحياة العامة دون تهميش فئة ومحاباة أخرى ما من شأنه ان يُسعر نار البغضاء فيتآكل المجتمع. إذ لابدّ ان يشعر الفرد بأهميته وبأنه قادر على العطاء والمساهمة والإثراء والاضافة، وبالتالي هو ليس مجرد رقم في سجل الاحصاء السكاني، حينها سينمو حسّه الوطني وسيتحمس للقيام بواجبه الوطني تجاه المجموعة وهو متأكد تماما في المقابل من نيل حقوقه كاملة، وهذا هو التوازن المطلوب في ظل الدولة الوطنية وتلك هي المواطنة العادلة.