القمة العربية في دورتها الثلاثين ستحتضنها تونس يوم 31 مارس 2019. التاريخ أعلن عنه وزير الشؤون الخارجية، خميس الجهيناوي في معرض حديثه عن هذه القمة خلال الاستجواب الصحفي الذي أجراه بحرالاسبوع المنقضي مع إحدى الإذاعات الخاصة. بما يعني أنه لم يعد يفصلنا إلا اقل من مائة يوم عن انعقادها ويذكر ان الوزير كان سلم دعوات رئيس الجمهورية إلى كل من ملك العربية السعودية ورئيس الجمهورية اليمنية ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الزيارتين اللتين أداهما منذ أيام إلى كل من الرياض وأبوظبي في حين تحول وزير الدفاع الوطني إلى الدوحة لتسليم دعوة مماثلة إلى أمير قطر بما يعني أن العد التنازلي لعقد القمة بدأ فعلا ومن المهم أن تكون أول دعوة توجه إلى العاهل السعودي إذ أنه الرئيس الحالي للقمة العربية التي كانت انعقدت في افريل الماضي بمدينة الظهران السعودية وإن حضوره في تونس مهم لتسليم الرئاسة لتونس في شخص رئيسها الباجي قائد السبسي. وأن تكون البداية من دول الخليج يرمز كذلك إلى رغبة تونسية واضحة في السعي الجاد للعمل خلال هذه القمة على تجاوز الأزمة التي تلقي بظلالها على هذه المنطقة الهامة في العالم العربي ولا يمكن ان يكون للتضامن العربي من معنى إذا تواصلت القطيعة بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما بينهاوبين بقية الدول العربية الشقيقة وإن تونس التي اتخذت موقفا حكيما من هذه الأزمة قادرة ان تكون همزة الوصل بين مختلف الدول المعنية. رغم ما يقال عن جامعة الدول العربية من حيث عجزها عن التأثير واخذ زمام المبادرة والسعي الحقيقي للدفع بالعلاقات العربية نحوالافضل فإنها تبقى بيت العرب الذي تلجأ إليه البلدان العربية لتدارس الإشكاليات القائمة بينهم و وبين بقية دول العالم القاصية والدانية وكذلك للبحث عن افضل السبل لإيجاد مخرجات للقضايا الاساسية التي تهدد الأمة العربية التي تظل رغم المشككين كيانا واحدا إذا اشتكى منه عضوتداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وإن حالة الإحباط وخيبة الأمل التي تشعر بها النخب والجماهير العربية نحوالجامعة العربية وأجهزتها واجتماعاتها في كل المستويات لا تقوم على لامبالاة اوعلى عدم اكتراث بل هي تنبع من استياء لما آلت إليه أوضاع هذه المؤسسة الجامعة التي يُنتظر منها الكثير ولكنها كانت لحد الآن غير قادرة على تحقيق التطلعات نحوالحد الادنى من التضامن والانسجام والوئام. قمة تونس المنتظرة قد تقطع مع حالة الإحباط وخيبة الأمل ولونسبيا لوأنها سعت إلى مواجهة القضايا العربية القائمة بروح البحث الجدي عن الحلول المناسبة لها لا ان يقع تلمسها ثم التخلي عنها لأطراف أخرى ليس لها نفس الحساسية بشأنها وما أكثر القضايا الحارقة في منطقتنا التي لا يمكن أن تكون حلولها إلا عربية. في مقدمة هذه القضايا المسالة السورية التي تشهد حاليا تطورات هامة بعد قرار الرئيس الامريكي بسحب قواته من هذا البلد وإن عودة الدولة السورية إلى الحضيرة العربية أصبح أمرا مفروغا منه بعد أن أثبت النظام السوري على أنه جزء اساسي من الحل ولولم يتم ذلك فإن سوريا ستصبح مرتعا للقوى الدولية والإقليمية خاصة في ظل تهديدات جدية بمواجهة إسرائيلية إيرانية مباشرة فوق الاراضي السورية. إن قرارا عربيا بعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية في تونس سيكسب دون شك القمة القادمة بعدا خاصا والواضح في ظل الوضع الإقليمي العربي الحالي أن تونس المؤهلة الوحيدة لاستقبال الرئيس بشار الاسد لتكريس هذه العودة التي تظل طبعا قرارا جماعيا يتطلب إجماعا نتمنى أن يتم التوصل إليه في الاجتماعات التحضيرية المنتظرة. قرار آخر وهام نتمنى أن تتخذه القمة العربية في تونس ألا وهووضع حد نهائي للحرب في اليمن. الأممالمتحدة لم تفتأ تقرع أجراس الإنذار بإعلانها أن الوضع الإنساني في اليمن هوالأسوأ في العالم وان هذا البلد العربي الذي يضم اكثر من 27 مليون نسمة والذي يعتبر من اكثر البلدان فقرا على البسيطة يشهد كارثة إنسانية لا مثيل لها. لاشك ان الوضع معقد وأن القوى الإقليمية غير العربية بالمرصاد لإلقاء الزيت على النار فضلا على ان الإرهاب يستغل الفوضى السائدة لينشر أذرعه في المنطقة ولكن على القمة العربية أن تبحث عن مخرج لهذه الحرب الصامتة التي تهدد بالمجاعة الملايين من الاطفال الأبرياء بعد أن حصدت عشرات الآلاف من الأرواح وخربت البنية التحتية وأفضت إلى انهيار الدولة اليمنية تقريبا بالكامل. الأوضاع في ليبيا ستكون على رأس جدول أعمال القمة وذلك باعتبار الدور التونسي مع الشقيقتين الجارتين الجزائر ومصر في الإسهام الفاعل في إيجاد حل للمعضلة الليبية ولعل التواصل المستمر بين وزير الخارجية التونسي ورئيس البعثة الاممية في ليبيا غسان سلامة يدل على أن الأمور في الطريق السوي خاصة وقد اشار هذا الاخير إلى تحسن الأوضاع الأمنية والتزام كل الأطراف بوقف إطلاق النار الموقع في سبتمبر 2018 وتحسن المؤشرات الاقتصادية وكذلك للتقدم المسجل في الاستعدادات للمؤتمر الوطني الليبي الجامع المزمع عقده بداية سنة 2019 بحضور مختلف الفرقاء الليبيين والذي من شأنه أن يمهّد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بعد استكمال المنظومة التشريعية الخاصة بها والمصادقة على الدستور. إذا تم التركيز على هذه الملفات الثلاثة تكون قمة تونس قد حققت أهدافها وسوف تبقى دون شك علامة مضيئة في مسيرة العمل العربي المشترك.