في انتظار التأكيد الرسمي تتّجه مؤسسة التلفزة التونسية إلى إقرار سنة درامية «بيضاء» في رمضان القادم للمرة الثانية على التوالي والاكتفاء بإنتاج «سيتكومات» تحت إشراف مخرجين من داخل المؤسسة وهذا يعني القطع النهائي مع شركات الإنتاج الخاصة. ««جمل جنّات» و«خريف الغضب» ضحية حسابات شخصية...! وإذا ما استقرّ الرأي على سنة «بيضاء» وهو التوجّه الذي اختارته مؤسسة التلفزة يكون البلاغ الصادر منذ مدة والذي حدّد يوم 5 أكتوبر الماضي كآخر أجل لتقبل مشاريع المسلسلات الدرامية لرمضان 2019 بلا معنى. كنّا تحدثنا في مقال سابق عن مصير مسلسل «الدقلة في عراجينها» الذي وقع عليه الاختيار للانتاج لرمضان 2019 بمقتضى اتفاق موقّع بين المؤسسة وورثة المؤلف الخالد لهذه الرواية البشير خريف والطرف الثالث نجل الكاتب الروائي الراحل محمد الصالح الجابري الذي سبق أن صاغ سيناريو لهذه الرواية وقدمه الى التلفزة قبل أن يوافيه الأجل المحتوم. سعى الرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية بالنيابة العام الفارط الى احتواء غضب واحتجاجات أهل الشأن بالانتاج الدرامي بعد قراره عدم إنتاج مسلسل لرمضان 2018 بإعلانه أن التلفزة الوطنية ستحوّل «الدقلة في عراجينها» الى مسلسل درامي لرمضان 2019 فكان أن اجتمع بكل الأطراف التي لها علاقة بهذا العمل وتمّ الاتفاق على صياغة سيناريو جديد ل«الدقلة في عراجينها» باعتماد ورشة جماعية تحت إشراف وتسيير المخرج الناصر القطاري. مرّت الأيام... والورشة لم تنطلق في أعمال لها بعد، وتأكد الجميع أن الاتفاق الذي أمضاه الرئيس المدير العلم السابق للمؤسسة بالنيابة ليس سوى «مسكّن» فقط بعد أن بادر الرئيس المدير العام الحالي بإصدار بلاغ يطلب فيه من أهل الشأن ترشيح أعمال درامية لرمضان 2019 ليكون الاتجاه بعد ذلك نحو إقرار سنة درامية «بيضاء» لرمضان 2016. الناصر القطاري يتحرّك الغموض الذي لفّ مسلسل «الدقلة في عراجينها» دفع بالمخرج الناصر القطاري الى التحرّك على أكثر من مستوى من تلقاء نفسه والبحث عن مخرج وحلّ لكل العراقيل التي عطلت تنفيذ هذا المشروع الإبداعي «الحلم» على حدّ تعبيره، ليخلص الى نتيجة أولى وهي تملّص الادارة العامة لمؤسسة التلفزة التونسية من التزاماتها السابقة وهو ما يؤكد أن رواية «الدقلة في عراجينها» لن تظهر مسلسلا في رمضان 2019 لعديد الاعتبارات منها على وجه الخصوص ضيق الوقت وعدم إعداد السيناريو على الوجه الأكمل... ثم كان القرار بالتوجه نحو إعلان سنة درامية «بيضاء» لرمضان 2019. وليست هذه المرة الأولى التي تتخلّى فيها مؤسسة التلفزة التونسية عن التزاماتها وهي التي كانت ولازالت يسيّرها منطق المحاباة والمحسوبية والحسابات الضيقة ولنا في ذلك أكثر من دليل. فبالعودة الى مسيرة الانتاج الدرامي نتوقف عند مسلسل «المعتمد بن عبّاد» للمخرج يوسف اليحياوي... وهوعمل درامي تاريخي غاب في الزحام ضحية حسابات ضيّقة بين أكثر من طرف. ومسلسل «جنّات» للكاتب والروائي الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر الذي تمّ إعداده في 32 حلقة وهو عمل درامي يعتبر من أهم ما كتب الروائي الكبير عبد القادر بن الحاج نصر سواء في الأعمال الدرامية اوالأعمال السردية الروائية... هذا العمل الدرامي كان على وشك الدخول في دائرة الانتاج اعتبارا لمضمونه التاريخي الوطني المتفرّد فكان أن تمّ تعيين المخرج القدير حمادي عرافه لتنفيذه فنيا... لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث تمّ إجهاض هذا المشروع في آخر لحظة نتيجة خلاف شخصي بين المخرج والرئيس المدير العام للمؤسسة في تلك الفترة الذي صبّ كل غضبه على المخرج وتم سحب المسلسل و«عاقب» صاحبه المؤلف الذي قضى حوالي الثلاث سنوات وهو يكتب ويعيد الصياغة أكثر من مرة حتى يكون هذا العمل الدرامي على أكمل صورة إبداعية... وانتهى كل شيء بجرّة قلم وكأن شيئا لم يكن وقُبِرَ «جمل جنّات» في الرفوف ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ مع الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر، بل تكرّر السيناريو مرة أخرى من خلال مسلسل «خريف الغضب»... فقد بادر الرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة الوطنية بعد الثورة الاتصال بالروائي الدكتور عبد القادر بن الحاج نصر وطلب منه إعداد سيناريو مسلسل درامي من وحي ثورة 14 جانفي... انهمك الكاتب على مدى أشهر طويلة في إعداد هذا العمل ليقدمه بعد ذلك الى إدارة الانتاج الدرامي في الوقت الذي تمّ فيه تغيير الرئيس المدير العام لمؤسسة التلفزة فكان أن انفرد رئيس مصلحة الانتاج الدرامي في تلك الفترة بقرار اختيار الأعمال الدرامية بعد تمريرها الى لجنة القراءات... وأول قرار اتخذه رئيس المصلحة غضّ البصر عن «خريف الغضب» بعدم تمريره الى لجنة القراءات لخلاف سابق له مع المؤلف... والى يومنا هذا لم يتمكن مسلسل «خريف الغضب» والمتكوّن من ثلاثين حلقة من العثور على منفذ الى لجنة القراءة ولعلّ في ذلك راحة نفسية لمن كانت له اليد الطولى لعرض المسلسلات على لجنة القراءة واليد الطولى في عدم عرضها دون الالتزام بالقوانين والأخلاق.