الشاهد هو الرجل المناسب في المكان المناسب هكذا يرى بعضنا. لكنه يتحول إلى سبب المصائب كلها لدى بعضنا الآخر...كل طرف يجد في سياسة الشاهد ما يؤيد رأيه. لكن هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟ تونس (الشروق) «ليس بالإمكان أفضل مما كان» هذا ما يؤمن به أنصار الشاهد ومؤيدوه والمستفيدون من بقائه على رأس الحكومة. الشاهد تصرف في ما هو موجود وحقق تحسنا في النمو الاقتصادي رغم استحالة المهمة. إذ ليس من الممكن أن تنقذ الاقتصاد إذا كان الانتاج معطلا، وثقافة الإضراب مقدمة على ثقافة العمل والتضحية، وإرضاء هذا الطرف السياسي يغضب بالضرورة الطرف الآخر… ماذا يمكن لرئيس الحكومة أن يفعل إذا كان حزبه المشكل للحكومة (حزب النداء) يعارضه بطريقة أشرس من المعارضة الخارجية؟ وماذا يمكن له أن يفعل إذا كانت طلبات اتحاد الشغل تتعارض تماما مع توصيات صندوق النقد المنقذ الرئيس للميزانية؟ أين يضع رئيس الحكومة الموارد المحدودة في ميزانية الدولة: هل يخصصها لخلاص الديون أم للزيادة في الأجور أم للتنمية أم للإصلاحات أم لبعث المشاريع التي تخلق مواطن الشغل وتحد من البطالة؟ إيجابيات عديدة الطرح الذي يدافع عنه أنصار الشاهد معقول جدا. وهو يتعزز بتواصل نجاحات الحرب المفتوحة ضد الإرهاب وتقدم الحرب المعلنة ضد الفساد وتتالي القرارات الحكومية في مكافحة التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي والاحتكار... مع هذا يظهر الشاهد في صورة رجل الدولة في سعيه إلى الحفاظ على هيبتها وتطبيق قوانينها وحمايتها من التدخلات الخارجية...كما أنه أعاد إلى الدستور علويته وقيمته بإخراج رئاسة الحكومة من وصاية رئاسة الجمهورية رغم القيود السياسية والأخلاقية والنفسية. الشاهد عمل في البداية تحت ضغوط وثيقة قرطاج الأولى ووصاية رئيس الجمهورية وتضارب مصالح الأطراف الحاكمة المدعمة للحكومة. ثم لاح للبعض كمن يهرب من جبة الباجي ليقع تحت برنس الغنوشي. ومع هذا بإمكانه أن يشق طريقه وحيدا. ويتخلص من كل الضغوطات والوصايات بمجرد أن يؤسس مشروعه السياسي الخاص. فيكون بحق رجل الدولة المناسب في الوقت المناسب. لكن هذه الايجابيات تتعارض مع حقائق مغايرة: سلبيات بالجملة ما الذي قدمه الشاهد للبلاد غير تحسن وهمي في نسبة النمو لا يمكنها أن تحل مشكلة البطالة ولا أن تنقذ قيمة الدينار؟ كيف سيكون الحال لو تراجعت مداخيل السياحة وتضرر الموسم الفلاحي؟ أي قيمة للقرارات والإجراءات الحكومية مادام المواطن العادي عاجزا عن شراء حاجته من المواد الضرورية؟ أي قيمة للحرب على الاحتكار إذا كان السكر والزيت النباتي والحليب والزبدة والسميد وغيرها من المواد الاستهلاكية اليومية مفقودة؟ وأي معنى للحرب على الفساد إذا كانت حربا انتقائية لم تمس حتى اليوم غير بعض خصوم الشاهد في نداء تونس وبعض المقربين منهم وبعض المتعاملين معهم؟ كان بالإمكان أفضل بكثير مما كان هذا ما يؤمن به خصوم يوسف. فهو شخصية اندفاعية همها الوحيد البقاء في الحكومة والتأسيس لمستقبل سياسي جيد مهما كانت الطريقة ومهما كان الثمن حتى لو كان تدمير حزبه وبلده ومواطنيه. صعوبة التقييم ما يقوله كل طرف صحيح. لكن المشكلة أن الخصوم لا يعترفون للشاهد بحسنة واحدة. فيما يحاول أنصاره تنقيته من السيئات كلها. وعندما يقر الخصوم بوجود حسنات للشاهد ويعترف الأنصار بوجود سيئات يصبح الحكم له وعليه أقرب إلى الواقع والمنطق. فالشاهد تصرف في المساحة الممكنة وحاول أن يتعامل مع الضغوط والعراقيل الواقعية. فلم يكن سلبيا ولا متصلبا ولا عبدا للمبادئ والمثل. بل كان براغماتيا متكيفا يهادن هذا الطرف حينا ويتصادم معه حينا آخر بعد أن يحمي ظهره بطرف آخر. وفي ظل الظروف المتوفرة من الصعب أن يحقق أي رئيس حكومة أخرى نتائج قادرة على إسكات الخصوم. ولكن من الموضوعية أن نقر بفشله في معالجة العديد من الملفات بما أنه مسؤول -مثلا- عن كل ملف فساد في كل وزارة من حكومته. علينا أيضا أن نعترف بخطئه في الزج بمشكلته مع نداء تونس في الاهتمام الحكومي. فالأسلم أن يرضى بما هو موجود في النداء أو أن ينسحب منه دون تشهير واستهزاء واتهام. ومع هذا كله يبقى الحكم على الشاهد بموضوعية كاملة صعبا بما أنه لا يطبق سياسته الخاصة ولا برنامجه الحكومي. وقد يصبح ذلك ممكنا إذا كتب له أن يتزعم مشروعا سياسيا جديا يوصله إلى قيادة الحكومة السياسية القادمة.