تكثر ظاهرة التنجيم والتكهن في الأيّام الأخيرة من كل سنة خاصة، ويبدأ بعض المنجمون في التنافس في تنبؤاتهم للعام الجديد و بماذا سيحدث فيه من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، كحدوث بعض التغيرات في إحدى البلدان أو حدوث كوارث طبيعية أو تغيرات مناخية أو ظهور أوبئة مرضية تفتك بالبشرية في بلد ما، أو غير ذلك من التنبؤات التي يظنّ بعض النّاس أنّها حقيقة وقد يبنون عليها آمالهم وسعادتهم. ولكن السؤال المطروح هل نصدق المنجمين لأنّهم في بعض الحالات يخبرون بأشياء ستقع في المستقبل وأحيانا تتحقق؟ فوقوع بعض ما يخبر بها الكهنة والعرافون والمنجمون لا يعني أنهم صادقون، فإن الكذاب قد يصدق أحيانا، وإن كان الكذب من شأنه، وكذلك لا يعني أنهم يعلمون الغيب، وإنما تخبرهم شياطينهم الذين يحاولون أن يسمعوا كلام الملائكة وحديثهم عما سيقضي الله في المستقبل، فإذا سمعوا شيئا ألقوه إلى الكهنة، والشهب تقتل من أصابته، ولكنه قد يلقي الواحد منهم الكلمة قبل أن يحترق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله ناس عن الكهان فقال: ليس بشيء. فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بشيء فيكون حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها من الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطون معها مائة كذبة. وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الآخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكاهن. والإخبار بأشياء قد تقع فيكون عن طريق الجن والشياطين مما يخطفه مسترق السمع، ثم يكذبون مع الكلمة الواحدة مائة كذبة، ويكون هذا الأمر فتنة وامتحانا، وليس دليلا على صدقهم ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض انبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال ملعون. فيجب عدم التعلق بقول هؤلاء، فمن تعلق بأقوالهم وكّله الله إليهم وحرمه من توفيقه وهدايته. قال صلى الله عليه وسلم:» من تعلق شيئا وكل إليه «. (رواه أحمد). وقد ورد في السنة تحريم تصديق الكهان أو إتيانهم، روى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من « أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد «. وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: « من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة «. إن من الواجب على المسلم أن يعتقد أنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل 65) وقال تعالى {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (لقمان 34) وقال صلى الله عليه وسلم: « مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما في غد إلا الله «. (رواه البخاري) ومن ادعى علم الغيب أو نسبه إلى شخص من الناس فقد خرج من ملة الإسلام، وكفر بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} (الأنعام 50) وقال تعالى {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} (الأعراف 188). إنّ علم التنجيم محرم شرعا كما يفيده الحديث: « من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر «. (رواه أحمد وأبو داود) وفي صحيح مسلم من حديث عائشة قالت: « ومن زعم أنه يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية ».