نطوي اليوم سنة 2018 التي لا يمكن لأحد أن ينكر أنها كانت سيئة إذا أخذنا في الاعتبار العلاقات الدولية بما في ذلك النظام الإقليمي العربي بل إن الوضع الدولي يسير من سيئ إلى أسوأ بالنظر إلى تعدد التوترات سواء بين الدول الكبرى أو بين هذه الأخيرة وبقية دول العالم. القوة الأعظم ونعني الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين نتيجة قرارات أحادية الجانب يتخذها رئيس مزاجي لا يعطي أهمية لنواميس العلاقات الدولية ولا يحترم تعهدات بلاده تجاه المجموعة الدولية التي راكمتها الإدارات السابقة، كما أنه لم يعر قيمة لتحالفات بلاده بما يمثل ضربة قوية للدبلوماسية متعددة الأطراف التي تحكم العالم منذ نهاية الحرب الكبرى الأخيرة. بقية القوى الدولية العسكرية والاقتصادية تحكمها بالأساس مصالحها أحيانا الضيقة دون أي اعتبار لضرورات التعايش بين الدول والاشتراك في الحياة فوق سطح الأرض وما يفرضه من واجبات نحو الأجيال القادمة. أما الوضع الإقليمي العربي فهو في أسوإ حالاته إذ أضحت الخلافات هي القاعدة والتقارب هو الاستثناء فحتى المناطق التي كنا نعتبرها أقرب من غيرها للاندماج والوحدة فقد أضحت تشقها خلافات حادة لا أمل في تجاوزها أو الحد منها كما هو الشأن في منطقة الخليج أو في اتحاد المغرب العربي دون أن ننسى أن الحروب استشرت في هذا الإقليم من العالم بل أضحت خصوصية حصرية، فكل مناطق القتال توجد فيه، فضلا عن توسع الإرهاب، شرقا وغربا انطلاقا منه. في هذه الصورة القاتمة هل تمثل تونس استثناء. لا شك أنها ليست الواحة التي نأمل أن تكون ولكنها في كل الأحوال تقدم البشائر على أن القدرة قائمة على تسيير دبلوماسية فاعلة تخدم المصالح الوطنية دون انغلاق ومع الأخذ في الاعتبار الرهانات المطروحة على الإقليم الذي تنتسب إليه ولعل أفضل دليل على ذلك التوافق العربي على عقد القمة العربية الثلاثين على الأرض التونسية بعد اشهر قليلة، إذ يبدو في ظل الخلافات العربية المتنامية وبالنظر للظرفية الخاصة لاسيما في الملف السوري أن العاصمة التونسية هي المكان الوحيد الذي يمكن أن يلتقي فيه القادة العرب للتباحث حول المعضلات التي تشق صفوفهم، وليس ذلك بغريب على تونس التي كانت احتضنت الجامعة العربية والقيادة الفلسطينية في ظروف صعبة كذلك. فضلا عن ذلك اتسمت الدبلوماسية التونسية في السنة المنقضية بالحركية والتنوع وتحققت فيها مكاسب جمة لا يمكن نكرانها. تونس من الدول العربية القليلة التي ترتبط بعلاقات قوية ومتينة مع كل الدول الشقيقة دون استثناء وكذا الشأن مع الدول الإفريقية التي أضحت من أهم الشركاء الاقتصاديين لبلادنا لا سيما بعد انضمام تونس للسوق الاقتصادية المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية (الكوميسا) التي تضم 27 دولة يتجاوز عدد سكانها 475 مليون نسمة بما يمثل أكبر وأقوى سوق في القارة الإفريقية وكذلك بعد قبول عضويتها بصفة مراقب في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، علما أن هذه المجموعة تعتبر من أكثر المناطق اندماجا في إفريقيا ولا شك أن انتساب تونس لهاتين المجموعتين سيكون له أبلغ الأثر في تطوير العلاقات والتعاون في مختلف أوجهه مع بقية الدول الأعضاء التي تشهد جلها نموا اقتصاديا لافتا. وإن توسع شبكة التمثيل الدبلوماسي والتجاري في هذه القارة وفتح خطوط جوية أو بحرية مباشرة يمثل توجها جديرا بالتنويه لأنه يبني علاقات متينة لا رجوع فيها. سنة 2018 مثلت سنة مفصلية في تقوية علاقات التعاون والتبادل مع دول آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية ويكفي أن نذكر أن الأسبوع الأخير من السنة شهد أول زيارة رسمية لوزير أول كوري جنوبي لبلادنا منذ الاستقلال كما زار تونس وزير خارجية اليابان وهي أول زيارة لمسؤول ياباني بهذا المستوى منذ أكثر من15 سنة وقد أفضت الزيارتان إلى نتائج مهمة بفضل الإعداد الجيد لهما من خلال الزيارتين اللتين أداهما وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي لسيول وطوكيو في بحر نفس السنة. العلاقات مع العملاقين الآسيويين الآخرين وهما الهندوالصين شهدت هي الأخرى نقلة نوعية سواء فيما يتعلق بالتعاون الثنائي أو بتشريك تونس في المنتديات التي يعقدها كل من البلدين مع دول القارة الإفريقية كما ان انضمام تونس إلى مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها الصين والتي تبلغ التمويلات المخصصة لها 8مليارات دولار تمثل آلية جديدة لبناء شراكة استراتيجية بين الطرفين من خلال إنجاز مشاريع ذات أولوية بالنسبة لتونس. ولئن شهدت العلاقات التونسية مع الولاياتالمتحدةوكندا تطورا لافتا إذ زار أوتاوا وزير الخارجية التونسي لأول مرة منذ 2010 علما أن كندا تترأس حاليا قمة الدول السبع الكبرى المصنعة فإن السنة المنقضية عرفت تطورا ذا بال في علاقات تونس مع أكبر دول أمريكا الجنوبية ونعني البرازيل من خلال زيارة وزير خارجية هذا البلد إلى تونس ردا على زيارة مماثلة كان أداها زميله خميس الجهيناوي إلى برازيليا عام 2017 ومما تجدر الإشارة إليه أن تونس ترغب في الانضمام إلى السوق المشتركة لدول أمريكا اللاتينية المعروف بالماركوسور أو السوق المشتركة للجنوب حسب التسمية التي تطلق عليه. هذه الحركية والتنوع للدبلوماسية التونسية لم يمنع من الاهتمام بالشركاء التقليديين لبلادنا في أوروبا سواء المنتسبة للاتحاد الأوروبي أو تلك التي توجد خارجه وإن انطلاق التفاوض حول الاتفاق الشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي يمثل دون شك رهانا يجب السعي إلى كسبه في السنة التي تبدأ غدا.