أعلن الإسلام أن حريات الإنسان والناس جميعاً تنطلق من مبدأ واحد، هذا المبدأ هو: تحرير الإنسان من رقبة العبودية، ومن الخضوع لأحد غير المولى تبارك وتعالى، وتخليصه من قيود الوهم والخرافة، وتأليه الأشخاص، وعبادة المادة، يقول الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة 5)، فالناس جميعاً عبيد للخالق الواحد الذي خلق الطبيعة ونظّم الكون وسيّر الوجود وإليه يرجع الأمر كلّه، ولا يصحّ أن يتّخذ بعض الناس بعضاً أرباباً من دون الله، يقول الله تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 64) فالإنسان في المفهوم الإسلامي له كل الحقوق والحريات لكن في إطار مفهوم الاستخلاف والعبودية لله سبحانه، وقد جاء الإسلام بكل الحقوق الضرورية ليعيش الإنسان كريما وليؤسس مجتمع الحقوق المبني على العدالة والمساواة والأخوة، ومن هذه الحقوق: حق الحرية فلا يجوز استعباد الإنسان أو الحط من قيمته. لكن حرية الإنسان وإن بلغت في الإسلام مرتبة الضرورة والفريضة إلا أنها محكومة بحقوق الله سبحانه وتعالى، التي هي حدود الشريعة ومعالمها وفلسفتها في التشريع. ولقد اهتم الإسلام اهتمامًا بليغًا بحقوق الأفراد وكفالة الحريات المختلفة له ولأبنائه، وجعل ذلك مدخلاً أصيلاً وباحة رئيسة لصرح الحضارة والتنمية .و في هذا الإطار أقر الإسلام للأفراد حرية اختيار حكامه وشجعهم على المشاركة في تسيير شؤون المجتمع ، وحرم الإسلام القتل والانتحار كما أقر حرية الأشخاص في تملك الأموال سواء كسبا أو إنفاقا شريطة مراعاة أحكام الشرع، كما جاء في حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلّم: كل المسلم على المسلم حرام:دمه وماله وعرضه. (رواه مسلم) ومن الحقوق المقدسة في الإسلام التعلم وقد جعل الفقهاء هذا الحق من الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة إلاّ بها. وإذا كان موقف الإسلام في خَلق البشر يقوم على التعدد والتنوع، فمن الضروري أن يسلك الإسلام كلَّ السُّبل، ويوفر جميع الأدوات اللازمة لحماية هذا التعدد والتنوع بما يجعله شاهدًا على قدرة الله سبحانه، الذي خلقهم متمايزين في الألسنة والألوان، فقال تعالى {وَمِن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم 22) إن الإسلام لا يستمد قوته وعظمته من مجرد تشريعات نظرية، أو مفاهيم ذهنية مجردة، أو مبادئ فلسفية يدعمها المنطق والعقل فحسب وإنما يستمد قوته وعظمته من قابلية هذه التشريعات والمفاهيم والمبادئ للتطبيق على أرض الواقع، ومن كونها في حدود الاستطاعة والطاقة البشرية المحدودة، إن الإسلام يربط "الضوابط" بأوامر الله وحدوده التي هي ليست كما يزعم البعض قيدًا على حرية الإنسان وتطلعاته وأشواقه بل هي ترشيد وتنظيم لها حتى لا تخرج عن المسار الأساسي للإنسان، مراعيا النزعة الفردية في الفطرة الإنسانية وعزَّزها وأعلى من قيمتها، ولكن ليس على حساب الجماعة المسلمة، بل جعل توازنًا فريدًا بين كلا النزعتين.