هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب المسلم مع الله والناس والحياة
نشر في الحوار نت يوم 30 - 06 - 2014

الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأزكى صلوات الله وتسليماته على من لا نبي بعده، الذي أخلص لله عمله وقصده، وبذل في الدعوة إلى الله جُهده، وتحمل في الثبات على الحق جَهْده، فأعد العدة، وعقد العقدة، ووفى العهدة، وأعطى الزبدة، وعلى آله وصحبه الذين حفظوا عهده، وذكروا وُدّه، وآتاهم الله رشده، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الإسلام يصحب الكائن الإنساني في أطواره كلها من مهده حتى وفاته.. هناك أحكام شرعية تتعلق بالإنسان قبل أن يولد ويعرف له اسم
الكتاب
كتابنا هذا في فقه الآداب الشرعية، الذي سميناه: (أدب المسلم مع الله والناس والحياة) وهو جزء من كتابنا الكبير: (تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن) والسنة، وهو جزء من الكتاب الأكبر (في فقه الإسلام) كله: عقيدة وشريعة، وفقها للسلوك، أو الطريق إلى الله. الذي يصور شمول المنهج الإسلامي وتنوعه وتوسعه، كما يصور توازنه وتكامله، ووسطيته واستقامته التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) "الرحمن: 7- 9".
شمول الإسلام
ومن يقرأ ما كتبناه عن أدب المسلم أو عن الآداب الإسلامية المتكاملة، وارتباطها بسائر أنواع السلوك؛ يتبين له بحق: أن الإسلام هو المنهج الذي رسمه اللهُ للمسلمين: أفرادًا وأسرًا وجماعات وأمة، ليسيروا عليه في حياتهم كلها. حياتهم الفردية، وحياتهم الاجتماعية. حياتهم الدينية والروحية، وحياتهم المادية الدنيوية. والذي طلب الله تعالى من المسلم أن يسأل ربه في كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، أن يهديه إليه حين يقرأ الفاتحة في صلواته الخمس: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، "الفاتحة:6 - 7".
هذا الصراط - أو هذا المنهج - يصحب المسلم في رحلة الحياة كلها، من بدايتها إلى نهايتها، مِن لحظة الميلاد إلى ساعة الوفاة، ولهذا وجدنا في الإسلام تشريعاتٍ وتوجيهات، تتعلق بالمولود منذ رؤيته لنور الحياة، مثل: الفرح به، وحمد الله على ولادته بسلام، وتسميته، واختيار أحسن الأسماء له، والاحتفال به، والذبح عنه، وهو ما يُعرف باسم (العقيقة)، وغير ذلك من أحكام، جمعها ابن القيم في رسالة سمَّاها: (تحفة المودود في أحكام المولود). بل هناك أحكام شرعية تتعلق بالإنسان، وهو جنين في بطن أمه، أي قبل أن يولد ويعرف له اسم، كالأحكام التي تتعلق بالمرأة الحامل، والمحافظة على الجنين وعلى حياته، فلا يجوز لها أن تجهض حملها عمدًا، ولو جاء من حرام، فهو لا ذنب له، وإن كان صوم رمضان يضرها أو يضره؛ فلا يجوز لها أن تصوم إلى غير ذلك من الأحكام.
الامتداد الطولي للمنهج الإسلامي
ويظل الإسلام يصحب الكائن الإنساني في أطواره كلها: في مهده ورضاعه وفطامه، وتربيته وتعليمه وتغذيته، وإلهامه وإمداده، وتدريبه في صباه وشبابه، ويفاعته ورجولته، وكهولته وشيخوخته، بما فيها زواجه وإنجابه، ومعاشه وعمله الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي والسياسي، حتى يدخل القبر.
والأحكام التي تتعلق بالمرض والوفاة معروفة لدى عامة المسلمين، وهي التي تُعرض في الفقه الإسلامي تحت عنوان: (أحكام الجنائز).
الامتداد العرضي والأفقي للمنهج الإسلامي
وكما يصحب الإسلامُ المسلمَ طُوليًّا، أو رأسيًّا، أو زمنيًّا، عمرَه كله، يصحبه عَرْضيًّا، أو أفقيَّا، أو مكانيًّا– في مجالات حياته كلها كذلك. في البيت، وفي المسجد، وفي المدرسة والجامعة، وفي السوق، وفي المزرعة، وفي المصنع، وفي المكتب، وفي المتجر، يصحبه حين ينام، وحين يستيقظ، وحين يعمل ويكد لدنياه، وحين يلهو ويروِّح عن نفسه، حين يتعبد لربه، وحين يتعامل مع خلقه، وحين يتعلم ويتثقف، وحين يغدو ويروح، وحين يتعب، وحين يستريح. يشعر في ذلك كله أنه ملتزم بمنهج لا يجوز له التخلِّي عنه، أو الانفلات منه، بل يتلو دائمًا قول ربه: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، "الأنعام:161- 162".
الامتداد العمقي للمنهج الإسلامي
وكما يمتدُّ الإسلام في حياة المسلم طُولًا وعرْضًا، يمتدُّ فيها عُمْقًا، فهو مع المسلم في كل شؤونه وأحواله، المادية والروحية، والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، إنه مع المسلم بأوامره ونواهيه، وتشريعاته ووصاياه، في تفكيره وثقافته، وفي عواطفه ومشاعره، في أكْلِه وشُربه، وفي ملْبَسه وفي زِينته، وفي مِشيته وجِلسته، وفي فرَحه وحُزنه، وفي ضَحِكه وبكائه، وفي نومه ويقظته، وفي جِدِّه وهزْله، وفي خَلوته وجَلوته. لا يغفل الإسلام أن الإنسان مخلوق ركبه الله تركيبًا عجيبًا، فهو مخلوق من طين، والطين لا يخلو من الكدر، ولكن الله سوَّاه ونفخ فيه من روحه، حين طلب من الملائكة أن تسجد تحية له، وطرد إبليس من حضرته حين رفض ذلك. وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ* قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ)، "الحجر: 28- 41".
إنه مع المسلم في علاقته بنفسه، وفي علاقته بربه، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وفي علاقته بأسرته، وفي علاقته بجيرانه وعشرائه، وفي علاقته بمجتمعه وأمته، وفي علاقته بأهل مِلَّته، وفي علاقته بمخالفيه في دينه، وبعلاقته بالعالم من حوله، مسالمين ومحاربين، وبالكون كله أرضه وسماءه، ما يُرى وما لا يرى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، "النساء:1".
إن هذا الدين هو منهج الله للإنسان، أي: للإنسان كله، ما نبصره منه وما لا نبصره.. الإنسان روحًا، والإنسان جسمًا، والإنسان عقلًا، والإنسان وجدانًا، والإنسان إرادة. الإنسان فردًا، والإنسان في أسرة، والإنسان في جماعة، والإنسان في دولة، والإنسان في أمة، والإنسان في محيطه العالمي. فهو يشرِّع له ويوجِّهه في كل أحواله، وفي كافَّة أموره؛ حتى لا يتِيهَ في الدرب، ولا تتفرَّق به السُّبل، كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، "الأنعام:153".
المسلم مقيد بشرع الله في كل حياته
إن المسلم مقَّيد بحدود الله وأحكامِه وتعليماته، في حياته كلها: في ثقافة فكره، وعواطف قلبه، وسلوك جوارحه، وبعبارة أخرى: في اعتقاداته وأفكاره، وشعائر عباداته، وحلاله وحرامه، ومشاعره وأقواله، وأعماله وأخلاقه، في حبه أو كرهه، في سلمه أو حربه، فهو إذا تعلَّم أو فكَّر أو تعامل بعواطفه: مُقيَّد بأمر الله ونهْيه، أي: بشرع الله. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، "الأحزاب:36".
وهو إذا أحبَّ أو كرهَ، رضِيَ أو سخط، فرح أو حزن، قبل أو رفض: مقيَّد بشرع الله، ولهذا جاء في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به". وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُنَّ فيه، وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يقذف في النار".
وهو إذا عبَّر عن فكره أو شعوره، بلسانه أو قلمه، بشعره أو نثره أو رسمه: مقيد بشرع الله.
فشرع الله تعالى، أي أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، يحكمه في حياته كلها، منفردًا أو مجتمعًا، لا ينفصل هذا الشرع عنه، ولا ينعزل هو عن هذا الشرع؛ لأن الله معه دائمًا، ولا يغيب عنه، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، "البقرة:115".
وإن شرَّق المرء المسلم أو غرَّب، فالشريعة معه توجِّهُه حيثما توجَّه، وتحكمه أينما سار، يمنة أو يسرة، كما قال تعالى لرسوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ* هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، "الجاثية:18- 20".
الإسلامُ يصحب المسلمَ زمنيًّا ومكانيًّا ورأسيًا وأفقيًا.. يمتدُّ الإسلام في حياة المسلم طُولًا وعرْضًا وعُمْقًا وهو معه في كل شؤونه وأحواله
ربط المسلم بربه دائمًا
ومن خصائص المنهج الإسلامي: أنه يقصد ويعمل على ربط المسلم بربه في كل حين، وفي كل حال، في كل قول أو عمل، فإذا كان كل شيء، في هذه الدنيا خلق من أجل الإنسان، ومنفعة الإنسان، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، "البقرة:29"، فالإنسان كله قد خلق لله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، "الذاريات:56- 58".
فلذلك تتميز الآداب الإسلامية كلها: في الطعام والشراب، واللباس والتزيُّن والزواج، والبيع والشراء، والصحبة والسفر، وفي كل شؤون الحياة، بالمعاني الربانية المرتبطة بها.
ولذلك نجد في كل هذه الألوان من الحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، أذكارًا مأثورة، تصل المرء بربه، وترطب لسانه بذكره، وقلبه بمحبته.
فهو يبدأ طعامه باسم الله، ويُنهيه بالحمد لله، وكذلك شرابه، وكذلك لباسه وتجملُّه، يبدأ بذكر الله تعالى المناسِب له، الذي ينبغي أن يحفظه ويذكره في كل مناسبة له، كما ذكر لنا القرآن نموذجًا، فقال: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)، "الزخرف:12- 14". فهو إذا ركب الراية أو السفينة ذكر الله، وكذلك إذا ركب السيارة أو القطار أو الطائرة، أو ما هو أسرع ذكر الله.
الإسلام هو دين الله الواحد
والإسلام هو دين الله تعالى الواحد، الذي أنزل به كتبه، وبعث به رسله، حسب حاجة الخلق، منذ خلق الله آدم أبا البشر، إلى أن ختم رسله بمحمد عليه وعليهم الصلاة والسلام. اتفقت رسل الله وأنبياؤه جميعًا على أصوله العقدية والأخلاقية، وجعل لكل منهم شرعة ومنهاجًا، كما قال تعالى في كتابه الخالد، الذي أنزله على نبيه الخاتم: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، "الشورى:13". وقال تعالى في سورة أخرى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، "المائدة:48".
لهذا كانت عقائد الأنبياء، وقيمهم الأخلاقية واحدة، وإنما تختلف شرائعهم، ولذا قال المسيح لليهود: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، "آل عمران:50".
وجاء الإسلام بالشريعة العامة الخالدة، التي نسخت كل الأحكام المرحلية، التي جاءت بها الشرائع السابقة، وكل الأحكام التي كان تشريعها لظروف خاصة، كالمحرمات التي حرمت على اليهود، جزاءً على ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِل)، "النساء:160- 161".
ولهذا أعلن عن شريعة محمد في كتب الأقدمين، من قبل أن يبعث، بما وصفه القرآن: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، "الأعراف:157".
هذا الإسلام العظيم، الذي حُفِظَ كتابُه المُبين: القرآن الكريم، فبقي كما أنزله الله تعالى (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، "هود:1". وتكفل الله سبحانه بحِفْظِه، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، "الحجر: 9".
وامتنَّ سبحانه به على الأمة فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، "المائدة:3".
قال أُنَاس من اليهود: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. فقال عمر: أيَّةُ آيةٍ؟ فقالوا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، "المائدة: 3". فقال عمر: إني لأعلم أيَّ مكان أُنزلت؟ أُنزلت ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم واقفٌ بعرفة. أيْ: أنزلت في يوم العيد، ومكانِ العيد.
أَعْلَنَ القرآنُ أن كل الرسل والأنبياء من قبلُ كانوا مسلمين.
فشيخ المرسلين نوح قال لقومه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، "يونس:72".
وإبراهيم قال الله في شأنه: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، "آل عمران:67"، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، "البقرة:131".
ويعقوب مع إبراهيم وبنيه مسلمون: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، "البقرة:132".
ويوسف قال لربه: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، "يوسف:101".
وموسى قال لقومه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)، "يونس:84".
والمسيح قال لقومه: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، "آل عمران:52".
والأنبياء في العصور كافة كانوا يدعون الناس إلى الإسلام، لا إلى أنفسهم، أو أقوامهم، أو مصالحهم، هذا هو شأن كل نبي: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، "آل عمران:80".
ولذا أعلن الله عز وجل في هذه السورة هذه الحقيقة الناصعة، التي أصبحت قاعدة عامة للبشرية كافة: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، "آل عمران:19".
كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، "آل عمران:85".
المسلم مقَّيد بحدود الله وأحكامِه في ثقافة فكره وعواطف قلبه وسلوك جوارحه
وإذا كان الناس في عصورهم المختلفة، قد بدا لهم أن يغيروا في حقائق هذا الدين الواحد، بما فيه من معتقدات ومفاهيم، وعبادات ومعاملات وتشريعات، وأخلاقيات، فقد أذن الله لخاتم رسله محمد أن يبعثه ويختم به الرسل، ليجدد هذا الدين الواحد - الإسلام الذي بعث به كل الرسل - ويُجلِّي أصوله، ويُرسِي قواعده، ويشرح أهدافه، ويُقِيم أمتَه، ويُعلِي حُجَّتَه، ويرفع رايته، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، "الأنبياء:92".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.