خطاب أحاط تقريبا بمجمل المشاكل رغم قصره وإرتجاله.. أما الذي يشد الإنتباه أكثر فهو خاصة حثّه الشعبَ على أداء واجبه الإنتخابي «بكثافة».فالمتوقع هو عزوفٌ انتخابيٌ غير مسبوق.لا سيما وأن هيئة الإنتخابات غير مكتملة وكذلك المحكمة الدستورية كما أشار هو نفسه،وهذا طبعا من واجبات السلطة التي هو رأسها. فهل نتوقع من الشعب المنهك بوعود واهية وحكومات فشل متتالية أن يؤدي «واجبه الإنتخابي بكثافة»؟... اليوم البلاد( وغيرنا من الأشقاء) في حاجة ماسة الى مراجعة فكرية عميقة لإصلاح جذري. وإنه لمن العبث مواصلة «تطبيب السرطان بمرهمٍ للجروح»، وفي هذا توجد ثلاث قضايا ملحة تستوجب المعاينة والمكاشفة من اجل المعالجة بأنجع الوسائل بعيدا عن الأديولوجيات، وهي قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية: 1 اجتماعية ،والحل يكون بالقطع مع الإعتباطية التي يسمونها «حداثة» التي هي مجرد استلاب ثقافي وحضاري يضر ولا ينفع .قال الشاعر الحكيم يصف تفسّخ العربَ: قلَّدوا الغربيَّ لكن في الفجور * وعنِ اللّبِّ إستعاضوا بالقُشورِ! 2 اقتصادية ، والحل يكون بالمنوال التعاوني والقطع مع «الدروينية الإجتماعية» التي يدافع عنها زعماء الجماعات المنحرفة الإخوانية، فهم لم يسلم من تكفيرهم لا عبد الناصر ولا فرحات حشاد ولا حتى احمد شوقي الذي قال في مدح سيدنا محمد: والإشتراكيّونَ أنت إمامُهم * لولا دعاوي القومِ والغُلَواءُ...داويتَ متّئدًا وداوُوا طفرةً * وأخفُّ من بعض الدواءِ الدّاءُ !... فالشيوعية صحيح لن تولد أما الإشتراكية فلا تموت! إن أكبر دليل على صحة هذا هو ما يحدث الآن بفرنسا»الليبرالية»... انظر مقالي القديم : تورس- المدنية مابين الإسلام والإشتراكية) 3 سياسية ،وهنا الحل الوحيد هو الوفاق الوطني ( لكن شتان بين الوفاق والنفاق...فلا وفاق مع محاصصات!...أنظر مقالي: الشروق- هل يمكن ان نجعل من الأفعى علاجا للسرطان؟). ختاما : إن تردي الأوضاع تعود اسبابه الى عوامل سياسية مترتبة عن تشتت الإرادة نتيجة لتعدد الأحزاب.ولكن وبما أن وباء الأيديولوجيات وكذلك الزعامتية لا تسمح بأي إتحاد أو تقارب بين هذه الأحزاب( اللهم لغايات شخصية!) فعلى الشخصيات الوطنية المتميزة المبادرة (والتميز الذي نعنيه هنا هو اساسًا، وقبل ما يسمى «تكنوقراطية»، هو التميّز بالنزاهة والمِصداقية والنضالية، فالقضية في جوهرها أخلاقية أولا وأخيرا) ،ومن بين هذه الشخصيات نذكر خاصة الدكتور قيس سعيد وكذلك الصافي سعيد والمنصف وناس ..(دون اغفال من بقي من قدماء الوطنيين والمقاومين من الرعيل الأول بشقيهم البورقيبي واليوسفي..فحضور هؤلاء يشكل دعامة قوية ! ). إن هذه الهيئة لو تشكلت ستكون كفيلة بتجميع كل التونسيين الصادقين الجادين في جبهة واحدة بعيدا عن كل الأحزاب التي عبثت بالبلاد. إن الواجب يفرض الشروع الفوري في تكوين هذه الهيئة ،والتي من الأفضل يكون بناءها من القاعدة الى القمة بإشراف ومحاورات ومقترحات الشعب!