رئيس البرلمان يلتقي ممثلات عن هيئة مكافحة الفساد السابقة    اجتماع وزاري تونسي ليبي وهذا أبرز ما جاء فيه.. #خبر_عاجل    مبلغ "ضخم للغاية": متحف اللوفر يكشف عن قيمة المسروقات..    عاجل/ بريطانيا ترفع "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب    المجبري يواجه إتّهاما أمام الاتحاد الانقليزي.. #خبر_عاجل    حالة الطقس هذه الليلة    الخميس.. مفتتح شهر جمادى الأولى    الحية: "ما سمعناه يطمئننا أن حرب غزة انتهت"    نائب : عدد من النواب اقترحوا لائحة لوم ضدّ الحكومة    ريال مدريد يعترض على إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي    بودربالة امام الاتحاد البرلماني الدولي: الأوضاع العالمية كشفت بوضوح قصور النظام متعدّد الأطراف    الدورة 28 للمهرجان الوطني لمسرح التجريب بمدنين مهداة لروح مؤسسها الفقيد أنور الشعافي    سلّم نفسه إلى سجن «لا سانتيه» في باريس..لعنة القذافي تسقط ساركوزي    رابطة ابطال اوروبا: ألونسو يشيد بمبابي قبل مواجهة جوفنتوس    الحمامات تستضيف الملتقى الجهوي الأول للموسيقى بنابل في دورة تحمل اسم الفنان رشيد يدعس    المنستير: انطلاق أشغال مشروع بناء دار الثقافة بقصرهلال بكلفة 4 ملايين و879 ألف دينار    زغوان: تخصيص اعتمادات بنحو 120 ألف دينار لإحداث مشاريع في مجال تربية النحل    تحبّ تخزّن الدقلة لرمضان؟: هذه طرق بش تستحفظ عليه أطول فترة ممكنة    تحذير/ 7 أعراض لا تتجاهلها..فقد تشير إلى الإصابة بسرطان الدماغ..    موسم القوارص يبشّر بصابة قياسية في تونس... اتحاد الفلاحة يكشف    ما حقيقة دهس مواطن بسيارة أمنية في قابس؟.. مصدر أمني يكشف #خبر_عاجل    9 دول أوروبية تطالب بفتح معابر غزة وضمان وقف إطلاق النار    تونس: عائلات المفقودين في عمليات ''الحرقة'' يحتجّون    أصحاب الشهائد المعطّلين عن العمل يعبّرون عن رفضهم لمشروع قانون المالية 2026    17 فيلما من 10 بلدان في الدورة الثامنة لمهرجان "وثائقي المتوسط"    القصرين: عملية بيولوجية جديدة لمكافحة الحشرة القرمزية    النادي البنزرتي: الدخول في تربص مغلق إستعدادا لمواجهة الملعب التونسي    إستعدادا لمونديال كرة السلة 2027: المنتخب الوطني يبرمج 4 مباريات ودية    كيفاش تحافظ على زيت الزيتونة ويقعد معاك مدة طويلة؟    عاجل : دراسة صادمة... لحوم البقر والأسماك تسبب أعراض الاكتئاب    بن عروس: الشروع في تأمين عيادات في اختصاص جراحة العظام بالمراكز الوسيطة بالجهة    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025 إلى 3.3 بالمائة..    عاجل/ حادث اصطدام عربتي المترو 3 و5: تفاصيل جديدة ووضعية المصابين..    تأمينات البنك الوطني الفلاحي: رقم الأعمال يزيد ب9،8 بالمائة ويبلغ 136 مليون دينار موفى سبتمبر 2025    التجارة الخارجية: هل لا تزال تونس قادرة على الحفاظ على استقلالها الاقتصادي؟    بمناسبة الذكرى 77 لتأسيسها: الخطوط التونسية تطلق عروضا استثنائية لمدة 77 ساعة    البطولة العربية للجيدو للاكابر بالعراق: تونس تتوج بذهبية مسابقة الفرق للسيدات    تونس تشارك بثلاثة لاعبين في بطولة العالم للكرة الحديدية المقيدة لاقل من 18 و23 عاما    قابس: تنفيذ الاضراب العام الجهوي مع تواصل العمل ببعض القطاعات الحيوية    عاجل: الخميس القادم...القضاء ينظر في قضية ضدّ المجمع الكيميائي    عاجل: حضّروا كلّ الوثائق...التسجيل للباك يبدأ غدوة    تونس تتألّق في الصين: 7 ميداليات في بطولة العالم للووشو كونغ فو    مسيّرات تضرب منطقة مطار الخرطوم قبيل إعادة افتتاحه    "حرق جثمان السنوار": تفاصيل مقترح إسرائيلي "غريب"..ما القصة..؟!    مدنين: استعدادات حثيثة لاحتضان جزيرة جربة الملتقى الدولي للمناطيد والطائرات الشراعية    ساناي تاكايشي أول امرأة في تاريخ اليابان على رأس الحكومة    أصداء التربية بولاية سليانة .. مهرجان circuit théâtre    في ظل عزوف الأطفال عنها .. كيف نحوّل المُطالعة من واجب إلى مُتعة ؟    مواطنة من أمريكا تعلن إسلامها اليوم بمكتب مفتي الجمهورية!    وكالة النهوض بالصّناعة والتجديد تفتح مناظرة خارجية بالاختبارات لانتداب 14 إطار    شركة نقل تونس: اصابة عون التأمين وحالات هلع في اصطدام بين عربتي مترو... ولجنة للتحقيق في الحادث    أجواء ربيعية خلال ''الويكاند''    طقس اليوم: سحب أحيانا كثيفة بهذه المناطق مع أمطار متفرقة    لا تدعها تستنزفك.. أفضل طريقة للتعامل مع الشخصيات السامة    دراسة علمية تربط بين تربية القطط وارتفاع مستوى التعاطف والحنان لدى النساء    التوأمة الرقمية: إعادة تشكيل الذات والهوية في زمن التحول الرقمي وإحتضار العقل العربي    عاجل: الكاتب التونسي عمر الجملي يفوز بجائزة كتارا للرواية العربية 2025    لطفي بوشناق في رمضان 2026...التوانسة بإنتظاره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقدٌ ومقترَحٌ !
نشر في الصريح يوم 26 - 09 - 2018

منذ الثورة والبلاد تنحدر بإضطراد الى الإفلاس الإقتصادي،واليوم الإفلاس السياسي وهوالأخطر، فضياع العقل ضياع كل شيء..!
المقترح: سأقوم بتقديم "المقترح" على "النقد"،فالنقد تعج به البلاد دون حلول مقترحة،فإشعال شمعة افضل من قضاء العمر في شتم الظلام..الحديث النبوي الشريف يدعو الى درء السوء باليد او باللسان،أما بالقلب فهو أضعف الإيمان.
والمقترح في الحقيقة سبق لي منذ سنتين إن قدّمته بدعوة الى تشكيل هيئة وطنية،لكن دون استجابة!!..ولقد اشرتُ حتى الى بعض الشخصيات التي بدت لي تحظى بمصداقية وشعبية معتبرة كالدكتور قيس سعيد والدكتور المنصف وناس وغيرهما وربما يحتاجون دعما رمزيا ومعنويا ممن بقى من الرعيل الأول من قدماء الدساترة المناضلين والمقاومين..أما بقية الأحزاب جميعا فالشعب اليوم صار يشمئز منهم ومن كتلهم وتوافقاتهم وجبهاتهم .هم الآن كالأبرة تخيط بلا خيط،لا يمثلون إلا أنفسهم. وحتى مجرّد استمرارهم في المشهد يشكل احباطا للشعب واثباطا لهمّته وتعطيلا لما يزعمون خدمته"الإنتقال الديمقراطي"..الشعب من حقه وواجبه أن ييأس من كل هذه الأحزاب التي حولت البلاد الى مناكفات و حلبة صراع مذهبي وعبثت بالبلاد وجعلت منها فأر تجارب بحكومات فشل متعاقبة:ففي غابر الأيّام ما يَعِظُ الفتى* ولا خيرَ في من لم تعِظْه التجاربُ.. اليوم لا حل جذري إلا بهذه الهيئة الوطنية عسى أن ينتخبها الشعب بكثافة كبيرة تمكنها من أغلبية مريحة تسمح لها بتصحيح مسارالبلاد الذي حادت عنه منذ الثورة(نقول هذا رغم سابق معارضتنا لبن علي وإقراننا بفساد حكمه..لكن حتى في الشرّ يوجد مجال للإختيار، رُبّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا* صرتُ في غيرٍهْ بكيتُ عليهِ..)..هذه الهيئة يجب ان تكون بريئة من التحزبات ومن أي إنتماء أو تعصب ايديولوجي. إن هذا إن تحقق فسيكون بمنزلة التحرر والإستقلال!..
النقد: ربما من اكبر أخطاء السيد الباجي قائد السبسي حين أسس حزبه - حزب نداء تونس- هو أنه لم يتجدّد فكريا ليستوعب كامل الشعب، وإنما بقي سجين نفس الأيديولوجيا ( وللإنصاف هو قبل تأسيس حزبه بنصف سنة تقريبا، دعى القوى الوطنية الى الإتحاد،لكن دون جدوى..) ايديولوجيا لم تعد اليوم تعني أكثر من ربع الشعب بدليل نتائج الانتخابات وتعدد المعارضين والمناوئين..أما الخطأ الثاني فهو"فرضه" لرئيس حكومة غير معروف وعديم الخبرة دون استشارة غيره، وبهذا ارتكب غلطة مزدوجة،فالثانية هي: تقارب السن بينه وبين نجله!..نعم هكذا صارت الأمور!
حديث الأيديولوجيا: أما بخصوص الايديولوجيا عامة فهي،وبعكس ما يزعم البعض وخاصة بعد سقوط المنظومة الإشتراكية،هي غير معرقلة، بل هي "عطرُ الحياةِ السياسيةِ والإجتماعيةِ" فكما يقول المتديّنون والوجوديّون على حد السواء الحياة ليست مجرد أكل وافرازات،فقلبٌ بغيرِ غرامٍ جسمٌ من الرّوحِ خالي..لكن القضية الخطيرة هي تضارب الأيديولوجيات في البلد الواحد! فالأيديولوجيا الحميدة وحيدةٌ او لا تكون، تماما كالزعيم او الدين.ومن هنا يتضح لنا سبب من اهم اسباب تخلفنا وتأرجحنا في نفس المكان كعرب ومسلمين: تعدد وتضارب الأيديولوجيات بشكل لا مثيل له في العالم!..لا تخلو أي دولة من شذرات ايديولوجية ،فإن لم تجدها تختلقها اختلاقا حتى بإفتعال منافسة مع أمم اخرى او مزاعم محاربة "قوى الشر"..إن الدولة الأيديولوجية او العقائدية دولة قوية جدا بغض النظر حتى عن "منطقية الايديولوجيا" التي تحملها،المهم هو أن تحتوي غالبية الشعب.الدولة الأيدولوجية والعقائدية صعبة الإختراق في الحرب والسلم، ولذا عادة ما يستهدفها العدو في النواة أي ايديولوجيتها أوعقيدتها!(وهذا بالمقابل ما يفسّر حزم ودكتاتورية الدول الشمولية كدفاع منها عن الوحدة القومية!..)
أما عندنا وكما ذكرت فكل ما فعلته الأحزاب هوتلويث البلاد النقية من المذهبية والطائفية بمذهبية أدهى:التناحرالأيديولوجي الذي لا يترك اي مجال للتآلف والتوافق الحق.ومن المهازل أن نرى هذه الأحزاب التي مازالت سجينة نظرية الفحل و الزعيم الأوحد والقائد مدى الحياة تزعم النضال الديمقراطي والتداول على السلطة !..احزاب استئصالية ابعد ما تكون عن الديمقراطية،فكل طرف يشيطن الآخرين ويخوّنهم، ولو تتاح له الفرصة يبيدهم فكريا وربما جسديا(كيف لا ونحن نراه الآن حتى في الحزب الواحد!)وحتى دخولهم في جبهات او توافقات فإنما ذلك"تكتيك": كِلانا بها ذئبٌ يحدّثُ نفسَهُ *بصاحبِهِ والجِدّ يُتعِسُهُ الجِدُّ..
سراب الحزبية عندنا: من المعلوم الحراك الثوري الذي اسقط بن علي كان بلا قيادة ولا وصاية حزبية( بإستثناء الإتحاد العام التونسي للشغل الذي احتضنه) وفي تلك الفترة كان الشعب على درجة ملحوظة من الإتحاد والتعاون. وما إن اطلّت الأحزاب برأسها حتى بدأت الصراعات والإنقسامات.وهكذا من خلال هذه التجربة المريرة تتضح النتيجة: الشعب اسقط الدكتاتورية بتآخي وإتحاد ونكران ذات، وجاءت الأحزاب الأنانية لتفرق الشعب وتسقط الوطن.إن هذا يحيلنا الى الإمام محمد عبده - الشرقُ لا ينهض به إلا المستبد العادل- بل وحتى الى القذافي - من تحزب خان-!
في الذكرى السادسة وحتى السابعة للثورة كتب راشد الغنوشي،وقد أقر ببعض الصعوبات التنموية والأمنية،قال :بعد ستة سنوات من الثورة نحن سعداء، لنا برلمان منتخب وحكومة مزكاة من طرف البرلمان، لنا صحافة حرة، لنا شارع يعبر عن مشاكله بكل سلمية، لنا مجتمع مدني قوي،لنا عدالة انتقالية، لنا هيئة تدير الانتخابات بحرية.. نحن متجهون نحو المستقبل!!..فكيف يستقيم هذا التفاؤل مع تشاؤم رئيس الدولة ومنه خطابه الأخير بمناسبة ذكرى الإستقلال حيث اعتبر80% من الشعب محبطًا..كيف يعقل لشيء واحد يراه الأول "اخضر" والثاني "احمر" لا سيما وأنهما في نفس الإئتلاف الحاكم!؟
لونبحث في سجل الوعود الواهية للسياسيين فتقريبا لن نجد حزبا واحدا صدق وعده. فحتى إقرار الرئيس الباجي الصريح والمتكرر بسوء الوضع لا يشفع له في إخلاله الكبير بوعوده ومنها: مقاومة البطالة وتركيز قطب صناعي بكل ولاية وتمديد سكك حديد وطرقات وتكنلوجيا متقدمة وإستثمارات ب155 ألف مليار..( والعجيب هو أن اغلب قياديي النداء الذين نستمع إليهم اليوم كانوا من المؤيدين!!..فناجي جلول وعد بأن حزب النداء سيحصل على "100مقعد في قادم الإنتخابات" أما خالد شوكات فله المقال : نعم..لهذه الحكومة رؤية وبرنامج؟.. )..إن كل السياسيين خدعوا الشعب،فمن أراد "باقة من وعود النهضة" ومن ذلك 590ألف موطن شغل(!!) فعليه بالفيديو المسجل بصوت الحبيب اللوز(انظر :تفرجوا في متاع تجار الدين في تونس)..وفي المحصلة:الشعب فقد الأمل والثقة في السياسيين..هي اخلالات تدفع حتى الى انتفاضة.فبحسب الفرنسي آلبير كامو :الثورة تكون على الإستبداد وعلى الكذب أيضا!.. لكن ما السر في صبر الشعب لا سيما وأن اوضاعه أسوأ بكثير مما كانت عليه عهد بن علي!؟ الجواب هو:ارادة الشعب الآن مفتّتة واهية نتيجة للتحزبات!!إرادةٌ كانت موحّدة كالحبل والآن تم تقسيمها بين الأحزاب لهذا شبر ولذاك شبران..الشعب كان كالسيل إذا سال يهدّ القبورَ رمسًا برمسِ. لكن اليوم كالنهر المتجمّد خارَ عزمُه وإنقطع عن الخرير!إذن المتحزبون هم سبب قهرالعباد و نكبة البلاد، فلا هم أفلحوا في التسيير بتوحيد او تنسيق جهودهم ولا هم أعادوا إلى الشعب إرادته المسلوبة..
اليوم كل حزب( وخاصة ايديولوجي) يدّعي القدرة على إنقاذ البلاد إنما هومغالطٌ يستغفل الشعبَ بحثا عن تموقع.فحتى لونفترض حصوله على أغلبية انتخابية ( "اغلبية"ربما تتحقق حتى بنصف مليون ناخب فقط بإعتبار العزوف الإنتخابي الفظيع..) فإن ضُعفَ سندِه الشعبي يجعله مرتبكًا عاجزا، لا سيما وأن بقية الأحزاب لن تترك له أي مجال لتنفيذ"عبقريته" فهي احزابُ ايديولوجية تتقن الشيطنة والتخوين ووضع العصا في العجلة..والبلاد في الحقيقة لا حاجة لها أصلا "بعبقرية" ولاحتى بتكنوقراط، فالمطلوب ليس" الطلوع الى القمر".وعموما تعدادها لا يتجاوز تعدادها نصف مدينة القاهرة!..العبقرية الحقيقية هي توحيد الجهود!..
لكن هل اتحد القوميون جماعة - من المحيط الى الخليج-؟!فهم لم يتحدوا حتى فيما بينهم!وكذلك جماعة اليسار- يا عمال العالم اتحدوا- ..وحتى جماعة -الوحدة القومية الصماء- كركيزة اساسية للفكر البورقيبي هم ايضا كل حزب بما لديهم فرحون ! وفي المحصلة نقول لهم جميعا :من كان عاجزا عن توحيد نفسه فهو اعجزعن توحيد غيره،ففاقد الشيء لا يعطيه.
حديث الديمقراطية: ربما هنا يجوز طرح السؤال: هل نحن غير أهل للديمقراطية!؟ لمذا فشلت عندنا في تونس( كما فشلت الفوضى في المشرق:ليبيا اليمن سوريا..)هل يعني هذا انْ لا اهلية لنا لا في ديمقراطية ولا في فوضى!؟..هذا سؤال كبير وقد كتب فيه الكثيرون..إنّ الذي اضلّ نخبَنا الفكرية والسياسية عن الصواب هو اعتقادهم الخاطئ بأن الديمقراطية اختراع و شطحات حداثوية فيها تقاد الجماهير الى الجنة بالسلاسل، دون ان يدركوا أنها في الحقيقة فِطرةٌ !فالديمقراطية ومنذ نشأة السّلط والدول مطمحٌ بشريٌ.فالإنسان(علاوة عن احتياجاته المادية الحيوية، وهي طبعا أولى من كل شيء،لأن المحتاج لا تعنيه الديمقراطية ولا الحرية ولا حتى الحياة.انظر مقالي القديم: تورس: المدنية مابين الإسلام والإشتراكية) جُبل بالسليقة دون سائر المخلوقات على- الحرية- وعلى - العقل أي المعقول-[ فطرةَ اللهِ التي فطَرَ النّاسَ عليها..].وهنا نصل الى مربط الفرس وبيت القصيد(رغم يقيننا وإيماننا بوحدة الإنسانية): هل يوجد مفهوم مطلق"كُسموبوليتي" ل- الحرية - و- للمعقول-؟؟ لمذا إذن تحدث حركات الإستقلال ومن ذلك مثلا انشقاق باكستان أو بنغلاديش عن الهند؟؟ أليس لأن المعقول عند البعض غير معقول عند البعض الآخر ومنه "ذبح البقر"!!؟..إذن من المستحيل نجاح ديمقراطية مستوردة مستنسخة( ناهيك عن الإملاءات!) فلكل شعب الديمقراطية التي تناسب مقاييسه بحسب ثقافته وأصالته وامكانياته المادية والرمزية.
حديث الأخلاق: إن عدم احترام هذه الحقيقة التي ذكرنا هو الذي سبب بلبلة ونشاز اجتماعي كبيرحيث أنتج قطبين متناظرين: أصولي متحجّر وتغريبي "انسلاخي" كما يقول محمد الطالبي، ولكل شق أخلاقه الخاصة به.فصرنا الآن ب"اخلاق موازية" أو تعدد القيم الأخلاقية.فنحن كعرب ومسلمين وبعد عقود وعقود من"الإستنهاض"وما صحبها من تداخل وحتى تلوث فكري ناتج عن "سوء الهضم"( وأيضا تلويث الدعوة"الدينية" التي تنفجر من حين الى آخر في شكل تكفيري او جهادي زائف...انظرمقالي القديم: تورس: الإسلام والسياسة) لم يعد لدينا الآن مقياس موحّد للأخلاق السوية الوسطية بل اخلاق متطرفة بالحداثوية وأخرى متطرفة بالأصولية،وهو تماما على شاكلة ما حدث للطبقة الوسطى التي كادت تنقرض وأخذت مكانها طبقتان متناظرتان: "البؤساء والمترفون"،فكذلك في الأخلاق: أخلاق "الإسلام الغاضب"من جهة واخلاق "الإنسلاخيين"من جهة مقابلة..أما الصواب فهو: لا افراط ولا تفريط ،فالمنبتّ لا ارضًا قطع ولا ظهرًا أبقى..إن الأخلاق هي روح كل الثورات،وثورة بلا أخلاق ثورة ميّتةٌ.ولكن هل توجد أخلاق دون أصالة قيميّة ؟؟..إذن لا مفر من التأصيل(المنفتح الواعي طبعا!) فهو"سماد الأخلاق"، فإذا ذهبت الأخلاق ذهب كل شيء تماما كذهاب العقل.فلولا الأخلاق ما الفرق بين بشر وحيوان؟ وحتى الشيطان؟؟
لا نبالغ بالقول"90%"من المنازعات التي تغص بها المحاكم ومنها العداوات والتوترات وحوادث الطرقات تُعزى الى خلل أخلاقي( هذا دون الحديث عن عصابات الفساد ولوبياته الكبيرة).ورغم هذا يعتبر بعضهم الأخلاق " قضية ثانوية"..ويحسبونه هيّنًا وهوعند الله عظيم!..فحتى الأزمات السياسية التي عصفت ومازالت تعصف بجميع الأقطار العربية وبكل العالم المتخلف سببها الجوهري سلوكي اخلاقي لا اكثر ولا أقل..
ولنسأل:هل إرتقى شعبنا أخلاقيا بهذه "الديمقراطية"؟؟..انظروا الى الفوضى والهمجية والجرائم والتجاوزات والانحرافات الفظيعة الغير مسبوقة!..ألا بئسَ ديمقراطية تفسد الأخلاقَ وتجعل الشعبَ يكره بعضه ويكره حتى نفسه ووطنه ليموت في البحر هربا منه..
حديث الشعب: وفي الحقيقة هذا الوضع كان منتظرا،فالشعب الذي ضاق ذرعا اليوم ب"الديمقراطية" هوأصلا لم يكن يطالب بها ، وإنما الديمقراطية مطلب نخبوي اناني قديم بغية افتكاك بعض المواقع من الماسكين بالحكم( وقد ينسحب هذا حتى على "عبد الرحمان الكواكبي" رائد الديمقراطية العربية!) وقد ظفروا بها اليوم!..لكن هل استفاد الشعب شيئا من تموقعهم؟ هل كان منتهى مطلبه هو أن يرى زيدًا او عمرًا نائبًا او وزيرًا او رئيس حزب اوجمعية بغض النظرعن الفساد الذي استشرى واستفحل اكثر وصعبت المعيشة وأقفلت الأبواب وانعدمت الأسباب؟؟ان المطلب الحقيقي للشعب هو العدل!..لقد اكد جميع الزعماء الوطنيين ومنهم بورقيبة وخاصة عبد الناصر على ترابطية الديمقراطية والعدل..وفي الحقيقة البلاد اليوم مهيئة لإشتراكية معتدلة بدليل ما نسمعه بشكل متكرر من المسؤولين ومن خبراء الإقتصاء وتشكياتهم من نفور الشباب من المبادرة الخاصة والتكالب على الوظيفة "مسمار في حيط"...طبعا هذه قضية كبيرة جدا جدا وتحتاج دراسة مستفيضة ومعالجة في العمق. ولكن أليس هذا "العمق"هو غاية الثورة،أم أن "الإصلاح" مجرد ذر الرماد في العيون!!؟
الخاتمة والخلاصة: الأحزاب جميعا لا أمل فيها ولا في اصلاحها.فالمطلوب الآن بكل إلحاح من الشخصيات الوطنية المبادرة السريعة بتشكيل هيئة وطنية تنقذ البلاد من براثن الأحزاب المخمورة بالشراهة،فأخطر شيء على البلاد هم الإنتهازيون الذين لاينظرون الى المناصب كوسيلة لخدمة البلاد وإنما لتحقيق ذواتهم .فحتى المبادئ والأحزاب التي يزعمون "النضال" في صلبها إنما هي مطية(بدليل السياحة الحزبية والنيابية ..وماخفي كان اعظم..)إن القضية في جوهرها قضية اخلاقية وفاقد الشيء لا يعطيه!..الوضع الراهن خطير كالإستعمار،فهويستقدمه بخطى حثيثة أصلا!..إن خطورة المديونية التي غرقت فيها البلاد كبقرة في الطين الى الكاهل تستوجب الشفقة والتجرّد من كل المآرب الذاتية.فالواجب الآن تنازلات وحتى التطوع ،وليس انهاك البلاد بالمطلبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.